الثلاثية أصبحت ثنائية والفضائح تتوالى
بانتظار ولادة حكومة يُفترض أنها ستواكب التغيير الإيجابي الذي أحدثه انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وبما أن كل الاطراف المعنية بالانهيار المالي المستمر منذ أواخر 2019، بدأت تُحضّر أوراقها لمعركة تحديد المسؤوليات، وتوزيع الخسائر على هذا الأساس، صار من الضروري تسليط الضوء على وقائع مستجدة تمنع مواصلة التعاطي مع هذا الملف بالذهنية نفسها التي سادت منذ وقوع الانهيار.
استغرقت عملية تحديد المسؤوليات في البداية بعض الوقت، قبل أن يقتنع القسم الأكبر من اللبنانيين، أن ما حصل معهم تتحمّل مسؤوليته ثلاثة أطراف هم بالتدرّج : الدولة، مصرف لبنان والمصارف. هذه الثلاثية التي كان يُفترض توزيع الخسائر في ما بينها في أية خطة إنقاذية، لم تعد صالحة اليوم، وقد تجاوزتها الأحداث، وصار لزاماً على أية جهة تسعى إلى تحديد المسؤوليات لتوزيع الخسائر، أن تعتمد مفهوماً جديداً في هذه العملية المعقدّة.
ما استجدّ في هذا الموضوع يرتبط بالتطورات الدراماتيكية التي شهدتها الأزمة. وعليه، ينبغي قياس حجم المسؤوليات وفق حقبتين: في الحقبة الاولى، ينبغي تحديد نسبة المسؤوليات بين الاطراف الثلاثة: الدولة، مصرف لبنان والمصارف. وتشمل هذه الحقبة ما جرى في السنوات التي سبقت الانهيار، وصولاً إلى الانهيار، وربما ما تلاه بعد ذلك لفترة وجيزة، من خلال خروج الأموال من بعض المصارف بطريقة استنسابية، سواء تمّ تصنيف هذا الخروج على أنه غير قانوني أو غير أخلاقي فحسب.
أما الحقبة الثانية، فإنها تمتد منذ إعلان مصرف لبنان وقف التحاويل إلى الخارج، في ما يشبه الكابيتال كونترول، بسبب تقصير المجلس النيابي في إقرار هذا القانون، حتى اليوم. في هذه الحقبة هناك طرفان فقط مسؤولان عمّا جرى هما: الدولة ومصرفها المركزي. ومضبطة الاتهام تشمل الارتكابات التالية:
أولاً- استخدام أموال المودعين في مصرف لبنان (احتياطي العملات الأجنبية) في الإنفاق والدعم. وقد تراجع هذا الاحتياطي حتى وصل إلى ما دون الـ 9 مليارات دولار، قبل أن ينجح المركزي مجدداً في رفعه إلى حوالى 10,4 مليارات دولار.
ثانياً- السماح بتسديد القروض بالليرة أو باللولار، بما سمح بانتقال الثروة من قسم من المودعين إلى مقترضين.
ثالثاً- السماح بتحويل الودائع بعد الانهيار من الليرة إلى الدولار، رغم علم السلطات النقدية في حينه بأن لا وجود لدولارات حقيقية تغطّي هذه التحويلات، وبأن ما يجري هو مجرد تضخيم لأرقام الودائع الدولارية. وهذا الإجراء هو الذي أوجد اليوم ما يُعرف بأزمة الودائع المؤهلة وغير المؤهلة.
كل هذه القرارات التي تسبّبت بخسائر مباشرة لا تقل عن 40 مليار دولار، شارك في صناعتها طرفان: الدولة ومصرفها المركزي، والفضائح تتوالى. ولا حاجة إلى التذكير بأن الدولة مسؤولة في كل الأحوال عن مصرفها. ولا حاجة إلى التذكير أيضاً، بأن المجلس المركزي الذي يدير مصرف لبنان يوجد فيه مفوض حكومة مسؤولٌ عن نقل ما يجري إلى الحكومة عبر وزارة المال. ولا بدّ من التذكير، أن هذه القرارات، وفي مقدمها قرار الدعم، ليس واضحاً من اتخذه، الحكومة أم مصرف لبنان، أم الاثنان معاً.
وفق هذا المفهوم ينبغي تحديد المسؤوليات، ووفق هذا التوزيع للمسؤوليات ينبغي توزيع الخسائر لتعويض المودعين، وإعادة الحقوق إلى أصحابها.
أنطوان فرح - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|