الجنوبيّون يكسرون الخرق الإسرائيليّ… بإرادتهم
الأكيد أن لا رئيس الجمهورية جوزف عون، ولا رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام وضعا في تصوّراتهما مشهديّة عودة أهالي الجنوب إلى قراهم، “غصباً” عن الاحتلال الإسرائيلي. كانت التقديرات الدولية تفيد بأنّ موعد 26 كانون الثاني سيكون حاسماً في وضع حدّ للاحتلال وللعدوان الذي شنّته إسرائيل على لبنان بأن يتمّ احترام مهلة الستّين يوماً بشكل حازم وحاسم، لا لبس فيه، بما يسمح للعهد الجديد أن ينطلق في مسيرته انطلاقة خالية من مطبّات التوتّر على الساحة الجنوبية، التي قد تكون بمنزلة ألغام قاسية جداً. أقلّه هكذا كان حال لسان الموفد الأميركي السابق آموس هوكستين أمام المسؤولين اللبنانيين. فما الذي جرى يوم أمس؟ وما هي تأثيراته على الملفّ الحكومي؟
قبل ساعات من موعد انتهاء المهلة المنصوص عليها في اتّفاق وقف إطلاق النار، أعلنت إسرائيل عدم التزامها بهذا الشرط – الأساس، بحجّة عدم تطبيق لبنان الاتّفاق، مبقيةً على مواقع استراتيجية جنوب لبنان. لكنّ هذا الواقع، “الاحتلاليّ”، لم يمنع أهالي البلدات من مقاومة القرار الإسرائيلي بالتوجّه صباحاً إلى بلداتهم على الرغم من المخاطر التي قد يتعرّضون لها، وذلك بعدما انتهت عند الساعة الرابعة فجراً من الأحد مهلة الـ60 يوماً لانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي دخلها في جنوب لبنان بموجب الاتّفاق المبرم في 27 من تشرين الثاني الماضي. وبالفعل ألقى الجيش الإسرائيلي قنابل على تجمّعات للأهالي وفتح النار بوجههم، فسقط 22 شهيداً و 124 جريحاً بينهم 9 أطفال وفق حصيلة وزارة الصحّة.
“مسيرة العودة” التي قام بها الأهالي جرت على أكثر من محور، وشملت البلدات الآتية: بني حيان، حولا، ميس الجبل، مارون الراس، عيترون، يارون، راميا، الضهيرة، يارين، أم التوت، الزلوطية، الطيبة، دير سريان، بيت ليف، حانين، القنطرة، عيتا الشعب، القوزح.
أما تلك التي لم يدخها الأهالي أو الجيش اللبناني بعد، فهي: اللبونة، مروحين، بليدا، محيبيب، مركبا، كفركلا، العديسة، رب ثلاثين، طلوسة، تلة الحمامص، سردا، الوزاني، العباسية، المجيدية، بسطرة، السدانة، بركة النقار، دير ميماس.
فرضت هذه العودة أمراً واقعاً جديداً، ليس قفط لأنّ الأهالي كسروا بسواعدهم العدوانية الإسرائيلية، بل لأنّ الجيش اللبناني ساند الجنوبيين وواكب عودتهم، في خطوة لا تقلّ جرأة عن جرأة الأهالي، خصوصاً وأنّ المؤشرات بيّنت أنّ الجيش دخل أمس تلك القرى ليبقى فيها. هذا مع العلم أنّه حتى يوم السبت، كان الجيش قد دخل تسع قرى جنوبية، فقط لا غير، انسحب منها العدوّ.
مواقف استيعابيّة
بالموازاة، كانت السلطة السياسية، بأركانها الرئاسية والتنفيذية والتشريعية، تحاول استيعاب الوضع وتطويقه من خلال مواقف حاولت المواءمة بين حقّ الجنوبيين في العودة إلى قراهم، والانحناء أمام دمائهم وتحميل المجتمع الدولي، وتحديداً الدول الراعية للاتّفاق، مسؤولية تراجع إسرائيل عن تعهّداتها، والتوتّر الحاصل في الجنوب.
إذ اعتبر الرئيس جوزف عون أنّ “هذا يوم انتصار للبنان واللبنانيين، انتصار للحقّ والسيادة والوحدة الوطنية. وإنّني إذ أشارككم هذه الفرحة الكبيرة، أدعوكم إلى ضبط النفس والثقة بالقوّات المسلّحة اللبنانية، الحريصة على حماية سيادتنا وأمننا وتحقيق عودتكم الآمنة إلى منازلكم وبلداتكم”.
بدوره، ذكر الرئيس نبيه بري أنّ “معموديّة الدم التي جسّدها اللبنانيون الجنوبيون اليوم نساءً وأطفالاً وشيوخاً بصدورهم العارية وبمزيد من الشهداء والجرحى الذين ارتقوا بالرصاص الحيّ الذي أطلقه جنود الاحتلال الإسرائيلي على المدنيّين العزّل في ميس الجبل وحولا وكفركلا وبليدا وعيترون ويارون ومارون الراس والخيام تؤكّد بالدليل القاطع أنّ إسرائيل تمعن بانتهاك سيادة لبنان”.
أمّا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فقال: “ندعو الدول التي رعت تفاهم وقف النار إلى تحمّل مسؤوليّاتها في ردع العدوان واجبار العدوّ الإسرائيلي على الانسحاب من الأراضي التي يحتلّها، وهذا ما أبلغناه إلى المعنيّين مباشرة محذّرين من أنّ أيّ تراجع عن الالتزام بمندرجات وقف النار وتطبيق القرار 1701 ستكون له عواقب وخيمة”.
“الحزب” مرتاح وسلام محرج
وحده “الحزب” كان أكثر المرتاحين للمشهديّة الجنوبية، التي كرّست بنظره معادلة الشعب هو المقاوم، وهو الذي يحمي الجنوب، لا الشرعية الدولية التي رضخت لمشيئة الإسرائيلي. إذ شدّد عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله، من بلدة عيتا الشعب، قائلاً: “ها هي معادلة الجيش والشعب والمقاومة، فالمقاومة قاتلت هنا حتى اليوم الأخير، والشعب حرّر عيتا ويحرّر الآن مارون وعيترون، والشعب فتح الطريق للجيش”. وقال النائب علي فياض بعد انضمامه للأهالي في كفركلا: “نحن نشهد ساعات تاريخية وشعبنا يكسر المعادلات التي سعى العدو الإسرائيلي إلى تكريسها”.
هذا مع العلم أنّ “الحزب” لا يزال دون سقف اتّفاق وقف إطلاق النار، وهو مهّد لذلك من خلال استباقه للأحداث بإصدار بيان دعا فيه “الدولة اللبنانية إلى التعاطي مع أيّ انتهاك لبنود اتّفاق وقف إطلاق النار، والتنفيذ الكامل للاتّفاق، بما فيه انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب وفق المهلة المحدّدة”. وأمس، اكتفى الإعلام الحربي في “الحزب” بتصريح مقتضب قال فيه: “أهلنا الشرفاء… أنتم اليوم تدهشون العالم من جديد، وتثبتون بحقّ، أنكم شعبٌ أبيّ، وأنكم شعبٌ وفيّ، وأنكم شعبٌ شجاع”.
أكثر المُحرَجين في هذا الواقع المستجدّ، المفروض بسواعد الجنوبيين وجرأتهم، هو رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام، الذي بات عليه أن يفكّر مليّاً قبل أن يصوغ بيان حكومته. بالمبدأ كانت المشاورات الأوّلية تدلّ على أنّ البيان سيرتكز على مسألتين أساسيّتين: القرار 1701 و”وثيقة الوفاق الوطني” التي تتحدّث عن اتّخاذ كلّ الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً”، لتكون بديلاً عن ثلاثية “جيش، شعب، ومقاومة”.
أمّا بعد أحداث أمس التي أعادت بعض النبض للجنوبيّين الذي فقدوه جرّاء اتّفاق 26 تشرين الثاني، فقد يصبح الاستناد إلى اتّفاق الطائف غير كاف بالنسبة لبعض القوى السياسية، وهو ما يفتح الباب أمام نقاشات مستفيضة على طاولة مجلس الوزراء.
الوضع قد يخرج عن السيطرة
بالنتيجة، يقول متابعون إنّ إصرار الإسرائيلي على الاحتفاظ بمواقع داخل الأراضي اللبنانية، يصفها بأنّها استراتيجة، سيفاقم الوضع أكثر. فإمّا تأخذ الدولة المبادرة لتقنع الدول المعنية، بإلزام الإسرائيلي بالإنسحاب بشكل كامل تطبيقاً للاتفاق، وإما قد تخرج الأمور عن السيطرة.
يكشف هؤلاء عن اتصالات قام بها رئيس الجمهورية مع مسؤولين أميركيين وفرنسيين لحث العدو على الانسحاب فوراً، غير أنه يبدو أنّ الحكومة الإسرائيلية تماطل للإبقاء على بعض النقاط، ما قد يعرّض الاتفاق للتفجير، لا سيما أنّ ما حصل قلب المشهد رأساً على عقب، قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر… وقد يضع مصير تنفيذ القرار 1701 جنوب الليطاني على طاولة البحث، خصوصاً أنّ العسكري الذي استشهد أمس، تمّ التعرّض له خلال تواجده في آليته العسكرية، ما يعدّ انتهاكاً فاضحاً للقرار الأممي كون الجيش هو العمود الفقري لهذا القرار.
كلير شكر-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|