بلدية طيرحرفا: مجلس الجنوب باشر بإجراءات لوجستية لفتح الطرقات
تقييمُ الأداء... معيارُ في احتفاظِ الأحزاب بالوزاراتِ!
لم يسبق أن أثيرت مسألةُ تخصيص وزارة لمذهبٍ مُعيَّن أو لحزبٍ إلَّا بعد تحكُّم المُقارباتِ الميليشياويَّةِ بالمسار السِّياسي في لبنان، خاصَّةً وأن وثيقةَ الوفاق الوطني، التي توافق النُّواب عليها في الطَّائف وأقروها وفق الأصول في لبنان بتاريخ 21/9/ 1990، قد جاءت خلوًّا من أي عبارةٍ تلمِّحُ إلى تخصيصِ طائفةٍ أو مذهبٍ بحقيبًةٍ وزاريَّةٍ أو حجبِ أُخرى عنها، خاصَّةً وأن الوثيقةَ شدَّدت على مبدأ إلغاء الطَّائفيَّة السياسيَّة، وأوجبت تَشكيلَ لجنةٍ لهذا الغرض.
ومن الإشكاليَّاتِ التي تعيقُ تشكيل الحُكومةِ حاليًّا تمَسُّك الثنائي الشيعي بوزارة الماليَّةِ والتَّيارِ الوطني الحُر بوازرة الطَّاقة ومطالباتُ آخرين بوزاراتٍ أخرى، وبما أنَّ الثنائي أبدى تشدُّداً في موقِفِه وبالتَّالي العقدةَ الأصعَب تكمُنُ في تمَسُّكه بتسميَةِ وزير الماليَّة، ونرى أهميّةً في تفصيلِ هذه المسألة، للخُروجِ بحلٍّ مُرضٍ لها.
يتمسَّكُ الثنائي باحتفاظِه بوزارة الماليَّة بذريعَةِ أن المَطلبِ «تخصيص الطاَّئفةِ الشيعيَّةِ بوزارةِ الماليَّة» قد طُرحَ خلالَ مُداولات اتِّفاق الطَّائف، ويُصرُّ على جَعلِها من نصيب الوزير الذي يُسميه لتوليها، وعند السؤال عن المُبرِّر يأتي الجوابُ بأن الطَّائفة الشيعيَّة تفتقدُ إلى توقيعٍ وازنٍ في السُّلطةِ التَّنفيذيَّة، وهذا ما يتوفَّر لها بتخصيصها بوزارة الماليَّة، وكأنه مسعى لإجراء تعديلٍ مبطَّنٍ على الوثيقةِ التي أضحت جزءاً لا يتجزَّأ من الدستور.
ولا شكَّ في أن وزارة الماليَّة من أهم الوزارات في الدَّولة نظراً لدورها المحوري في إدارة شؤونها الماليَّة وتنفيذ سياساتها الاقتصاديَّةِ والتَّنمويةِ والماليَّةِ والنَّقديَّة؛ هذا بالإضافةِ إلى أنها هي الوزارة التي تتولى مهام التَّخطيط المالي وإعداد السِّياساتِ الاقتصاديَّة والماليَّة والنَّقديَّة وإعدادِ الموازناتِ السَّنويَّةِ وتقديرِ الإيراداتِ والنَّفقاتِ العامَّة، كما تعتبرُ الأداةَ الرئيسيَّة التي تتحكَّمُ في الجبايةِ والإنفاق، والضَّامنَةِ لاستدامَةِ كفاءةِ إدارةِ الماليَّة العامَّةِ على نحو يرعى
تحقيق النمو الاقتصادي ومعالجةَ الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الخ...، وهي المولجةُ أيضاً بتحديدِ السِّياسةِ الضَّريبيَّةِ التي تعتمدها الدَّولة، وكيفية تحصيل مختلف أنواع الضَّرائبِ والرُّسوم سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، كما هي من يتحكم بإدارة الدَّين العام، والقروض بما يتناسب مع احتياجات الدَّولة الماليَّة، وهي من يتولى وضع أنظمة المُحاسبة والرقابة الماليَّة التي تمكِّنُها من الإشراف على إنفاقِ مُختلف إدارات الدَّولة ومؤسَّساتها الرَّسميَّة
لجهةِ توافُقِها مع القوانين النَّافذة وبنودِ المُوازنة وحجز النَّفقات؛ كما ويُناطُ بها إدارةُ العلاقاتِ مع المُنظَّماتِ والمؤسَّساتِ والصناديق الماليَّة الدوليَّة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها، وهذا الدَّور حيوي وهام لحاجَةِ لبنان للاقتراض، وتلقي المُساعدات الماليَّةِ الخارجيَّة لتمويلِ البرامج الاصلاحيَّة.
في الواقعِ إن إصرار تسمية الثنائي لوزير الماليَّة يتعارضُ مع مبدأ فصل السُّلطات لأمرين: الأول باعتبار أن تشكيل الحكومة من اختِصاصِ السُّلطةِ التَّنفيذيَّة وحصراً بدولة الرئيس المُكلَّف بالتَّشاور مع فخامة رئيس الجمهوريَّة،
والثاني لكون الفصل يتطلب ألَّا يكون وزير الماليَّة مَحسوباً سياسيًّا على رئيس المجلس النِّيابي الذي له باع طولى في التَّصديق على الموازنة السنويَّة للحُكومة، وأن ذلك يحِدُّ من المُحاسبة البرلمانيَّةِ لسياسَةِ الحكومةِ الماليَّة ولأداء وزير الماليَّةِ نفسه، ورغمَ ذلك يمكننا التَّأكيدُ على أن لا موقفَ مسبقٍ رافضٍ لإيلاءِ وزارةِ الماليَّةِ لأحد الأشخاصِ الكفوئين من الطَّائفة الشيعيَّة الكريمة ما لم يكن الغرضُ من ذلك تكريس عُرفٍ دُستوري.
إن المُتابع للمُجرياتِ السياسيَّة في لبنان، يلحظُ أن الطَّائفةَ الشِّيعيَّةَ الكريمة غير مُغيَّبة عن الإدارة الماليَّة في الدَّولة، ولا إشكاليَّةً في ذلك، إلَّا أن الإشكاليَّةَ تكمنُ في حرصِ الثُّنائي على احتكارِ المناصبِ الواقعةِ من نصيبِ الطَّائفة، والتَّحكُّم بمَفاصِلِ إدارَةِ المال العام، بدءاً برئاسة السُّلطةِ التَّشريعيَّة حيث ينفردُ رئيسُ مجلس النُّواب بصلاحيَّاتٍ ماليَّةٍ واسعةٍ في إدارة الموازنة الخاصَّةِ بالمجلس كما بآلياتِ التَّوظيف فيه، هذا عدا عن أن المجلس الذي يترأسه هو من
يتولى مُناقشة المُوازناتِ السَّنويَّةِ للدَّولةِ والمُصادقةِ عليها؛ مروراً برئاسةِ ديوان المُحاسبةِ وهو الهيئةُ الرقابيَّة الماليَّة الأهم في الدَّولة، كونه يبدي موافقته على النَّفقات التي تُجريها الوزارات والإدارات والمؤسَّسات العامَّة ومُختلِفِ أجهِزةِ ووحداتِ القِطاع العام؛ ورئاسةِ مَجلسِ الجنوب الذي يخصَّص بميزانيَّةٍ كبيرةٍ ويتمتَّعُ باستقلاليَّةٍ إداريَّةٍ وماليَّةٍ ولا يَخضعُ لأيَّة رقابة ماليَّة؛ ورئاسةِ الإدارة المركزيَّة في قوى الأمن الدَّاخلي؛ كما أن إدارةَ الأموال في المديريَّة
العامة لأمن الدَّولة مدرجةٌ ضمنَ صلاحيَاتِ نائب المدير العام، ورئاسة هيئة ادارة النَّفط، كما مدير عام الصندوق الوطني للضَّمان الإجتماعي، وغيرها من المناصبِ ذات الطَّابع المالي التي يتحكَّمُ الثنائي بتسميةِ من يتولاها، باحتكاره تمثيل الطَّائفة في إدارات الدَّولة.
احتكارُ الثُّنائي الشيعي لوزارة الماليَّة وإصراره على التَّمسُّك بها كان مبرَّراً لو كان أداءُ وزراء الماليَّةِ السَّابقين المحسوبين قد أفلحَ في تحقيق الوعود التي أغدقوها، وهي تفوقُ طُموحاتِ الشَّعب اللبناني، إلَّا أنها كانت أقرب إلى التَّمنيات والأحلام التي لم يتحقَّق منها شيء بل لطالما جاءت النَّتائج معكوسة، إذ ثمَّةَ قصور متمادي وموروث في إدارة المال العام، كما في تبني سياسات ماليَّة غير متوازنة ومُتقلِّبَة أوصلتنا إلى مأزقٍ غير مَسبوق تَسبَّب في أزماتٍ
اقتِصاديَّةٍ وماليَّةٍ ونقديَّةٍ ومَصرفيَّةٍ خانِقَة، كما أدّت إلى انهيار ماليَّةِ الدَّولةِ وعَجزِها عن الإيفاءِ بالمُستحقاتِ المتوجِّبةِ عليها، وافتقادها لثقة المؤسَّساتِ الماليَّةِ الدَّوليَّة، بما في ذلك خدمة الدَّين العام، والأخطر من ذلك إفلاسُ القطاع المصرفي وتبذيرُ إيداعات المودعين اللبنانيين وغير اللبنانيين.
وتردُّ الإخفاقاتُ التي مني بها وزراء الماليَّة السَّابقين «المحسوبين على الثُّنائي لتَقاعسِهم عن إجراء وتبني إصلاحات ماليَّة جوهريَّة وضروريَّة في معرضِ التَّصدي للأزمات الخانقة التي شهدها لبنان، وإخفاقِهم في مُعالجة مزاريب الهدر في بعض المؤسَّسات العامَّةِ والمُختلطة؛ كما لتغييبهم لمبدأي الشَّفافية والمساءلة، وخاصَّة في إدارة المرافق الحيويَّة التي تديرها أو تشرف الوزارة على إدارتها، كالجمارك وإدارة الريجي؛ ولافتقادهم لمنهجيَّة التَّخطيط المالي
الطَّويل والمتوسِّط الأمد، ولروح المبادرة والتَّلهي بمقاربَةِ الأزماتِ الماليَّة والمَصرفيَّة والنَّقديَّة بمقاربات مُرتجلةٍ قائمة على ردَّات فعل آنيَّة، وتبنيهم لحلولٍ تقليديَّةٍ سَطحيَّة بدلاً من التَّركيز على الأمورِ الأساسيَّة واعتمادِ حُلولٍ جذريَّةٍ تستهدفُ معالجةَ الاختِلالاتِ البنيويَّةِ والهيكليَّةِ في إدارة الماليَّةِ العامَّة للدَّولة.
والقصور في الأداء مُتوارثٌ وخاصَّةً في التَّأخرِ عن إعدادِ المُوازناتِ السَّنويَّةِ في مواعيدها، والافتقاد لآلياتٍ فعَّالة للتدقيق والمراقبة الشاملة لحسابات الدَّولة، وعدمِ إعارَةِ الأهميَّةِ اللازِمَةِ للتَّقاريرِ الماليَّة الدَّوريَّة وغير الدَّوريَّة، وعدم
بلورة رؤىً عمليَّةٍ لهيكلةِ الديون وضبطِ الدَّين العام، وعدم تبني سياسات ماليَّة ونقديَّة واضحَةٍ تقومُ على ترشيد الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات والحد من التهرُّب الضَّريبي والتَّهرب من دفع الرسوم الجمركيَّة، ومُكافحةِ التَّهريب عبر منافذ العُبور، ولَتفشي الفساد المالي في الإنفاق الحكومي والتَّلزيمات المشبوهةِ الخ...، ويُعزى ذلك لِعَدم فعاليَّةِ آليَّاتِ الرَّقابةِ المُعتمدَةِ من قِبلِ وزراء الماليَّة المُتعاقبين، وإزدواجيَّةِ المَعايير التي اعتمدوها في المُوافقة على حجز النَّفقاتِ
وصَرفِها، وعدمِ تبنيهم لسِياساتٍ ضريبيَّةٍ مُتوازِنة، وعدمِ كفاءةِ الإدارة الضَّريبيَّة والآليَّاتِ المُعتمدةِ في جبايَة الضَّرائب وتحصيل الرسوم، الأمرُ الذي تسبَّبَ في حرمانِ الدَّولةِ من قدرٍ كبيرٍ من العائدات الماليَّة.
كذلك يؤخذ على وزراء المال السَّابقون فشلُهُم الذريع في تبني مبادراتٍ للحدِّ من النَّزف المالي في القطاع العام، وتماهيهم في عمليات التَّوظيف العشوائي خارج الآليات القانونية، كذلك مقاربتهم الشَّعبويَّةِ العشوائيَّةِ لتَعديلِ الرواتب
والأجور ما أثقلَ كاهلَ خزينة الدَّولة، وأرهق موازناتها السَّنويَّة، وتسبَّب باختلال كبير ما بين الإيرادات والواردات. ويضافُ إلى ذلك تأثَّرهم بتموضعاتِهِم السِّياسِيَّة، الأمرُ الذي أملى عليهم التَّعسُّف في استعمال صَلاحيَّاتِهم، مع علمهم بأن سلوكيَّاتهم تلك تندرجُ ضمن إساءة استعمال السُّلطة، كالامتناعِ عن التَّوقيع على بعض المراسيم أو القرارات من دون موجب مَشروع، أو التَّوقيع على قرارات ومراسيم مُسايَرَةً لبعضِ حُلفائهم السياسيين والمحسوبين عليهم
في الوقتِ الذي يتوجَّبُ على الوزير أن يُحسنَ استغلال سُلطتِهِ الإستِنسابيَّةِ في اتِّخاذ القراراتِ وتوقيع المراسيم أو الإحجام عن ذلك، باعتبارها محكومة بضوابطَ قانونيَّةٍ ودستوريَّة. ورفضُ التَّوقيعِ مَحصورةٌ فقهاً وعرفاً في الحالاتِ التي يكون فيها المرسومُ أو القرارُ مُخالفاً لنص دستوري أو لقانون نافذ، أو لتلافي إنفاق غير ملحوظ في الموازنة، أو يتجاوز الاعتمادات المرصودة، أو في الحالات التي يُخشى فيها من انعكاساتٍ سلبيَّةٍ على خزينةٍ الدَّولةِ أو ترتيبِ أعباءٍ ماليَّةٍ إضافيَّةٍ من دون جدوى، أو لوجودِ شُبهاتِ فسادٍ أو هدرٍ للمالِ العام، أو لكونِ المَسألةِ تخرجُ عن صلاحيَّةِ وزارة الماليَّة أو تُحمِّلُها التزاماتٍ غير قانونيَّة.
ونخلص للقولِ مثل هذا التَّقييمِ المُتجرِّد ينبغي أن يُبنى عليه في تقدير مدى إجابةِ طلبات احتكار الوزارات، علماً أن ما قلناه عن أداءِ وزراء الماليَّةِ السَّابقين يقالُ مثلُه أو ما يزيد عن أداء من توالوا على العديد من الوزارات.
اللواء - عادل مشموشي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|