محليات

تأجير الرحم في لبنان: اتفاقيات في السرّ ... وطلب على العاملات الأجنبيات

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ سنتين، وصلت عاملة أجنبية إلى لبنان بعد أن استقدمها أحد المكاتب للعمل في المنزل. لم تنجح العاملة في العمل، وكانت كلّ مرة تذهب فيها إلى منزل أحدهم تعود بعد أسبوع أو أسبوعين. بات صاحب المكتب يشعر بأن هذه العاملة باتت عبئاً عليه بعد كل التكاليف التي دفعها لاستقدامها من بلدها إلى لبنان.

لم يكن يعرف ما العمل إلى أن سمع من أحد السمسارة في مكتبه عرضاً سيغيّر مسار حياة العاملة. عرضت عليه استلامها لتكون "أمّاً بديلة" لإحدى العائلات بهدف الحمل والولادة. بالفعل، ذهبت العاملة إلى منزل كفيلها الجديد حيث عُرض عليها شفهياً، ومن دون الاستناد إلى أيّ وثائق أو مستندات تثبت ذلك.

وفق رواية العاملة التي لجأت إلى أحد المراجع المعنية، لم تكن تملك أيّ إثبات، ومع ذلك ذكرت اسم الطبيب والمستشفى وطريقة خضوعها للتلقيح الاصطناعي. وكانت العاملة خائفة جداً، ولم تشأ تقديم أيّ دعوى أو شكوى، بل كلّ ما طلبته العودة إلى الديار.

وما علمنا به أن قصّة هذه العاملة وصلت إلى النيابة العامة فيما بعد، وقد تمّ تقديم إخبار، ومكثت العاملة في أحد الملاجىء إلى حين ترحيلها.

كان الاتفاق معها يقضي بالحصول على راتب شهري يساوي 250 دولاراً لمدة سنتين بحسب عقد العمل. ولكن في الحقيقة كانت ستحصل على مبلغ 250 دولاراً لمدة سنة مقابل الموافقة على حمل جنين للعائلة التي ستمكث عندها. شكلياً، كان الأمر استقدام العاملة للعمل في المنزل كسائر العاملات الأجنبيات، ولكن الهدف فعلياً كان أن تحمل الطفل وتلده قبل أن تعود إلى بلدها الأم.

65 ألف دولار مقابل حمل الجنين وإنجابه

ما نرويه في هذه السطور ليس من نسج الخيال، بل قصة واقعية حصلت فعلاً في لبنان، وهي ليست الوحيدة. هناك قصص كثيرة مشابهة حول "استئجار الرحم"، بعضها علمنا به، والبعض الآخر بقي خلف الأبواب الموصدة.

قبل سنوات عديدة، كانت العاملة الأجنبية على موعد مع قصّة مشابهة انتهت بولادة طفل منها. كان المبلغ المدفوع مقابل الحمل بالجنين وولادته يساوي نحو 65 ألف دولار. جاءت العاملة على أساس عقد عمل عادي، ثم عندما وطأت قدماها منزل الكفيل اختلفت القصة.

اتفق الطرفان على كل التفاصيل. وبالفعل مكثت العاملة في منزل الزوجين، حيث تقاضت في المرحلة الأولى نصف المبلغ المتفق عليه بعد خضوعها للتقليح الاصطناعي، في حين استلمت المبلغ المتبقي بعد أن أنجبت المولود.

ونجحت العاملة في وضع المولود، وبعد انتهاء الاتفاق بين الطرفين، عادت العاملة إلى بلدها ولم يعرف عنها شيء. ولكنها بعد فترة شعرت بالذنب، وقررت أن تكشف قصتها لتسليط الضوء على هذه الظاهرة التي ما زالت تنتشر، إنما بطريقة سرية.

هاتان الحادثتان حصلتا في لبنان منذ سنوات، واليوم أصبحت الأمور أكثر وضوحاً وصراحة، إذ يتمّ الاتفاق مع العاملة حتى قبل مجيئها إلى لبنان. ولكنه بما أن موضوع "تأجير الرحم" يعتبر مخالفاً للقانون والدين، فتكون الطريق إلى إبرام الاتفاق بين الطرفين من خلال مكاتب استقدام أو عبر معارف تفادياً لإثارة بلبلة أو ضجة اجتماعية.

نحاول تقصي أكثر هذه الظاهرة في مجتمعنا. الكل متحفظ، والخوف من الحديث في هذه المواضيع يثير الريبة عند الناس. تشهد العيادات الطبية كما الجمعيات شهادات حية لبعض النساء اللاتي لجأن إلى هذه الوسيلة لتحقيق حلم الأمومة. الفقر، اليأس، حلم الأمومة المعلّق... أسباب كثيرة تدفع بالأم البيولوجية غير القادرة على الإنجاب، والأم البلدية، إلى القبول بهذا العرض؛ فاستغلال الحاجة موجود، والمال يتكلم بعيداً عن الأخلاقيات والدين.

بلاغ واحد

تروي المحامية موهانا إسحق، رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة في قسم مناهضة الإتجار بالبشر في منظمة "كفى"، قصّة حصلت منذ أكثر من ثماني سنوات، يوم تلقّت إحدى العاملات الأجنبيات عرضًا مغريًا من زوجين تعمل لديهما. وكان العرض يتمثل بحمل طفل لهما مقابل تأمين حياة كريمة لعائلتها في وطنها.

ورغم أن العرض لم يكن مصحوباً بأيّ نوع من الإكراه أو الضغط، بل قُدِّم كخيار حرّ يمكن قبوله أو رفضه، فإن الفكرة نفسها جاءت على إثر اقتراح من طبيب السيدة، الذي أشار عليها بمناقشة الأمر مع العاملة كوسيلة لتحقيق حلمها في الإنجاب.

بالنسبة إلى العاملة، لم يكن سماع هذا الطلب أمراً سهلاً، فقد شعرت بالخوف من العواقب المحتملة، ورفضت الفكرة بشدة. لذلك قررت العاملة مغادرة المنزل خشية أن تجد نفسها في موقف يُفرض عليها القبول بهذا الأمر من دون إرادتها.

وقعت هذه الحادثة بالفعل في لبنان منذ سنوات عدة، ووثقتها جمعية "كفى" ضمن سجلاتها. وعلى الرغم من أن مثل هذه الحالات تُعتبر نادرة بالمقارنة بالشكاوى الأخرى، التي تسجّلها الجمعية حول معاناة العاملات الأجنبيات، فإن هذه الواقعة تُشير بوضوح إلى أن قضية "تأجير الأرحام" موجودة في لبنان، وإن كانت تتم بشكل سريّ وغير مُعلن.

عرض وطلب

أصبح مصطلح "الأم البديلة" متناقلاً بكثرة في العيادات الطبية ومراكز العقم، ولم يعد الأمر سراً حتى لو بقيت إجراءاته سرية بسبب الاعتراض الديني والغياب القانوني لتنظيم هذا الموضوع. وفي التفاصيل، يلجأ الزوجان إلى البحث عن "أم حاضنة" والاتفاق معها من خلال إبرام عقد مكتوب بين الطرفين يُحدّد فيه المبلغ الماديّ الذي سوف تحصل عليه المرأة الحاضنة مقابل خدمة تأجير رحمها وولادة الطفل.

وكان لافتاً لجوء بعض الأزواج إلى التعاقد مع عاملات أجنبيات من دول مثل سري لانكا أو كينيا في الآونة الأخيرة، بينما ترفض العاملات من إثيوبيا بشكل قاطع الانخراط في هذا النوع من الاتفاقات. ولم يعد الأمر سراً إذ تتم مصارحة العاملة بموضوع حمل الطفل، حتى قبل قدومها إلى لبنان؛ وبعد الحصول على موافقتها، تصل إلى منزل الزوجين. وغالباً ما تتقاضى هذه العاملة أجراً مادياً يعادل أربعة أضعاف ما تحصل عليه مقابل عملها التقليديّ في لبنان.

في المقابل، هناك قصص أخرى لنساء تربطهن صلة قرابة بالمعنيين، وقد تبرّعن بحمل الطفل مجاناً لمساعدة المرأة على تحقيق حلم الأمومة. ومن بين هذه القصص قصة صونيا التي نسلّط الضوء عليها كقصة إنسانية.

كانت صونيا ككل الفتيات اللاتي يعشن مراهقتهن بكل تفاصيلها، تسمع عن الدورة الشهرية وتختبر مع صديقاتها هذا العالم الجديد عليها. مرّت الأيام، ولم يأتِ اليوم التي تسمع فيه كلمة "مبروك" لتختبر معنى أن تأتي دورتها الشهرية. كان على والديها اللجوء إلى الطبيب لمعرفة سبب تأخّر الدورة الشهرية، وهناك في داخل العيادة كانت صونيا وعائلتها على موعد مع تشخيص طبيّ سيقلب حياتها رأساً على عقب.

اكتشفت صونيا أنها تعاني من حالة Rokitansky syndrome التي تعني وجود رحم صغير أو من دون وجود رحم بتاتاً ومهبل. لم يكن سهلاً أن تتعايش مع وجعها، الذي كان يسكن في أحشائها من دون معرفتها. رحمها الصغير غير قادر على حمل حلمها الكبير في إنجاب طفل يوماً ما، وكانت تصارع نفسها وأفكارها والحقيقة الطبية الحازمة  التي تقول "لا يمكنها الحمل والإنجاب".  

مضت ابنة الخامسة والعشرين في طريقها إلى الحبّ الذي تكلل بالزواج. ومع ذلك بقيت صونيا تبحث عن وسيلة تجعلها تحقق حلم الأمومة المعلق بسبب حالتها الطبية.

لم تكن خالة صونيا قد تخطت الـ42 عاماً عندما تبرّعت بأن تحمل ابن ابنة شقيقتها في أحشائها، وكان رحمها نظيفاً وقادراً على الحمل والولادة. وكانت صونيا تحلم بالطفل أكثر من أيّ شيء آخر. رغبة الخالة في تخفيف معاناة ابنة شقيقتها أنقذت صونيا من يأسها.

لا شيء مستحيل في عالم الحب والعطاء، واليوم ستشهد صونيا على هذه الحقيقة مع خالتها.

مشاعر ممزوجة بالفرح والأمل. خضعت صونيا لسحب البويضات منها، وكذلك حصل مع زوجها في الحيوانات المنوية، قبل أن يتمّ نقل هذا الجنين إلى أحشاء خالتها بعد تهيئة رحمها، لتصبح خالتها حاملاً بطفل ابنة شقيقتها.

عاشت الخالة مشاعر الأمومة بعد أن حُرمت منها لأنها لم تتزوج، وعاشت صونيا حلمها في أن تحمل طفلها بين يديها بعد أن كُتب عليها أن تولد برحم صغير. اليوم تدخل كل من صونيا وخالتها إلى عيادة الطبيب ومعهما طفلهما، ولكل منهما مشاعرها الخاصة وحبها الاستثنائي له الذي يعيش على حبّ والدتين، لا والدة واحدة.

"رحم للإيجار بأسعار مناسبة"

مع ذلك، تعتبر حالة صونيا من الحالات الأقلّ شيوعاً في موضوع تأجير الأرحام في لبنان، لأنها واهبة متبرّعة من دون مقابل، في حين تُشكّل الحالات الأخرى التي ترتكز على عقود بين الطرفين الحيّز الأكبر. وغالباً ما تلجأ النساء اللاتي يعانين من مشاكل طبية مختلفة إلى فكرة تأجير الرحم مقابل بدل ماديّ لتحقيق حلم الأمومة لديهن. وغالباً ما تكون الحالات الطبية عائدة إلى تشوّه الرحم أو صغره بالولادة أو انعدامه طبيعياً، أو قد يكون السبب مرض السرطان الذي يوجب استئصال الرحم...

وما يجري في الخفاء بات يخرج إلى الضوء رويداً رويداً في ظلّ انتشار صفحات المواقع الاجتماعية والانفتاح على العالم.

عشرات المنشورات على الفايسبوك تكشف رغبة البعض في استئجار أرحام، والتبرّع ببويضات مقابل بدل ماديّ، وتستحوذ على اهتمام البعض بسبب المغريات المادية أو اليأس من الحصول على طفل مهما كان الثمن. ومن بين هذه الصفحات، تستوقفنا صففة "رحم للإيجار بأسعار مناسبة"، التي تتضمّن منشورات مختلفة، منها "أريد تأجير رحمي مقابل بدل مادي"، و"مطلوب رحم للحمل الطبيعي المبلغ الي هتطلبه بس اقامه خلال فترات الحمل"، و"مطلوب رحم للإيجار للجادين فقط"... ومن بين هذه المنشورات، نجد طلب "إيجاد متبرعة بالبويضات في لبنان حصراً".

حاولنا التواصل مع هذه الصفحة للاستفسار أكثر عن كيفية تلبية حاجة المتابعين لها ولكننا لم نحصل على أيّ ردّ بطبيعة الحال.

شروط طبية 
ما هي الشروط لضمان نجاح عملية الحمل عند الأم البديلة؟ وكيف يتقبل الزوجان اليوم هذه الفكرة؟

توضح مستشارة العقم لدى الرجال والنساء في أحد المراكز، التي تتحفظ عن ذكر اسمها، نتيجة الموضوع الحساس والجدليّ في المجتمع، بأن "النساء اللاتي يلجأن إلى الأم البديلة يعانين عادةً من حالات مثل الرحم الطفولي أو من انعدام الرحم، بل قد يشكّل الحمل في بعض الحالات خطراً على حياة المرأة. وغالباً ما تكون هاتان الحالتان هما الأكثر شيوعاً في اللجوء إلى الأم البديلة لتحقيق حلم الأمومة. وعلى الرغم من الجدل المستمر حول هذا الموضوع، فإن الطلب على خدمات الأم البديلة بات يزداد انتشاراً في العديد من الدول، بما فيها لبنان، حتى لو كان هذا الأمر يتم بشكل غير معلن أو رسميّ".

لا تتشابه القصص جميعها، وكذلك الأشخاص، وهذا ما لمسته الدكتورة في عيادتها. فبعض الأزواج يتجنبون مصارحة المجتمع بحقيقة لجوئهم إلى الأم البديلة، ويختارون السفر أو الانعزال حتى موعد ولادة الطفل، إذ تعيش الأم البيولوجية والأم البديلة في لبنان في عزلة تامة إلى أن تلد الطفل، ليعود الأهل بعد ذلك فيحتفلون بقدومه اجتماعياً.

من جهة أخرى، يتقبل الجيل الجديد هذه المسألة بشكل أكثر انفتاحاً، ويدرك أن هذه الظروف ليست تحت سيطرتهم، وأن اللجوء إلى الأم البديلة هو الحلّ الذي يمكنهم من تحقيق حلمهم بإنجاب طفلهم المنتظر.

وإلى جانب البدل المادي الذي تحصل عليه الأم البديلة، يوقع الطرفان (الزوجان) والأم البديلة اتفاقية تفصيلية تتناول جوانب صحية متعددة. وتشمل هذه الوثائق الموافقة على إجراءات مثل الولادة القيصرية إذا استدعت الحاجة، إنهاء الحمل إذا كان يشكل خطراً على حياة الأم البديلة، التزام الزيارات الدورية لطبيب النساء لمتابعة صحة الحمل والجنين، والموافقة على إجراء فحص السائل الأمنيوسي عند الضرورة. لذلك، من الضروري أن تتم مناقشة جميع هذه النقاط بعناية ووعي قبل توقيع العقد والشروع في عملية نقل الجنين إلى رحم الأم البديلة.

في المقابل، تشدد الطبيبة، في حديثها، على أن الزوجين اللذين يلجآن إلى الأم البديلة عليهما أن يدركا جيداً أنهما الأم والأب الشرعيان لهذا الطفل، ويتحملان جميع المسؤوليات القانونية والأخلاقية تجاهه. لا يمكن التراجع أو التخلّي عن الطفل تحت أيّ ظرف، ولو وُلد مع تشوهات أو مشاكل صحية.

تعترف الدكتورة بأن شروط الحمل في مسألة تأجير الرحم دقيقة جداً، إذ يجب أن تكون هناك ثقة تامّة بالمرأة التي ستقوم بحمل الطفل. أما عن المخاطر التي قد تواجه الأم البديلة خلال حملها فهي مشابهة للمخاطر التي يمكن أن تواجه أيّ امرأة في حمل طبيعي. مع ذلك، تعتبر بعض الحالات استثنائية، حيث قد يشكّل الحمل خطراً على صحة الحامل، مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكريّ، وهي مشاكل قد تكون أكثر شيوعاً لدى النساء المتقدّمات في العمر.

لهذا السبب، يفضّل الزوجان عند اختيار الأم البديلة أن تكون شابة وتتمتع بصحة جيدة، لتقليل احتمال حدوث أيّ مضاعفات خلال الحمل، كما يُفضل أن تكون الأم البديلة قد اختبرت الولادة سابقاً، لتكون على دراية بتفاصيل تجربة الحمل والإنجاب.

مخالفة للقانون وفراغ تشريعي 

عند الولادة، يتم تسجيل الطفل باسم الأم التي أعطت البويضات، وليس الأم الحاضنة التي حملت به. وبالتالي لا يمكن للأم الحاضنة المطالبة بالاحتفاظ الطفل وتسليمه إلى الزوجين بعد ولادته مباشرة.

وهنا تتوسع دائرة المشاركين في هذه العملية، التي تطال الطبيب الذي يقوم بعملية الولادة والمستشفى لتسجيل الطفل على اسم الأم البيولوجية، وليس باسم الأم البديلة. وبالتالي، لكل جهة حصتها ودورها في إتمام هذه العملية التي تعتبر مخالفة للقانون.

يعتبر تأجير الأرحام في لبنان موضع خلاف وجدل نظراً إلى غياب تشريعات قانونية تنظم هذا الموضوع، في ظل اعتراض ديني. تشرح المحامية تهاني زعيتر (مؤسسة جوستيسيا الحقوقية) في حديثها لـ"النهار" بأنه في الواقع لا توجد قوانين واضحة أو نصوص تشريعية صريحة تتعلّق تحديداً بجواز تأجير الأرحام في لبنان أو بتحريمه. وعدم وجود قوانين تنظّم تأجير الأرحام بالعنوان العريض يجعل من الصعب تأكيد الوضع القانوني لهذه الممارسة، خصوصاً أن هذه العمليات بحسب المصادر الطبية تحصلُ، ولكن بنسبٍ خجولة جداً، بغض النظر عن أن الأرقام ليست حقيقية".

ولكن يبقى واضحاً أن القانون اللبناني منع المتاجرة بجسد الإنسان من خلال نص المادة 30 من قانون الآداب الطبية في لبنان المتعلقة بالمبادئ الأخلاقية والقانونية التي تحكم ممارسة الطب. وفق زعيتر، تنصّ "هذه المادة على حظر المتاجرة بجسد الإنسان بأي شكل كان، سواء لأغراض طبية أو غيرها، وتحظر أيضاً أيّ نشاط ينطوي على استغلال جسد الإنسان لتحقيق مكاسب مالية أو غيرها. في سياق تأجير الأرحام، تمنع المادة 30 المشار إليها هذه الممارسة عندما تكون مقابل بدل مادي، لأنها تعتبر شكلاً من أشكال المتاجرة بجسد الإنسان؛ بالتالي أي عقد أو اتفاق ينطوي على تأجير الأرحام يُعتبر مخالفاً لهذه المادة، وتالياً مخالفاً للقانون".

وبالتالي، يمكن القول أن تأجير الأرحام مقابل بدل مادي غير قانوني، وما يحدث في لبنان هو بطريقة ملتوية على القانون، بغضّ النظر عن الدوافع والأسباب.

وفي ظل غياب قوانين واضحة تتعلق بموضوع تأجير الأرحام، تشير زعيتر إلى أنه "قد يواجه الأفراد الذين يلجأون الى تأجير الأرحام تحديات قانونية، مثل تسجيل الأطفال أو تحديد حقوق الوالدين؛ فبعض الأزواج من اللبنانيين يلجأون إلى دول أخرى تجيز تأجير الأرحام، ثم يعودون إلى لبنان مع الطفل، مما يفتح الباب أمام قضايا قانونية معقدة تتعلق بتسجيل الأطفال وجنسياتهم".

أما عن حل إشكالية تسجيل المولود في حال إتمام العملية، لا سيما أن المستشفيات في لبنان تمتنع عن تسجيل المولود، يُصبح الولد بمثابة المتبنّى في هذه الحالة، ولا يمكن تشريع أيّة طريقة أخرى كمسألة تأجير الأرحام، وهذا ما هو معتمد في فرنسا أيضاً.

وإذا أردنا توسيع الإجابة لتطال الثغرات القانونية بشكل عام، فيمكن اختصارها على ما تقول زعيتر بأن "عدم وجود إطار قانوني يحدّد نسب الطفل بوضوح قد يؤدي إلى نزاعات حول الوالدين القانونيين، وإلى غياب الضمانات التي تحمي حقوق الطفل، مثل الحق في الجنسية أو الرعاية. وغياب الإشراف القانوني في هذا المجال يؤدي إلى عقود غير قانونية أو عقود لا تراعي مصالح جميع الأطراف، الأمر الذي قد يعرّض الأم البديلة للاستغلال من خلال عقود غير عادلة أو شروط قاسية. كذلك قد يسبب اختلاف القوانين بين الدول مشكلات في حالات الحمل البديل عبر الحدود".

وتؤكد عضوة مؤسسة جوستيسيا الحقوقية أن في لبنان "لا يوجد تشريع صريح ينظم أو يجيز تأجير الأرحام، مما يجعل هذه الممارسة غير معترف بها قانونياً. وبالتالي، فإن العقود المبرمة بين الأطراف في هذا السياق تفتقر إلى قيمة قانونية أمام المحاكم اللبنانية".

ولكن هل يتم العمل على مشاريع قوانين أو اقتراحات تنظيمية مطروحة في لبنان تتعلق بتأجير الأرحام، تشدّد زعيتر على أن هذا الموضوع يبقى غير منظم قانونياً، مما يترك فراغاً تشريعياً، إذ إن تأجير الأرحام يثير قضايا أخلاقية ودينيّة معقدة في المجتمع اللبناني، مما يزيد من تعقيد إمكانية تنظيمه قانونياً".

ليلي جرجس - النهار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا