الصحافة

وثيقة دستورية توضح المفاهيم

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب الدكتور عصام سليمان - رئيس المجلس الدستوري سابقا

بُني النظام الدستوري اللبناني على التوفيق بين القواعد والمبادئ المعمول بها في الأنظمة الديموقراطية  البرلمانية من جهة، وما تتطلبه إدارة المجتمعات التعددية من جهة أخرى. فالمجتمع اللبناني مكوّن من طوائف متجذرة تاريخيا في واقعه الاجتماعي والسياسي، وكان على المشرع الدستوري أن يأخذ في الاعتبار هذه المعطيات لئلا يكون النظام المعتمد فيه غريبا عن واقعه المجتمعي، فيغدو عاجزا عن إدارة شؤونه. والمشرّع الدستوري كان عليه اعتماد نظام مبني قوامه مؤسسات قائمة على قواعد حديثة، لكي تستطيع هذه المؤسسات أن تعمل بانتظام فتتمكن من إدارة شؤون الدولة بغية تحقيق الأمن والاستقرار وشروط العيش الكريم للمواطنين، فيقوى انتماؤهم الوطني ويتقدم على أي انتماء آخر.

عملية التوفيق هذه التي كان لا بد منها أدت إلى قيام النظام الدستوري اللبناني على مفاهيم بقيت غامضة وقابلة للتأويل والتفسير في اتجاهات متناقضة، كما أدت إلى ثُغر في الدستور.

سدّ هذه الثغرات ليس له الأولوية في الظروف التي نعيشها، لآنه سيثير جدلا كبيرا في دولة وحدتها الوطنية هشّة ومؤسساتها منهارة، المطلوب فيها توحيد اللبنانيين حول الدولة ووضع حدّ للخلافات، فسدّ هذه الثُغر ضروري ولكن في مراحل لاحقة، والمطلوب بإلحاح توضيح المفاهيم التي بُني عليها النظام من أجل تقويم مسيرة الحكم وأداء المؤسسات الدستورية.

هذه المفاهيم هي الوفاق الوطني وميثاق العيش المشترك والمشاركة في السلطة والديموقراطية البرلمانية في مجتمع لبنان التعددي.

توضيح هذه المفاهيم ينبغي أن يتجه وجهة ترسيخ كيان الدولة وانتظام أداء مؤسساتها الدستورية وتفعيلها لتقوم بالمهمات المطلوبة منها وتفعّل سائر مؤسسات الدولة.

إن الوفاق الوطني هو وفاق من أجل  تحقيق المصلحة الوطنية العليا التي من خلالها تتحقق مصالح المواطنين والطوائف، والنظام الذي قامت على أساسه الدولة هو ثمرة وفاق وطني جامع، والتقيد به، كما نصّ عليه الدستور، هو التزام واستمرار للوفاق، أما انتهاك الدستور فتفريط بالوفاق الوطني وبالمصلحة الوطنية العليا. ولا يجوز أن تطيح التوافقات بين القوى السياسية ما رسمه الدستور.

لقد تبلور الوفاق الوطني في ميثاق العيش المشترك الذي تعاهد فيه اللبنانيون على بناء دولة تصون وحدتهم الوطنية وتوفر لهم الأمن والاستقرار وشروط العيش الكريم، ليصبح ثمة فائدة من عيشهم المشترك ويزداد وجه لبنان الحضاري إشراقا، ويغدو لبنان نموذجا يقتدى به، ويمسي بلد الرسالة فعلا لا قولا، رسالة حضارية يحملها إلى العالم، قوامها قبول الآخر كما هو والتفاعل معه من أجل بناء حاضر ومستقبل زاهر في مجتمع تعددي يطمأن الجميع فيه إلى حاضرهم وغدهم.

 

 

إن الدستور المعدّل عام 1990 بموجب وثيقة الوفاق الوطني تضمن في مقدمته مبادىء الميثاق الذي أصبح جزءا لا يتجزأ منه، وقد أكدت ذلك قرارات المجلس الدستوري. وانتهت المقدمة بفقرة جاء فيها أّن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، ما جعل التقيد بهذا الميثاق شرطا أساسيا لشرعية السلطة. ولكن ي للأسف الشديد، كلّ يفسر ميثاق العيش المشترك على هواه ووفق مصالحه.

  أما المشاركة في السلطة، وفق الدستور، فهي مشاركة ذات بعد طوائفي ووطني في آن واحد، غايتها المشاركة في بناء الدولة والمؤسسات وإدارة شؤون المجتمع بما يحقق أهداف الميثاق. فتغليب البعد الوطني على البعد الطوائفي في المشاركة يقود إلى تحقيق هذه الأهداف، بينما يؤدي تغليب البعد الطوائفي على البعد الوطني إلى تعثر أداء المؤسسات الدستورية ومعها سائر مؤسسات الدولة وتقويض العيش المشترك والوحدة الوطنية. وقد أكدت ما نقوله، التجارب المريرة التي مررنا فيها. ولا يجوز أن تؤدي المشاركة في السلطة إلى انتهاك المبادىء والقواعد التي قام عليها النظام الديموقراطي البرلماني في لبنان، إنما ينبغي أن تكون في إطاره وبما لا يؤدي إلى تعطيل مؤسساته. فهذا النظام نشأ وتطور في العالم في مسار تاريخي طويل، وأكدت التجارب أن الخلل في تطبيقه يؤدي إلى الإخلال بإدارة المجتمع بكامله وتقويض الأسس التي بنيت عليها الدولة.

  أما الديموقراطية البرلمانية في مجتمعنا التعددي فينبغي فهمها كوسيلة لإدارة شؤون مجتمع متنوع قائم على الحق في الاختلاف وقبول الآخر والحفاظ على حقوقه وحريته بغض النظر عن قيمته العددية، على أساس أن الديموقراطية ليست حكم الأكثرية فحسب إنما هي نظام قيم تصان فيه الحقوق والحريات والمساواة والعدالة، ونهج في ممارسة السلطة يلتزم الدستور ويتقيد بالقواعد والمبادىء التي تحكم النظام الديموقراطي البرلماني. وهي نهج أيضا في ممارسة السياسة خارج السلطة من قبل القوى السياسية التي تلتزم فيه قواعد الديموقراطية. فلا يجوز تفريغ الديموقراطية من مضمونها من خلال التنظير لديموقراطية توافقية وديموقراطية عددية. فالديموقراطية تتطلب ثقافة والتزاما يتجاوز التوافق والعدد وبخاصة في المجتمعات التعددية التي هي أشد حاجة إلى الديموقراطية الحقيقية بأبعادها المختلفة.

المفاهيم التي تكلمنا عليها يفسرها كل على هواه ويتحكم تفسيرها في أداء المؤسسات الدستورية. لذلك لا بدّ من  طاولة حوار وطني برئاسة رئيس الجمهورية بغية التوصل إلى فهم مشترك صحيح لهذه المفاهيم وصياغتها في وثيقة دستورية، تعتمد وفقا لما نصّ عليه الدستور وتضاف إليه كما أضيفت المقدمة إليه عام 1990 وتصبح ملزمة لكل من يتولى السلطة، فنضع حدا للكلام على الميثاقية والتوافقية والشراكة والديموقراطية التوافقية والعددية، وذلك من أجل تقويم مسيرة الحكم والحفاظ على النظام الديموقراطي البرلماني في صيغته اللبنانية وعلى الوحدة الوطنية.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا