بلدية طيرحرفا: مجلس الجنوب باشر بإجراءات لوجستية لفتح الطرقات
فضائح الموازنات... نهب وهدر ومخالفات
التطوّرات الأخيرة التي انشغلت بها الساحة المحلية حجبت الأضواء عن موازنة 2025 التي أقرتها حكومة تصريف الأعمال في أيلول الماضي ولم تتضمّن تداعيات الحرب والخسائر والدمار، ووضعها مجلس النواب في قاعة الانتظار لتعديل بنودها قبل نهاية الشهر الجاري بهدف إقرارها. هذا الواقع يستدعي التساؤل عن مصير تلك الموازنة من الناحية القانونية في ظلّ التحدّيات التي تنتظر العهد الجديد، وماذا عن المخالفات والتجاوزات التي كانت تُرتكب في الموازنات السابقة، وهل سيتم وضع حدّ لها لتحقيق الانتظام في المالية العامة؟
بما أن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل قدّم مشروع موازنة 2025 إلى مجلس الوزراء قبل أول أيلول 2024 كما نصّت عليه المادة 17 من قانون المحاسبة العمومية، وبما أن الحكومة أقرّت تلك الموازنة وأرسلتها إلى مجلس النواب في بدء عقد تشرين الأول (المادة 83 من الدستور) أي ضمن المهلة الدستورية، باتت الكرة، كما هو معلوم، في ملعب مجلس النواب وتحديداً لجنة المال والموازنة لمناقشتها وإقرارها في مهلة أقصاها نهاية العام.
لكن ما حصل أن تلك المهلة تمّ تجاوزها وتخطاها الزمن، فبات التعويل على مناقشة الموازنة وإقرارها في مجلس النواب كحدّ أقصى نهاية شهر كانون الثاني الجاري (عملاً بالمادة 86 من الدستور) وفي حال لم يُقرها تصدرها السلطة التنفيذية بمرسوم.
وبما أننا نشارف على نهاية الشهر وحكومة تصريف الأعمال مستمرّة في أداء عملها، بدأت تُطرح علامات استفهام حول مصير تلك الموازنة. فهل ستصدر بمرسوم أو أنها تنتظر الحكومة المقبلة وماذا عن المهلة التي نصّ عليها الدستور في نهاية كانون الثاني؟
من الواضح أننا اليوم أمام ثلاثة سيناريوات: إما أن يصدر مشروع الموازنة بمرسوم من الحكومة إذا مجلس النواب لم يردّها إليها، أو تجتمع لجنة المال والموازنة وتقرّر ردّها قبل نهاية الشهر الجاري، لأنه لم يعد لديها الوقت لمناقشتها، أو تبقى الأمور على حالها حتى تشكيل الحكومة الجديدة التي تسترد الموازنة وتعيد دراستها مجدّداً. فأي سيناريو سنشهده؟
رأى النائب رازي الحاج أنه تترتّب على الحكومة مسؤولية كبيرة وهي القيام بإصلاحات لتواكب انطلاقة العهد الجديد، فمشروع موازنة 2025 لا يُراعي كل تلك المتغيّرات هذا عدا عن أنه ليس إصلاحياً ولا يُبشّر بإطلاق عجلة الاقتصاد. وبالتالي، هذه الموازنة مرفوضة بالصيغة التي أرسلت بها من الحكومة. وكتلة الجمهورية القويّة مع رؤية جديدة بناءً على القضايا الإصلاحية الأساسية التي وردت في خطاب القسم لرئيس الجمهورية وفي عملنا الدائم ومطالباتنا الدائمة التي لطالما تناولناها، هناك هيكلة القطاع العام ودمج المؤسسات التي لم يعد هناك حاجة إليها.
وشدّد الحاج على أن "الهدف من الموازنة ألا يكون طابعها تمويلي وإنفاقي فقط بل استثماري، ولها علاقة بواقع شبكات الأمان الاجتماعي على وجه الخصوص، الأمر الذي لا ينطبق على تلك الموازنة". من هنا جاءت تساؤلات النائبة غادة أيّوب من خلال منشور على منصّة X عن سبب عدم دعوة لجنة المال والموازنة إلى الإنعقاد لمناقشة الموازنة قبل نهاية الشهر تلافياً لصدورها بمرسوم.
وبعد يومين على نشر تلك التساؤلات، طالب النائب ابراهيم كنعان في بيان نشره على المنصة نفسها وفايسبوك، رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال والرئيس المكلف بالعمل على استرداد موازنة 2025 فوراً، وإعادتها إلى المجلس النيابي معدّلة بعد تشكيل الحكومة الجديدة. والحلول الدستورية والقانونية متاحة إذ يمكن إلى حينه الصرف على أساس القاعدة الإثنتي عشرية وفقاً لموازنة 2024 التي أقرّها مجلس النواب في كانون الثاني 2024.
الأصول القانونية لتلك الجدلية ناقشتها "نداء الوطن" مع المحامي والخبير الدستوري والقانوني سعيد مالك، الذي قال: "بما أن عجلة تكليف رئيس الحكومة وتأليفها تسير بسرعة، يترتّب على الحكومة، بحسب مالك، "أن تستردّ الموازنة لإعادة دراستها وإدخال ما يلزم عليها من تعديلات، على أن يصار إلى إرسالها لاحقاً إلى مجلس النواب. وبالتالي ليس من المنتظر من مجلس النواب أن يبت بموازنة 2025 إيجاباً أو سلباً تعديلاً أو إدخالاً لبعض البنود قبل نهاية الشهر الجاري، ولكن من المنتظر راهناً من الحكومة الجديدة العمل على استعادتها وهذا حقّ دستوري لحكومة مؤلّفة فتعيد قراءتها وتدخل تعديلات عليها".
وحول المهل التي يجب أن يتمّ الالتزام بها خلال إعادة النظر في الموازنة الجديدة، قال مالك "ليس هناك من مهل تُطبّق على الحكومة الجديدة ولكن يفترض فيها في مستهل عملها، وبعد نيلها الثقة، السعي إلى استرداد هذه الموازنة من مجلس النواب، نظراً إلى ضرورة إدخال الكثير من التغيّرات على المالية العامة لجهة الجباية والإنفاق". وبالتالي لا مهلة أمام الحكومة لإنجاز الموازنة وإحالتها في تلك الحالة، ويجب أن تكون دراستها في مستهلّ جدول أعمالها ضمن إطار ما يسمى حكومة العهد الأولى".
هذا في ما يتعلق بالمهل، ولكن ماذا عن الإصلاحات المطلوبة في مشروع موازنة السنة الجارية؟
تندرج الإصلاحات المنشودة في موازنة 2025 (وهي جمّة) تحت ثلاثة عناوين عريضة وهي معالجة العجز المالي، تعزيز الكفاءة وتحقيق الاستدامة المالية. وتتضمّن تلك العناوين بدورها إصلاحات رئيسية عرضها الأستاذ الجامعي والخبير المالي مروان القطب لـ "نداء الوطن" كالتالي:
أولاً: على مستوى الإيرادات العامة: إصلاح هيكل الإيرادات العامة من خلال توسيع القاعدة الضريبية والحدّ من التهرّب الضريبي وتفعيل الجباية بشكل عادل ومنصف. إصلاح النظام الضريبي نحو نظام أكثر عدالة ويتطلب ذلك تقليل التركيز على الضرائب غير المباشرة، لا سيما الضريبة على القيمة المضافة. والاعتماد بشكل أكبر على الضرائب المباشرة، خصوصاً ضريبة الدخل التصاعدية على الشركات، لتحقيق العدالة الاجتماعية. ومكافحة التهرّب الجمركي عبر تحسين الرقابة على المرافئ والمنافذ الحدودية لضمان جباية الرسوم الجمركية بشكل كامل.
ثانياً: على مستوى النفقات العامة: ترشيدها والتخلص من الإنفاق غير المنتج، مثل الرواتب المزدوجة في القطاع العام أو النفقات المهدورة في المشاريع. إصلاح القطاع العام عبر إعادة هيكلة المؤسسات العامة المتعثرة ودمج أو إلغاء تلك التي لا ضرورة لها. وتعزيز الإنفاق الاستثماري عبر التركيز على الإنفاق الذي يوفر للدولة أصولاً وتجهيزات معمّرة تدعم الاقتصاد على المدى الطويل.
ثالثاً: على مستوى قطاع الكهرباء: الذي يُعتبر أحد أكبر مصادر العجز في الموازنة اللبنانية، يترتّب تحسين الجباية وتقليل الهدر الفني وغير الفني، تلزيم عمليات التوزيع بطريقة شفافة، مع تعزيز الرقابة على تنفيذها من قبل القطاع الخاص. وتحسين الكفاءة الإدارية والمالية لمؤسسة كهرباء لبنان، وفتح المجال أمام الشراكة مع القطاع الخاص.
رابعاً: على مستوى الرقابة على المال العام: لا بدّ من تفعيل الرقابة المالية من خلال تعزيز دور ديوان المحاسبة فيتمّ تمكينه بتأمين الموارد البشرية اللازمة عبر تعيين قضاة جدد، مراقبين، مدققين، والاستعانة بالخبرات الدولية والمحلية.
إعادة تنظيم إدارة التفتيش المركزي، عبر تمكينها من استخدام التقنيات الرقابية الحديثة، ووضع آلية لتعيين الهيئات الناظمة للقطاعات الاقتصادية كافة: مثل قطاعات الكهرباء، الاتصالات، النفط والطيران المدني، لضمان الحوكمة الفعّالة للقطاعات التي تشرف عليها.
خامساً: على مستوى الدين العام: التركيز على إعادة هيكلة الدين العام وتقييمه من جديد، مع بيان حجمه الفعلي بعد الانهيار المالي، وضع آلية للتفاوض مع الدائنين لإعادة جدولة الديون أو تقليل قيمتها بما يتناسب مع القدرة الاقتصادية للدولة. وإدراج نصّ في الموازنة يضع ضوابط واضحة للاستدانة، بحيث تكون الاستدانة خياراً استثنائياً وليس القاعدة.
سادساً: لا بدّ من إصلاح النظام التقاعدي، خصوصاً للمستفيدين من الرواتب التقاعدية بعد وفاة الموظف. ضمان المساواة في الحقوق التقاعدية بين جميع أسلاك القطاع العام من دون تمييز. وإنشاء صندوق لاستثمار المحسومات التقاعدية المقتطعة من العاملين في القطاع العام، وفقاً للقواعد المعمول بها في مختلف دول العالم".
على وقع الإصلاحات المطلوبة لا بدّ من التعريج على المخالفات التي كانت تُرتكب في موازنات السنوات السابقة، واعتبارها من البنود التي يجب الارتكاز عليها ليكون الأداء الحكومي تحت عباءة القانون، فمشاريع قوانين الموازنات التي أقرّت سابقاً تضمّنت جملة من المخالفات، رغم أن الإنفاق حصل عشوائياً وفق القاعدة الإثنتي عشرية لفترة 11 سنة من العام 2005 إلى الـ 2016.
منذ العام 2019، سجّل ديوان المحاسبة عدداً من عمليات الهدر والمخالفات، واستناداً إلى تقارير أعدّها طلبت "نداء الوطن" الحصول على نسخة عن خلاصاتها استناداً إلى قانون حقّ الوصول إلى المعلومات والذي يقدّم بكتاب خطّي يوجّه إلى مركز الديوان أو من خلال الموقع الإلكتروني له، تبيّن أن المخالفات بعنوانها العريض تتنوّع بين:
1- عدم تقديم قطع حساب سنوي قبل إقرار أي موازنة عامة وتأثير ذلك على أداء الحكومة والمساءلة والمحاسبة.
2- عدم وجود برامج استثمارية بل تصنيف الموازنة بالتشغيلية.
3- فوضى في أصول قيد الهبات وصرفها والمقدّرة بمليارات الدولارات. فهناك هبات كان يتمّ قيدها بحسابات خاصة في مصرف لبنان أو بمصارف خاصة بطريقة غير قانونية ويتم إنفاقها من دون صدور مراسيم خاصة بها، حتى أنها لم تُدرج ضمن الموازنة ولم يخضع الإنفاق منها لأي رقابة.
تحدّثت رئيسة الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة القاضية نيللي أبي يونس لـ "نداء الوطن" عن العناوين المفصّلة لتلك المخالفات، فأوضحت أن رقابة ديوان المحاسبة تكمن في الدور الذي تلعبه في عملية إنجاز قطع الحساب المحتسب. وأشارت إلى أن "الرقابة على تنفيذ الموازنة هي: أولاً، رقابة إدارية تنفّذها وزارة المالية، ثانياً، رقابة قضائية على الحسابات التي يمارسها ديوان المحاسبة على حساب مهمّة المحتسبين المركزيين. وهنا يصدر الديوان قراراً قضائياً موقتاً بالمخالفات المرتكبة يبيّن المحتسب دفاعه ليصدر بعدها الديوان القرار القضائي النهائي الذي يحدّد فيه إذا كان مشغول الذمّة أو مسلّفاً أو بريء الذمة.
وثالثاً، رقابة برلمانية يمارسها مجلس النواب على قطع الحساب، وهنا للديوان دور مهم في ممارسة هذه الرقابة.
استناداً إلى القانون يترتّب على الحكومة قبل تشرين الثاني إحالة مشروع قطع الحساب إلى مجلس النواب مرفقاً بتقرير ديوان المحاسبة، وعلى مجلس النواب تصديقه قبل نشر موازنة السنة التالية. وتؤكّد القاضية أبي يونس أن "وزارة المالية لم تكن ترسل قطع الحساب إلى ديوان المحاسبة في الوقت المنصوص عليه قانوناً وبالتالي كان مجلس النواب يقرّه مع الإحتفاظ بالملاحظات التي قد يبديها الديوان لاحقاً".
من بين المخالفات العديدة التي تستسهل السلطة السياسية الإقدام عليها، برزت صيغة الحصول على سلفات خزينة بشكل دوري وبطريقة مخالفة لقانون أصول المحاسبة العمومية، ما أدّى إلى تراكم الديون لصالح الدولة وارتفاع مستوى هدر المال العام.
واستناداً إلى القاضية أبي يونس "تمّ تسجيل سلفات خزينة غير مسدّدة ومتراكمة حتى نهاية العام 2019 بقيمة 10200 مليار ليرة لبنانية (أي ما يعادل نحو 6 مليارات دولار وفق سعر صرف 1500 ليرة) يعود منها نسبة 70% لمؤسسة كهرباء لبنان و 12% للهيئة العليا للإغاثة و8% لمجلس الإنماء والإعمار".
هذا عدا عن التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان من مصرف لبنان، (وفق سعر صرف 1500 ليرة ) خلال السنوات السابقة، بناء على قرارات مجلس الوزراء ومن دون إتّباع أي أصول قانونية في عملية الصرف.
وحول إصدار موازنات تشغيلية وغير استثمارية، أوضحت القاضية أبي يونس، أنه "تبين لديوان المحاسبة أن الإنفاق الاستثماري في الحساب الأخير المدقّق في موزانة العام 2019 لا يتجاوز نسبة 4%، بينما الإنفاق الجاري يصل إلى 96%. وتصل نسبة 40% من نفقات الموازنة لخدمة الدين و25% للرواتب والأجور و25% للمساهمات و10% أنفقت على التحويلات والمواد والخدمات الاستهلاكية.
تلك المخالفات هي غيض من فيض النقاط المسجّلة، إذ تنضمّ إلى التجاوزات المرتكبة اعتماد التجزئة في النفقات للتهرّب من المناقصات ومن رقابة الديوان المسبقة، والصرف بعد 31 كانون الثاني من السنة اللاحقة لسنة الحساب، ما يؤثر على تنظيم الحسابات وإيداعها المراجع المختصة في الوقت المحدّد ويؤخر صدور الموازنة، وإصدار قرارات تدوير الاعتمادات من وزير المالية بعد 1 آذار لأكثر من سنة.
هذا عدا الاختلاسات التي كانت تحصل "على عينك يا دولة" والتي بلغت استناداً إلى أرقام ديوان المحاسبة للعام 2019 ما قيمته 2,652 ألف مليار ليرة لبنانية.
نداء الوطن - باتريسيا جلاد
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|