بدت متأثرة جدًا.. نادين نسيب نجيم تحصل على سترة مايكل جاكسون: "أسعد نهار بحياتي" (فيديو)
رئيس بمنازل كثيرة
كتب الدكتور كمال الصليبي عن لبنان، البيت بمنازل كثيرة، ليطلّ على حال الكيان اللبناني، بين التطور والواقع، وعلى الأساطير التاريخية التي تعتمدها الفئات اللبنانية المتنازعة، ركيزة لبناء رؤاها المتضاربة حول الدولة اللبنانية، فئات تقيم على نزاع، وهي على علم تام بهويتها المشتركة.
البيت اللبناني، يقترب من كلمة الدار، أو"الحوش" العامية، حيث المساحة الجغرافية تتوزعها غرف عديدة، كل منها كناية عن مسكن منفرد، يصير مكتفياً بمساحته عندما يغلق بابه المواجه لأبواب كثيرة في جواره. المشترك العام بين سكان "الحوش" مساحة الأرض، وواقع الجوار، أما ما يتعلق بواقع إدارة شؤون المساحة، وما يترتَّب على مقتضيات الجوار، فموضع انقسام "تاريخي" حجب دائماً ابتكار وتنمية "الحسّ بالواحدة السياسية، ومنع تالياً توفير شروط الحفاظ عليها" أما السبب في الحجب، وفي الصيانة، فهو غياب "التمييز بين الواقع المادي الملموس، والتصّورات" التي تحتفظ بها كل فئة لبنانية عن ذاتها، وعن طلباتها، وعن حقيقة مواقف الفئات الأخرى من هذه التصوّرات.
استحضار المؤرخ اللبناني الرصين، كمال الصليبي، تستدعيه الرئاسيات اللبنانية التي تدور رحى معاركها اليوم، في ميدان تصوّر الرئيس المقترح للجمهورية اللبنانية، وفي ميدان ابتعاد التصوّر السياسي المطروح، أو المعلن والمرغوب، عن الأرض السياسية والاجتماعية "الحقيقية" التي يطير فوقها التصور "بأجنحةٍ متكسّرة".
من واقع الأمور، أن يكون الرئيس المنشود، حاصل حسابات وتوازنات، أي حاصل أرقام ونفوذ وقوى وتحالفات، وخلاصة تقاطع مصالح لا يغيب عنها التباين، في مقام الاقتراب، ولا تهمل مواقع الافتراق، التي تقف على مسافة منها، فلا تسقطها من حساب لقاء لاحق، أو من احتمال خصومة مستدامة، تصحبها مسافات فصل تتّسع تباعاً. والحال ما هو عليه، كيف يبدو القول المتناثر على رئيس الجمهورية، الذي ما زال اسمه طيّ دفتر الغياب؟
رئيس التحدي الانقلابي:
يجري معنى الانقلاب مجرى تغيير النظام سلميّاً أو عنفيّاً من داخل المؤسسات الرسمية، وعلى الطريقة العربية، يكون الجيش دائماً، أداة الانقلاب الأساسية.
تتداول فئات لبنانية موضوع انتخاب الرئيس فتعطيه صفة التحدي، وهذا منوطٌ به أمر "استعادة" الدولة، واسترجاع الصلاحيات "المسلوبة" من الموقع الأول، ونقل لبنان من مكان خارجي إلى آخر، وتحقيق السيادة الداخلية على كامل القرارات اللبنانية. رئيس التحدي المطروح في سوق الانتخاب، هو رئيس انقلابي يطلب منه مقترحو صفاته، تغيير الوضع القائم، والانتقال به من حال إلى حال. يتبادر سؤال أساسي إلى النقاش: من أين يؤتى بهذا الرئيس؟ ومن هي القوى التي ستغيّر ميزان القوى ليكون لها رئيس يرجّح كفّة على أخرى؟ ليس ضروريّاً انتظار الجواب، فالطرح يكشفه عنوانه، وهذا العنوان تكسف بريقه المعاينة القريبة، والمقارنة مع أحداث رئاسية بعيدة، يتصدرها حَدَثان: عهد كميل شمعون، رئيس نزاع 1958، و"لا عهد" بشير الجميل، الذي لم يتحقق ليكون رئيس كل النزاعات. عليه، يتحوّل الوقوف عند جملة "رئيس التحدي" إلى انقلاب تمنعه التشكيلة اللبنانية، وإلى صراع "هوائي"، لن تنجبه "الولاّدة" المؤسساتية الرسمية، فلا برلمان "الجاكيتات" مؤهل لذلك، ولا الثكنات مرشحة لتقليد ممارسة نظيراتها العسكرية العربية.
رئيس التوافق "الثوري":
تلتقي الثورة مع الانقلاب في حلبة التغيير، لكنها تفترق عنه في وسائل تغيير النظام، فالثورة حركة قوة، تسعى إلى قلب النظام الحاكم والهيمنة على السلطة بوسائل عنفية، على الأغلب.
من المعلوم عن الثورات القريبة والبعيدة، أنها انتهت إلى الاستئثار بالسلطة، وإلى القمع والفساد والاستبداد، أي أنها انقلبت على ما سعت إليه، فارتدَّت بالوضع القائم إلى ما هو أسوأ مما كان عليه.
لبنانياً، وكما صار ملموساً ومعروفاً، ينطوي معنى جملة الرئيس التوافقي على احتمال استكمال السيطرة على المشهد اللبناني، بوسائل تدمج بين استخدام المؤسساتي، وبين التلويح بالوسائل العنفية. الدمج السياسي بين وسائل تحقيق هدف تغيير توازنات من قبل دُعاتهِ، موضع ريبة من قبل دعاة التحدي، أي أن هؤلاء يدركون أن المقصود هو الفوز بكامل النظام، تحت غطاء دخان التوافق، مثلما يدرك التوافقيون أن أهل التحدي يسعون إلى الفوز نظاميّاً، بنقل الحكم إلى بداية عملية سياسية، تقضم تباعاً ما راكمه أهل التوافق الذي لم يُنتج اتفاقاً، بل عمّق الخلافات القائمة، وأضاف إليها من سلوكه، خلافات جديدة... إذن، وعلى غرار التحدي الانقلابي "التجميلي"، لا تسمح الموروثات اللبنانية بانتصار الانقلابي الوفاقي "التثويري". وعليه، يقف الفريقان موقف الساعي إلى تبديل ما لا يمكن لبنانياً تبديله، ويواجهان، امتناع النظام الطائفي الراسخ، على تطوير أو تثوير أو تحويل، ما هو ممتنع وممنوع على كل تلك المفردات المستقبلية.
رئيس بين المنزلتين:
المنزلة بين المنزلتين، استعارة من مذهب أهل الاعتزال، وهؤلاء قصدوا بها "مرتكب الكبيرة"، فجعلوه في الوسط بين منزلة الكفر ومنزلة الإيمان. الرئيس الذي يبدو ممكناً حتى أمدٍ طويل، هو هذا الرئيس "المعتزلي"، وهو سيكون مرتكب الكبيرة السياسية، التي تعادل في الواقع اللبناني الكفر بجملة الطائفية الشاملة، والإيمان بأصول الصيغة اللبنانية، والاعتقاد، بعمق سياسي، أن "لبنان غير قادر على تحمّل أعباء الانقسام"، لأن ما قام عليه الكيان من جمع ظرفي، في تاريخ ظرفي، يمكن أن يطيح بأساساته افتراقات ظرفية جديدة، في تاريخ ظرفي جديد. في هذا المجال الظرفي، لا تخطئ العين خطورة ما يدور من أحداث عالمية وإقليمية، ويجب ألاّ يخطئ الفهم خطورة انعكاسات هذه الأحداث، كذلك يجب ألا تكلّ الذاكرة عن استرجاع عملية استنبات لبنان الكبير، الذي كان صناعة عالمية وإقليمية، جرى تسويقها في "سوق" لبنان الصغير، فلاقت رواجاً متورّماً، وجمّعت بضاعة وحدوية وطنية، مغشوشة.
لقد رحّب الأقدمون بنشوء فكرة المعتزلة، وعدّوا ذلك تقدّما في التفكير الاسلامي، لجهة تنويع البدائل والحلول، ولجهة مغادرة الثنائية التي تسمّرت بين حدّي الصحيح والباطل، فهل يستطيع "المحدثون" اللبنانيون، اليوم وبصفة انتقالية، اعتزال ما هم عليه من حدّين انقلابيين؟ وهل ممثّلوهم في البرلمان، وفي الشارع، مؤهلون لانتخاب "مرتكب جمهوري" يعيد بتوازناته السير على جادة الإيمان؟ إذا حصل ذلك، يعود واصل بن عطاء الاعتزالي، لينزل في لبنان، عند كمال الصليبي، وفي بيت بمنازل كثيرة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|