هل ينير العهد بيوت اللّبنانيّين؟

في وقت قياسي سقط الأسد ومعه محور الممانعة، انتخب لبنان رئيساً “مغواراً” للجمهورية وكلّف رئيساً “عادلاً” لتشكيل الحكومة، وكأنّنا في حلم تحوّل بين ليلة وضحاها إلى حقيقة، واليوم ينتظر اللبنانيون استكمال هذا الحلم بالتنفيذ، ومن بين أهمّ فصوله الأساسية كهرباء لبنان. فهل ينير العهد بيوت اللبنانيين، أم الوصاية العونية المتربّعة على الفشل في وزارة الطاقة منذ عام 2011 ستستمرّ بتسوية ما لا تشبه رأس البلاد ولا رأس حكومتها؟!

من سيتسلّم وزارة الطاقة في الحكومة الجديدة؟ وما هي خارطة طريق الإنقاذ في ملفّ كهرباء لبنان كما يفنّدها أهل الاختصاص والثقة؟ وما هي المشاريع التي لا تزال قيد التنفيذ والحلول التي ستجد طريقاً لها نحو لبنان بعد التصالح مع العرب والعالم واستعادة الثقة الدولية بعد سنوت عجاف من العزلة؟

يؤكّد غسّان بيضون، المدير العامّ للاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه، والخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق، أنّ الاسم ليس هو المهمّ (اسم وزير الطاقة الجديد)، فيكفي بالنسبة له أن يكون “صاحب عقل نظيف وكفّ نظيف، والأهمّ هو الإصلاح. وقبل أيّ شيء أن يكون على رأس أولويّاته “تنظيف” الوزارة ممّن أحكموا قبضة فسادهم عليها على مدى 14 عاماً، والخلاص منهم ومن خططهم وإلغاؤها كأنّها لم تكن”.

إصلاح منظومة الكهرباء

أولويّة الكهرباء في برنامج الإصلاح الذي طرحه الرئيس جوزف عون يجب أن تبدأ بإصلاح منظومة الكهرباء. وقبل إصلاحها لا يفيد أيّ مشروع مهما كبر حجمه. ويحدّد بيضون عناصر الإصلاح الأساسية في منظومة الكهرباء كما يلي:

– تعيين هيئة ناظمة: فالهيئة الناظمة هي التي تعطي تراخيص إنتاج، وهي التي تضع المعايير والمواصفات والأصول وطرق الاستثمار والمنشآت. كما من واجباتها أن تحدّد كيف يجب أن تكون وكيف يتمّ ربطها بالمناطق وتحدّد التعرفة ودفتر شروط المناقصات وتراقب التنفيذ.

– ملء الشواغر: مجلس إدارة كهرباء لبنان فيه الكثير من الشغور. ورئيس مجلس إدارتها غير معيّن. لذا الحاجة ماسّة إلى دعم مواردها البشرية بموظّفين بالأصالة. فهناك 10 مديرين حاليّاً “ليس واحد منهم بالأصالة”. كما يجب ملء الشواغر في وزارة الوصاية لتكون قادرة على ممارسة الرقابة، حيث “لا مدير عامّاً في الوزارة، بل فقط وزير يأكل الفوشار ووزيرة سابقة تحكمه”.

– التأهيل: كما أنّ مبنى المؤسّسة يحتاج إلى تأهيل، وكذلك الأمر بالنسبة للشبكة. ومركز التحكّم يحتاج إلى إعادة إعمار.

– دعم المؤسّسة بالإصلاحات المادّيّة: فوضعها الماليّ يحتاج إلى تصحيح. والتعرفة يجب إعادة النظر فيها لتكون العلاقة مع الناس عادلة، لأنّه في حال تعكّر هذه العلاقة لا يمكن المباشرة بالإصلاح ومعالجة مشكلة السرقة والهدر “والتعليق على الكابلات” بطريقة غير شرعية، فـ”الناس” كانت تسرق كهرباء الدولة عندما كان الكيلوواط بـ 150 ليرة، فكيف هي الحال عندما وصل سعره للدولار ونصف الدولار في بعض الحالات؟

– التنمية الشاملة واللامركزية: (تحدّث عنها الرئيس في خطاب القسم) وضرورة تطبيقها في قطاع الكهرباء. ويعطي بيضون مثالاً على ذلك الامتيازات الممنوحة لكهرباء جبيل وزحلة “كنموذجين ممتازين من الوجهة التقنية فقط”. إذ تستطيع كهرباء لبنان أن تذهب نحو الطاقة المتجدّدة مع البلديّات التي لديها مشاعات وبالتعاون مع القطاع الخاصّ باعتباره “الوحيد القادر على أن يحمي أمواله المستثمرة عبر شبكات جديدة ومضبوطة ومراقبة 24/24”. وعندها يكون لكلّ منطقة نوع من الاستقلالية غير الشاملة.

– إعادة النظر في قانون تنظيم الكهرباء: من خلال نظرة جديدة في ضوء الوقائع وما يمكن تطبيقه وما لا يمكن تطبيقه.

كهرباء في البيوت خلال سنة؟

يقترح بيضون حلّاً قد يكون مدخلاً لوضع قطار الكهرباء على سكّة الإصلاح، وهو أن يستعين مجلس الوزراء أو إدارة كهرباء لبنان أو وزارة الطاقة بهيئة استشارية من قدامى “العقول” في “كهرباء لبنان”، أي من ذوي الكفّ النظيف والخبرة الكبيرة والتاريخ المشرّف. ويذكر منهم:

– الدكتور وليد دغيلي: تدرّج من أسفل السلّم لأعلاه وشغل مدير الدراسات في الكهرباء وتصميم المشاريع ولديه فكرة عن تكوين شبكة الكهرباء وإمكانية تقسيمها تقنيّاً.

– المهندس عامر طفيلي: كان مدير إنتاج ومدير توزيع ومدير رقابة، وكان المدير الوحيد بالأصالة في كهرباء لبنان خلال الـ20 عاماً الماضية.

– هاني الحسيني: كان المدير المسؤول عن علاقة المؤسّسة بالامتيازات، ولديه خبرة بدفاتر الشروط والامتيازات وكيفية تطبيقها ومراقبتها.

– جورج معوّض: تدرّج من أوّل السلّم وصولاً لمدير عامّ بالأصالة.

قرض بـ250 مليون دولار

في حال مواكبة الخطّة الإصلاحية السابقة الذكر، والاستعانة بأهل الاختصاص، يضمن بيضون أنّه خلال سنة واحدة وأقلّ من سنة سنرى نتيجة على الأرض، لأنّ حاجة الطاقة المتجدّدة، لا سيما الشمسية منها، إلى التمويل أقلّ بكثير من أيّ معمل تقليدي. كما أنّ هناك إمكانية للإسراع في التنفيذ، خصوصاً إذا تمّ استعمال مشاعات البلديات والتعاون مع القطاع الخاصّ، مع تكلفة قليلة (كلفة الكيلوواط من 6 إلى 7 سنتات أو 10 سنتات بالحدّ الأقصى، ويمكن بيعه بـ15 سنتاً. ويبقى أرخص بكثير من الـ27 سنتاً تعرفة كهرباء لبنان التي تخسر)، عدا عن أنّنا نتحدّث عن كهرباء نظيفة توفّر على البيئة والصحّة أيضاً.

عن المشاريع الموجودة اليوم في الطاقة، يكشف مصدر رسمي معني لـ”أساس” عن قرض بـ250 مليون دولار للطاقة المتجدّدة من البنك الدولي، سيذهب ما يقارب 220 مليون دولار منه لكهرباء لبنان، وما يقارب 25 مليوناً لتأهيل معامل الليطاني. وقد وافق عليه مجلس إدارة البنك الدولي وسيشكّل إنجازاً عند البدء بتنفيذه لأنّه سيكون على قواعد الشراء الخاصّة بالبنك الدولي. ومن المفترض أن يتحوّل من الحكومة بعد تشكيلها إلى مجلس النواب للموافقة عليه وإقراره ومباشرة التنفيذ.

يؤكّد المصدر أنّه قد يكون من الحلول الأسرع لأزمة الكهرباء. ومن المشاريع التي يمكن أيضاً اعتمادها حلولاً سريعة قريبة المدى تأهيل المعامل الكهرومائية. أمّا الحلول التي قد تبصر النور لكن تحتاج إلى وقت أكثر للتنفيذ، فهي خطّ الغاز المصري عبر الأردن وسوريا، الذي كانت هناك صعوبات بتشغيله بسبب قانون قيصر والأزمة السورية، واستكمال تنفيذ سدّ العاصي، السدّ الوحيد الذي يمكن أن يكون نافعاً في لبنان بعد الليطاني، على عكس سلسلة السدود الفاشلة التي ما يزال التيار يطمح لتكريسها عبر صلاحيّاته في وزارة الطاقة حتّى اليوم.

يخشى المصدر من تسوية معيّنة تمنع وزارة الطاقة ومعها الكهرباء من تنفّس الصعداء والتخلّص من الوصاية العونية، “لأنّ رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل حصل على ضمانات بوزارة دسمة من الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين عبر الوزيرة السابقة ندى البستاني. إذ التقاها هوكستين عند المخزومي وبعث عبرها رسالة إلى باسيل الذي لبّى الرسالة وسحب ترشيح البيسري وتخلّى عن الثنائي في انتخابات رئيس الجمهورية”. والخوف أن تكون هذه الحقيبة هي الطاقة، لا سيما أنّ التيار يبحث عن إنجاز له قبيل الانتخابات النيابية المقبلة، وقد يكون هذا الإنجاز هو الكهرباء التي يبدو أنّها ستعود للنور بعد تصالح لبنان مع العالم.