الصحافة

“الحزب”… “أنا أعمى ما بشوف”!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يستغرق الأمر كثيراً حتى أثبت “حزب الله” المنكسر في الجنوب، أنه لا يمكن أن ينكسر في بيروت، وأن الهزيمة أمام اسرائيل قد تكون بطعم “العسل” مقارنة مع أي هزيمة مرة أمام اللبنانيين حتى لو أدت هذه المكابرة الى تدمير ما تبقى من لبنان فوق رؤوس الجميع من القمة الى القاعدة.

وليس المهم هنا، ما يقوله نعيم قاسم وأئمة ايران عن نتائج حرب الاسناد والقرار ١٧٠١ وكل ما تبعهما من تقلبات وتحولات، بل المهم بالنسبة اليهما، هو الفصل بين ما جرى مع الدولة العبرية في الجنوب، وما جرى في غزة ودمشق، والبحث عن أي انتصار معنوي بأي ثمن يسعيان به الى احتواء نكسة البيئة الشيعية قبل أن تتحول الى “انتفاضة” في مكان أو الى “استسلام وتسليم” في مكان آخر.

هذا “الانتصار الموعود” لا يتوافر الا في مناطق الحلقات الضعيفة، بعدما تمكن الحكم الجديد في سوريا من قطع أنفاس الممانعين وجسورهم نحو لبنان والعراق والأردن، وبعدما باتت غزة عرضة لتهجير جديد بضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبعدما تمكن عامل التدويل والتعريب في لبنان من انتخاب رئيس للجمهورية لم يختره الممانعون، وتكليف رئيس للوزراء لا يدين لهم لا بولاء أو بمنة، الأمر الذي أفقدهم، الى جانب السطوة العسكرية، سطوة سياسية لا يملكون فيها الغطاء المسيحي المطلق الذي تنعموا به مع عهد الرئيس ميشال عون، ولا الغطاء السني الذي وفره لهم سياسيون موالون من جهة أو “مائعون” من جهة أخرى.

هذا الواقع الخانق وضع “حزب الله” أمام واحد من خيارين: اما اللجوء الى الحكمة مرغماً والقبول بتنازلات صعبة في مقابل البقاء في المعادلة السياسية شريكاً متوازناً والانتقال بالتالي الى اعادة الاعمار ولملمة حال التشرد في بيئته، واما الابقاء على الجنوب أرضاً محروقة غير صالحة لا للعيش ولا للسكن ولا حتى للقتال.

وليس سراً أن “حزب الله” كان ينتظر انتهاء مهلة الستين يوماً بتلهف لافت، لا لمواكبة الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب وهو انسحاب لم يكن مضموناً في الأساس، بل للنزول على الأرض وفق شعارات ظاهرية تقوم على محاولات تكريس حق المقاومة وبالتالي حق حمل السلاح لا نزعه، وامتصاص حال النشوة التي يشعر بها بعض السياديين في لبنان، واحتواء الهجمة الدولية – العربية نحو لبنان الجديد أو نحو دولة قادرة على ابتلاع الدويلة المنكسرة.

لكن أكثر ما كان يريده محور الممانعة من غزوة الدراجات النارية تلك الليلة، هو ثلاثة أهداف سياسية وأمنية دفعة واحدة، الأول إفهام الرئيس جوزاف عون أن وصوله بالقوة الى قصر بعبدا لا يعني أنه يستطيع الحكم بالقوة، وإفهام رئيس الحكومة المكلف نواف سلام أن وصوله الى السرايا بالقوة لا يعني أنه يستطيع أن يتحول الى زعيم سني متفلت من ضغط الشيعة أو من شروطهم وحتى من سلاحهم، وإفهام الجيش اللبناني أن نشره في الجنوب بالقوة والتعامل معه على أنه الخليفة في “المقاومة” والبديل في الأمن المطلق لن يجدي، محاولاً بكل الطرق والذرائع والمبررات وضعه في خانة “الشرطي” العاجز أو في خانة العسكر الذي يحاول الاضطلاع بدور لا يقوى عليه.

وأكثر من ذلك، يرفض “حزب الله” الذي اعتاد توجيه السياسات الأمنية والاستراتيجية والادارية والاقليمية في لبنان، أن يدخل الى مجلس الوزراء المقبل متساوياً مع اللبنانيين الآخرين أو على الأقل كشركاء لا يملكون فيه ما يمكنهم من سحب القرار ١٥٥٩ من التداول، ومن تفسير القرار ١٧٠١ في شكل يعيد رجاله وسلاحه الى حيث كان قبل “الثامن من أكتوبر”، ومن الاحتفاظ بمفتاح تعطيل يمكن أن يحصل عليه من خلال ثلث مستتر أو من خلال عراقيل وزارة المال.

وتقر مصادر قريبة من الضاحية الجنوبية أن خلفاء حسن نصر الله، يعانون حالة ارتباك خطيرة، لا بل حالة من الانفعال الذي أسقط من قاموسهم السياسي، أي حوار متوازن أو أي روية مطلوبة، وجرهم الى استعادة منطق القوة الدراجة أو الشعبية أو الأمنية، حتى لو أدى الأمر الى صدام مع الجيش أو الى حرب أهلية أو حتى الى تعزيز الدعوات التي تجنح صوب التقسيم أو الأنظمة الفدرالية وسواها من المخارج.

انه الجنون، يقول مصدر ديبلوماسي عربي، مشيراً الى أن “حزب الله” لا يزال يؤمن بأنه الركن الأساسي في محور الممانعة، وأن العودة الى ما كان قبل “السابع من أكتوبر” غير ممكن من دون أمرين: استعادة موقعه العسكري السابق، والثاني السيطرة مجدداً على قرارات لبنان، خصوصاً أن ثمة قراراً يعرفه الممانعون جيداً ويقوم على ضرورة سحب هذا البلد الصغير من انطباع الدولة المخترقة والفاشلة الى انطباع الدولة الضرورية والفاعلة في هيكل الشرق الأوسط الجديد.

“حزب الله” أيضاً يعرف ذلك، لكنه يواصل المكابرة والضغط في كل الاتجاهات في محاولة لاحياء قوة عسكرية – سياسية – مالية – شعبية يؤمن بأنها ستكون أساساً لأي انطلاقة جديدة أو حملة مضادة تهدف الى إسقاط القرار ١٧٠١ وتجريده من مبرراته، والى اعادة الجيش اللبناني الى ثكناته، وإسقاط العهد في بعبدا أو شله، وتحريك الخلايا النائمة في سوريا لمنع الحكم الجديد من بناء دولة سنية قوية تقطع الجسور نهائياً بين طهران وبيروت وتضخ بعض الحيوية الندية في الشارع السني في لبنان، وذلك قبل أن يصل الحكم الجديد الى وضع يسمح له بنزع سلاح الميليشيات وضبط الحدود والانتقال نهائياً من حضن ايران الى حضن العالم .

ويضيف المصدر نفسه أنه أراد في تلك الليلة أن يقول لمنتقديه انه لا يزال يملك الدراجات النارية التي يستطيع بها غزو بيروت ساعة يشاء وليس الدراجات المطاطية كما ذكر سمير جعجع في اطلالته الأخيرة، وأن يقول للسنة ان عودة سعد الحريري الى بيروت في ذكرى “الرابع عشر من شباط” لن تجعل سنة لبنان جزءاً قوياً من سنة العالم العربي الذي يجهد لاستعادة لبنان وضمه الى الحظيرة العربية.

لكن أمراً واحداً خفياً يقلق “حزب الله” في العمق ويقوم على أمرين: الخوف من جولة قتال جديدة مع الاسرائيليين قد تقضي على ما تبقى من رجاله وسلاحه ومؤسساته، والخوف من أن يعمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى ضم الجنوب الى مشروع التهجير الذي يوصي به لقطاع غزة وتفريغه من سكانه تمهيداً لتحويله الى منطقة عازلة ممنوعة من السكن.

هذا القلق ترافق مع قلق آخر، يأتي هذه المرة مما يجري في ايران نفسها حيث بدأت طلائع الانتفاضات تخرج الى السطح وسط تقارير وأجواء تفيد بأن الوقت حان لتغيير جذري في الشرق الأوسط يقوم على إسقاط النظام الحاكم في طهران.

في اختصار، انه صراع بين محور عقائدي جريح يتحرك تحت شعار “أنا أعمى ما بشوف”، ومحور اسرائيلي – أميركي مجنون لن يتوانى عن أي عمل يرسم وجهاً جديداً للشرق الأوسط مدعوماً بمباركة عربية – دولية شبه شاملة.

وفي اختصار أيضاً انه عصر دونالد ترامب، العصر الذي بدأ يدفع العالم كله الى اعادة حساباته وترتيب ملفاته والاستعداد لكل الاحتمالات التي قد لا يخلو بعضها من الجنون.

فما كان ضرباً من الخيال قبل العشرين من كانون الثاني أو على الأقل مجرد اقتراحات وبدائل، أصبح واقعاً بعده، وانتقل الرئيس الأميركي من عالم الحملات الانتخابية الى عالم الحملات العملية التي تريد وقفاً للحرب في أوكرانيا بالقوة، وعودة أميركية كاملة الى قناة بنما، واحتواء للانفلاش العسكري الصيني في بحر الصين، ومنعاً لحيازة سلاح نووي في ايران، واعادة للحوثيين الى لوائح المنظمات الارهابية، اضافة الى حث السعودية على استئناف حوار التطبيع مع اسرائيل، ومطالبة الأردن ومصر بفتح أبوابهما أمام فلسطينيي غزة، وتوفير غطاء للجيش الاسرائيلي في حملته على الضفة الغربية وفي مواصلة انتشاره في الجنوب اللبناني.

هذا في التمنيات التي يمكن أن تتحقق أو تسقط، لكن أحداً لم ينتبه في محور الممانعة الى أن فك القيد عن قنابل أميركية تزن ألفي رطل لحساب اسرائيل، لا يدخل في اطار التمنيات بقدر ما يدخل في اطار القرارات الاستراتيجية التي تنتظر الوقت المناسبة لتضرب تحت الأرض ما لا تستطيع ضربه فوق الأرض.

أنطوني جعجع-لبنان الكبير

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا