الصحافة

“الحزب” يفقد أذرعه ويحتفظ بـ”جوكر” بلا أوراق

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تُشكّل شخصية صنّاع القرار وفق العلم السياسي، جانباً مهمّاً في استدلال إدارة السلطة ودرجة المسؤولية لديهم، لا سيّما إذا توافرت وسائل وأدوات الحكم وتقاطعها مع الإرادات المحليّة والخارجيّة، وقياس نقاط القوّة والضعف لدى اللاعبين.

في هذا الإطار، يُجسّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نوّاف سلام، انتصاراً للقيم الأخلاقية والدولتية على الفساد والذهنية الميليشيوية. تنطبع شخصيّة الأول كقائد جيش والثاني كقاضٍ دولي بِسِمات ومؤهّلات شخصية مُشتركة. إذ يتمتّع كلاهما بالنزاهة والاستقامة والعمل تحت الضغط، والقدرة على اتخاذ القرارات.

هذه الصفات، بالإضافة إلى الدعم الدوليّ المستمرّ والحاضنة الشعبية الداخلية، وتوق اللبنانيين إلى الانعتاق ورفضهم السقوط في أنفاق ونِفاق المرحلة السابقة، وعدم الاستخفاف بقدرتهم وجهوزيتهم النفسيّة في العودة إلى الميادين دعماً للعهد الجديد إذا دعت الحاجة، تُعدّ من أبرز نقاط القوة التي يُمكن لرئيسي الجمهورية والحكومة الاستناد إليها إذا أحسنا استثمارها. فعندما كان الرئيس عون يترأّس القيادة العسكرية، برهن عن حكمته وجدارته في التعامل مع انتفاضة 2019، وازن بين دعمه لحقوق اللبنانيين وحراكهم وحمايتهم من جهة، واحترامه لمؤسسته العسكرية الخاضعة للسلطة السياسية وفق ما تُمليه القوانين من جهّة أخرى. أمّا طرح اسم نوّاف سلام لتولّي مهام السلطة التنفيذية، فهو قبل كلّ شيء، وُلد من رحم ثورة 17 تشرين، مما يعني أنه يحظى بدعمٍ شعبيّ عريض.

للمرّة الأولى منذ الطائف، تصبّ المتغيّرات الجيوبولتيكية عقب هروب سفّاح الشام لصالح الكيان اللبناني. أدى سقوط جسر العبور الإيراني الذي جسّده نظام بشار الأسد، فرصة تاريخية وذهبية لعودة لبنان إلى ساحة التفاعلات الحضارية والسياسية والاقتصادية مع المدى العربي والأممي.

تتراكم قوّة العهد الجديد (إذا أجاد توظيفها)، على أثر الضربات القاسية التي تلقّاها “محور الممانعة” على مستوى المنطقة مع تكسير أذرعه الإقليميّة. بالفعل ذاته، فَقَدَ الذراع الإيراني في لبنان، أذرعه الداخلية وحلفاءه الأساسيين، الذين استعملهم لهيمنته على الدولة ومؤسساتها عبر القضم وليس عبر الاحتلال العسكري المباشر، لا سيّما بعد إجهاض مفاعيل ثورة الأرز 2005، حيث اعتمد سياسة إغرائية قامت على “الولاء لي والمغانم لكم”. وترجم تلك المعادلة الهدّامة في أكثر من محطّة، نذكر منها على سبيل المثال، تخلّيه في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية (2011)، عن مقعدٍ وزاريّ كان من حصّة الشيعة لصالح فيصل كرامي (وزير الشباب والرياضة آنذاك) ليصبح عدد وزارء الشيعة في حكومة الـ 30 وزيراً، 5 بدل 6. هذه التنازلات المفخّخة، اعتمدها “الحزب” ليعطي بيده اليسرى فتات السلطة وينتزع بيمينه مفاصل الحكم.

الخروقات التي أحدثها “الحزب” داخل الطوائف الأخرى لا سيّما عند أهل السنّة، ما عُرف بـ”سنّة 8 آذار”، انهارت مع سقوط الأسد ودخول اللاعب السعودي بقوّة إلى الساحة اللبنانية، أدى إلى انقلاب سنّي أبيض في الاستحقاقين الرّئاسي والحكومي.

مع الانسحاب التدريجي والتكتيكي لـ “التيّار الوطنيّ الحرّ” من “تفاهم مار مخايل” وركوبه موجة انتخاب عون وتسمية سلام، إضافة إلى عودة المزاج المسيحيّ إلى استقامته التاريخية الرّافضة لأي أفكار وتيارات وأيديولوجيات مناهضة لأولوية لبنان وسيادته وحريّاته، خسر “حزب الله” الغطاء المسيحيّ وسقطت معه هرطقة “حلف الأقليات” و”استرداد حقوق المسيحيين”، التي روّج لها مَع وعَبْر الجنرال ميشال عون، الذي استفاد من هذا الشعار بعد العام 2005، مستغلّاً سوء إدارة قوى 14 آذار للملف المسيحي، لا سيّما لناحية المشاركة في السلطتين التنفيذية والتشريعيّة.

في المحصّلة، فَقَدَ “الحزب” معظم أوراقه، لم يبقَ في جعبته سوى “جوكر” الشارع، إذا رفض، ليس فقط المشاركة في الحكومة مهما كان شكلها و”بروفايل” وزرائها، إنما برفضه أيضاً تغيير ذهنيته الشاملة تجاه ممارسة السلطة ونظرته إلى لبنان الجديد المرصود بعينٍ دولية صارمة. فهل يتماهى مع المتغيّرات الجذرية أم يلعب ورقته الأخيرة “عليّ وعلى أعدائي”؟ هل يضمن نتائجها في ظلّ تشرّد بيئته وتململها وتعرّيه خارجيّاً عقب انقطاع شريان حياته الإيراني عبر المقصّ السّوري، إضافة إلى التعارض المرئي والمسموع بينه وبين “حركة أمل”؟ في المقابل، هل يُحسن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تشكيل الحكومة توظيف نقاط قوّتهما العديدة وتسديدها في مرمى إعادة تشييد هيكل الدولة قبل أي إعمار آخر؟

 طوني عطية -“نداء الوطن”

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا