محليات

إحتفاليّة الذكرى الـ 33 لاتفاق الطائف: طقوس مُشَعوِذة لإحياء مَيت

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا


يفاجئك هذا الكمّ من الصور الاحتفاليّة بمناسبة الدعوة الموجّهة من قبل السفارة السعوديّة في لبنان في الذكرى الـ 33 لاتفاق الطائف، على وسائل التواصل الاجتماعي من كل حدب وصوب، لدرجة أنّني سألت ناطور البناء حيث أسكن إذا ما كان سعادة السفير البخاري قد وجّه له دعوة شخصيّة أيضاً له في هذا المجال.

الفرح العارم في الصور وفي هذا الاحتفال لا مبرّر له أبداً، بل هو يقع في إطار الجوّ العام من التفاهة السياسيّة في لبنان. فالمناسبة تتعلّق باتفاق حسنته الوحيدة أنّه أوقف الحرب الأهليّة إلى أجل غير مسمّى ولكنه ليس ببعيد للأسف.

وهذا ما ينبئنا به تاريخ لبنان الحديث كما وضع لبنان السياسي الحالي القابع تحت الاحتلال الإيراني السياسي بسطوة السلاح (الحرس الثوري فرع لبنان، ولو بتسميّاتٍ مختلفة). بعيداً عن هذه الحسنة الوحيدة وبعيداً عن الإشكاليّة الشكليّة حيث أن سفارة المملكة العربيّة السعوديّة تدعو للاحتفال بدستور لبنان الذي تم التوصلّ اليه برعايتها !!!!!، ان الاتفاق المذكور أثبت بالتجربة وخلال 33 سنة أنّه أسوأ اتفاق سياسي تكرّس بدستور لبلد أصبح بدون رأس لا بل أصبح بثلاثة رؤوس تتناتش الصلاحيات الدستوريّة التنفيذيّة وأحد هذه الرؤوس هو رئيس السلطة التشريعيّة، في خلطة دستوريّة غريبة عجيبة لا وجود لها في أي نظام دستوري في الكون وتتناقض كليّاً مع مبدأ الفصل بين السلطات.

سبب هذا التَنَاتُش ليس فقط بعض التناقضات والعيوب القانونيّة في صلب الدستور كنصّ دستوري بحت (من الناحية القانونيّة) ولكن جوهر التناقض يقوم على ان دستور الطائف لم يأخذ بعين الاعتبار جوهر تركيبة لبنان التعدّدية الدينيّة والطائفيّة والثقافيّة. فمشكلة لبنان لا تتعلّق بكيفيّة ممارسة كل مواطن لبناني على تنوّع انتمائه الطائفي لشرائعه الدينيّة.

المشكلة ليست هنا بل في كون كل طائفة من هذه الطوائف تشكل هويّة مجتمعيّة قائمة بحدّ ذاتها. وان أي قراءة رصينة لتاريخ لبنان وفق المؤرخين ذو المصداقيّة تؤكد ان الشعب اللبناني ليس واحداً بل عدّة شعوب، طالما هو غير متفق على تاريخه ولا على حاضره ولا على مستقبله لناحية الخيارات المفصليّة التاريخيّة منها على سبيل المثال: الانتماء الى السلطنة العثمانيّة، الانتداب الفرنسي، طلب الاستقلال أو الانضمام الى الوحدة العربيّة، نكبة فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، الانفلاش العسكري الفلسطيني على حساب السيادة، عبد الناصر، ثورة 1958، حرب 1975، الاحتلال السوري، سلاح حزب الله وهيمنته، العلاقة مع دول الخليج العربي...الخ.

أهداف الشعوب اللبنانيّة المؤلفة من قبائل على شكل طوائف، ليست هي ذاتها. نظرتهم للمستقبل ليست موحّدة. لذا ان هذا المجتمع التعدّدي لا يمكن أن ينظم أموره نظام مركزي بائد، حيث دستور 1943 لم يكن أفضل حالاً من دستور الطائف، بصرف النظر عن وحدانيّة الرأس ما قبل الطائف.

وهكذا، ان مجتمع تعدّدي لا يمكن أن تُنَظَّم علاقته إلا دستور يحترم هذه التعدّديّة بكافة أشكالها وينظّم أمورها. إذا كان دستور 1943 أثبت فشله الذريع (والحرب اللبنانيّة أكبر دليل على ذلك) فان دستور الطائف ليس بأفضل حال منه أيضاً، فالأزمات المتولّدة والمتكرّرة، التي انتهت بالانهيار المالي وسيطرة سلاح حزب الله على السياسة اللبنانيّة وأزمات تشكيل معظم الحكومات، كما وأزمة انتخاب رئيس للجمهوريّة الدائمة في كل استحقاق ومدى تقهقر الوضع العام اللبناني علي صعيد الطبقة الوسطى، والجامعات والمستشفيات و المدارس، والخدمات من كهرباء ومياه وطرقات وتقديمات الضمان الاجتماعي ...إلخ. جميعها تؤكد بالدليل الملموس فشل هذا العقد الاجتماعي المُصطنع من خلال اتفاق الطائف.

لذا، اذا كان الدواء (إتفاق الطائف) أثبت فشله الذريع خلال 33 سنة وقبلها أيضاً (دستور 1943) خلال 48 سنة، ويأتيك من يريد أن يقنعك أنّه يجب الاحتفال بهذا الدستور نظراً لفشله الذريع..... عندئذٍ، نكون حكماً في حالة نكران كلّي للواقع لا بل نكون في طقس مجنون من طقوس الشعوذة لإحياء ميت. بدل أن نحاول تغيير الدواء لإستنباط نظام سياسي يلائم تركيبة لبنان التعدّدية، ها نحن نحتفل كما رقصة الهنود الحمر حول النار.

ان الهدف الأسمى لأي اتفاق أو دستور أو نظام هو رفاهيّة الشعب أو كما يصفها الدستور الأميركي في وصفه الفريد من نوعه ألا وهو The Pursuit of Happiness "السعي للسعادة والرفاهيّة" وهو الهدف الأسمى لكل دستور أو نظام أو دولة أو حكومة. إن نظامنا الحالي هدفه الأسمى السعي لليأس والهجرة والفقر والتخلّف عن ركب الحضارة.

مجتمعنا التعدّدي يجب أن يخرج من حالة النكران المزمنة والمرضيّة، حيث مشكلتنا عضويّة ووحده نظام فدرالي اتحادي يؤمن الوحدة ويمنع التقسيم ويسمح بالمحاسبة الحقيقيّة Accountability (وفق مفهومها الحديث في الدول ذات التاريخ العريق في الديمقراطيّة) والديموقراطيّة المباشرة والشفافيّة ومنع السرقة والفساد وتأمين الانماء المتوازن، وليس احتفاليّات سخيفة لا تقدّم شيئاً إضافيّاً للمواطن اللبناني على صعيد السعي الحقيقي للتقدّم والسعادة والرفاهيّة سوى كمّ إضافي من التفاهة السياسيّة والتكرار المملّ.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا