وفي تحول جيوسياسي لافت، أنهت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العزلة الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على بوتين؛ ما أدى إلى انقسام الصف الغربي وأثار تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بالدفاع عن أوروبا.
وبحسب تقرير لشبكة "سي إن إن" يعكس هذا التحول استراتيجية ترامب الدبلوماسية الجديدة التي تركز على التعامل المباشر مع موسكو، حتى على حساب حلفاء أمريكا التقليديين.
قلق أوروبي
وسط مخاوف من أن واشنطن قد تقدم تنازلات كبيرة لموسكو، أثار مسؤولون أوروبيون قلقهم بشأن إمكانية استبعاد كييف من المحادثات.
كما يُنظر إلى غياب الدول الأوروبية عن هذه الجولة التفاوضية على أنه تراجع عن الموقف الغربي الموحد، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة لاجتماع طارئ مع زعماء أوروبيين في باريس يوم الاثنين.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية البولندي راديك سيكورسكي في مؤتمر ميونيخ للأمن إن اتصال ترامب الأخير مع بوتين كان خطأ استراتيجيا؛ لأنه "أعاد تأهيل بوتين دبلوماسيا، وأضعف الروح المعنوية في أوكرانيا". لكنه أضاف: "إذا كانت هناك حاجة لنشر قوات أوروبية في إطار أي اتفاق، فلن يكون أمامنا خيار سوى المشاركة".
"لقاء قريب جدا"
في حديث للصحفيين في فلوريدا، قال ترامب يوم الأحد: "نحن نتحرك بسرعة لمحاولة تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا. قد ألتقي بوتين قريبا جدا".
ورغم تأكيداته بأنه لن يتخذ قرارات دون مشاركة كييف، فإن نهج ترامب يثير المخاوف بشأن إمكانية إضفاء الشرعية على مكاسب روسيا الإقليمية مقابل وقف إطلاق النار، وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف أوكرانيا بدلا من ضمان سلام دائم.
في ظل حالة الارتباك داخل الإدارة الأميركية، قدم المسؤولون تصريحات متناقضة حول طبيعة الاتفاق المحتمل. فقد صرح كيث كيلوج، مبعوث ترامب إلى أوكرانيا، بأن المحادثات ستشمل كييف، لكنها ستستبعد الدول الأوروبية. في المقابل، قال وزير الخارجية ماركو روبيو يوم الأحد عبر شبكة CBS "إذا كانت هناك مفاوضات حقيقية، فإن أوكرانيا والدول الأوروبية يجب أن تكون جزءا منها؛ لأنها طرف رئيس في الصراع".
هذا التضارب يعكس عدم وضوح رؤية إدارة ترامب بشأن مستقبل العلاقات الدولية، خاصة في ظل موقف الرئيس الأمريكي الذي يراهن على علاقاته المباشرة مع بوتين لإنهاء النزاع، مع تقليل دور أوروبا.
بوتين المستفيد الأكبر
في موسكو، يبدو أن القيادة الروسية تحتفل بالمستجدات السياسية التي أحدثها ترامب.
وقال ألكسندر جابوييف، مدير مركز كارنيجي روسيا وأوراسيا، لشبكة CNN: "بالنسبة لبوتين، هذا أشبه بعيد الفصح وعيد الميلاد وعيد ميلاده تأتي في يوم واحد. يتم تبريد الشمبانيا وفتح الزجاجات للاحتفال".
وبحسب تقرير "سي إن إن" يعتبر هذا الانقسام الغربي انتصارا دبلوماسيا لبوتين، حيث لم يعد في عزلة دولية، بل يجد نفسه الآن في وضع يسمح له بإملاء شروطه على طاولة المفاوضات، وسط ارتباك أوروبي وأميركي.
أوروبا في موقف ضعيف.
أدت سياسات ترامب إلى إضعاف نفوذ أوروبا في المشهد الدولي، إذ لم تعد العواصم الأوروبية قادرة على فرض شروطها كما كانت في السابق.
ومع التوجه الأمريكي الجديد نحو إلقاء مسؤولية الدفاع عن أوروبا على عاتق القارة نفسها، تبدو الدول الأوروبية غير مستعدة لهذا التحول المفاجئ.
ومع اقتراب المحادثات في السعودية، تتزايد التساؤلات حول مدى قدرة ترامب على تحقيق تسوية ترضي جميع الأطراف، وما إذا كانت كييف ستقبل بأي صفقة لا تشمل استعادة أراضيها بالكامل.
في ظل هذه التغيرات، يبقى السيناريو الأكثر ترجيحا أن تستغل موسكو الانقسامات الغربية لصالحها؛ ما قد يؤدي إلى إعادة رسم الخريطة السياسية لأوروبا بطريقة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة.