يا عون ويا سلام: خذا المالية بقوّة
يفترض بالرئيس المكلف نواف سلام، أنه قرأ ما دار في الأيام الأخيرة حول أصل حكاية "شيعية" حقيبة وزارة المال.
وأتت شهادة أحد النواب الأحياء الذين شاركوا في الطائف ألا وهو بطرس حرب، ليضع النقاط على الحروف التي كتبها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
حاول الأخير أن يستعين بالراحل حسين الحسيني ليثبت "شيعية" الحقيبة. فسارع حرب الحيّ (نتمنى له طول العمر ووافر الصحة) لينفي رواية بري جملة وتفصيلا.
ما يزيد الحكاية تشويقاً، أن بري لم يكن في عام الطائف 1989، نائباً في البرلمان الذي تكوّن في انتخابات 1972 واستمرت ولايته تمديداً حتى العام 1992. ما يعني أن رواية بري عن الحقيبة الشيعية يعتريها الضعف لنقص وجوده المباشر في المؤتمر الشهير.
يستطيع سلام إذا أراد التوسع في حكاية هذه الحقيبة، أن يعود إلى ما صرّح به الوزير والنائب السابق إدمون رزق، أحد أعمدة الطائف يوم الخميس 10 تشرين الثاني 2016 حيث خاض في ذلك التاريخ سجالاً مع بري نفسه المتربّع على كرسي الرئاسة الثالثة منذ 33 عاماً بلا توقف.
ونفى رزق، وهو الذي شارك في وضع نصوص إتفاق الطائف، وجود مثل هذا العرف، مؤكداً أن المادة 95 تنص على اعتماد الكفاءة والاختصاص ولزوم أي وزارة لأي طائفة.
تغري حكاية الحقيبة ذاتها ما ورد في تفصيل منها على لسان بري نفسه.
حدثنا بري عن لقائه حافظ الأسد في عز معمعة تمسكه بـ"المالية" عندما جرى تشكيل حكومة الرئيس رفيق الحريري الأولى عام 1992 في عهد الرئيس الياس الهرواي.
يقول بري اليوم بعد مرور 33 عاماً أنه ركز في اللقاء مع الأسد على موضوع عدم إعطاء حكومة الحريري صلاحية التشريع استثنائياً.
وتجاهل بري كلياً خلال اللقاء موضوع حقيبة المالية. كم يسعدنا أن يوضح لنا "الاستيذ" لماذا غاب حديث الحقيبة في لقائه الأسد؟ أما كان ممكناً أن يطلب بري من حاكم سوريا القوي أن يفرض على الهراوي وتالياً الحريري إسناد الحقيبة الى شيعي؟ ما تبيّن بحسب رواية بري اليوم أنه طلب من الأسد عدم إعطاء حكومة الحريري صلاحية التشريع، فأجابه الأسد: "لا تعطِه".
نعتقد إلى حد اليقين أن بري بفضل ما لديه من مواهب أدرك في ذلك الزمن، أي زمن الأسد الأب، أن قرار الأخير هو أن تكون حقيبة المال في أول حكومات الحريري من حصة الحريري الوزارية.
وهنا ندرك أن بري تصرّف وقتذاك، كما تصرّف أبطال كليلة ودمنة في حضرة أسد رواية ابن المقفع. لذا، عوّض بري اليوم بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود نزوله عند ما أراده الأسد بـ"انتصار" منشأه الأسد أيضاً ويتصل بـ"صلاحية التشريع".
من أين نأتي اليوم بـ"الأسد"، أي "أسد" كي نقنع الرجل نفسه المستمر على عرش الرئاسة الثانية منذ 33 عاماً وبلا توقف؟
أصبح مستحيلاً أن نتوجه إلى دمشق التي غاب عنها إلى الأبد حافظ الأسد بفعل الوفاة. كما غاب عنها أيضاً نجله بشار الأسد بفعل الفرار من سوريا الى روسيا الشهر الماضي.
نستطيع أن نفكر في حلّ ما ينطلق من مبدأ أن لبنان كي يمضي قدماً إلى تسيير أموره لا بد من الاتكال على "أسد" ما.
لكن الاتكال من الآن فصاعداً ان "الأسد" السوري اصبح في ذمة التاريخ. وصار لزاماً على من أدمنوا "الأسد" في لبنان أن يعتادوا الشيخ أحمد الشرع ومن يشبهه من الآن فصاعداً.
يدعو مشهد العالم الذي يتقاطر على لبنان بلا توقف منذ التوصل الى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، الى التأمل بإمكانية الوصول الى ما يعوّض لبنان عن الاتكال على زمن الأسد البائد.
تشير مراجعة التطورات التي شهدها لبنان ولا يزال منذ 9 كانون الثاني الجاري إلى ان هذا البلد بإمكانه الاتكال على زئير بعض من ساسته لكي يجد حلولا.
وكان انتخاب قائد الجيش جوزاف عون في ذلك التاريخ إيذاناً بأنّ لبنان بدأ يكتسب عادة الزئير المحلي برعاية عربية ودولية غير مسبوقة.
نسمع حتى الآن ما يشبه الزئير يتصل بمواقف رئيس الحكومة المكلف تمام سلام. يذكرنا هذا الأمر بسجل موروث من عائلة الأخير.
فقد ترك رئيس الحكومة الراحل صائب سلام آلاف الصفحات التي تروي كيف تخاض المواجهات التي تحمل عبارة "صنع في لبنان".
وحاول قدر المستطاع نجله، الرئيس تمام سلام أن يمضي في هذه الطريق على الرغم من أن زمن الأخير كان زمن بشار الأسد وخامنئي ووكيلهما المعتمد "حزب الله".
يتكل رئيس الحكومة المكلف اليوم كما أعلن، على "الكتاب" الذي ذاع صيته في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب. ويشرح النائب السابق حسن الرفاعي في مذكراته التي فيها الكثير من تجارب الحكم في لبنان طوال عمر مديد تجاوز الآن المئة عام. يوصينا الرفاعي في كتاب "حارس الجمهورية" أي مذكراته بالآتي: "إن الأوطان تبنى باحترام قوانين الدولة كل يوم، على أن يلتزم تنفيذها الحاكم والمسؤول قبل المواطن. تقوم الدولة على دستور يقبله الجميع ويحترمونه، وعلى إدارة تخدم المواطن كي تفرض عليه تأدية الواجبات".
ومن أفضل الأقوال عند الرفاعي وصدّرها مذكراته، ما جاء من المرجع الفرنسي ليون دوغي: "ليس للقانون الدستوري أي ضابط سوى حسن نية الرجال الذين يطبقونه ولا سيما رئيس الجمهورية".
يدعونا حسن الرفاعي الذي ندعو له بطول عمر يليق به، كما يدعونا كتاب فؤاد شهاب الذي هو كتاب كل لبنان، أن يتحرر الرئيسان جوزاف عون ونواف سلام من حكاية "حقيبة المال" التي تعيدنا إلى زمن الطغاة الذي ولّى. ويذهبان الى حيث يجب أن يكون لبنان، بلداً يحترم الدستور.
فيا عون، ويا سلام: خذا باسم لبنان حقيبة المال بقوة كي تعيداها إلى لبنان.
أحمد عياش
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|