لبنان ينتظر عودة العلاقات مع الخليج: فرص اقتصادية وسياحية واعدة
لا يسعّنا إلا أن نؤكّد أن عودة العلاقات مع الدول الخليجية ستكون لها آثار إيجابية كبيرة على مختلف القطاعات في لبنان. فبجانب الانتعاش الاقتصادي، ستشهد قطاعات الخدمات ازدهارًا ملحوظًا، ليعود لبنان بذلك إلى مكانته كمنصّة أساسية في مجالات التعليم والصحة، حيث تظلّ الجامعات اللبنانية مستقطِبة للطلاب من مختلف الدول الخليجية والعربية، والمستشفيات اللبنانية تقدم رعاية طبية عالية المستوى.
كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:
“على الرَّغم من أنني زرت أكبر وأعظم عواصم العالم، إلّا أنّ لبنان سيظل في نظري الأروع والأجمل. لا شيء يعادل سحره وجماله في قلبي، وذكرياتي فيه لا تُنسى. أشتاق للتجوّل في أحياء بيروت القديمة، في حيّ الجميزة، حيث الشوارع الضيّقة المفعمة بالتاريخ. أتوقّف في كل زاوية لأراقب الوجوه، وألتقي العجوز الطيّب في محل الخياطة الذي يرحّب بي بابتسامة دافئة قائلًا “تفضل”، من دون أن يعلم حتّى من أنا، وهذا ما لم أجدْه في أي مكان في العالم. ثم أستمتع بتناول “الترويقة اللبنانية” التي تحمل طعم الضيافة الفريدة، حيث الخدمة الرّفيعة والاستقبال الذي لا مثيل له. وبعدها، أذهب إلى كفرذبيان لأعيش تجربة التزلّج بين أحضان الجبال، ثم أعود إلى بحر البترون، حيث أترقّب غروب الشمس في صمت، مستمتعًا بكل لحظة من هذا الجمال الخلاب”.
بهذه الكلمات، يعبّر المواطن السعودي أيمن إزمرلي من جدّة عن ذكرياته التي لا تفارق قلبه في لبنان، مشيرًا إلى الحنين الذي يملؤه لهذا البلد الجميل ولشعبه الطيّب. كما عبّر عن أمله في العودة إلى لبنان إذا سمحت الظروف، بعد زيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى المملكة. وتمنّى إزمرلي أن تعود العلاقات بين البلديْن إلى سابق عهدها.
تترقّب الأوساط السياسية والشعبية في لبنان زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى المملكة العربية السعودية بعد نيل الحكومة اللبنانية الثقة. هذه الزيارة، التي تحمل في طيّاتها آمالًا كبيرة، تعدّ خطوة هامة نحو تعزيز العلاقات بين لبنان والمملكة في مختلف المجالات. يراها الكثيرون فرصة مهمة لإعادة تنشيط التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلديْن، بالإضافة إلى تعزيز الدعم العربي للبنان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد. وتأتي هذه الزيارة في وقت حسّاس، حيث يأمل اللبنانيون أن تساهم في فتح آفاق جديدة لمستقبل لبنان، خصوصًا في ظل التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها.
توقّعات بارتفاع ميزان التبادل التجاري إلى مليار ونصف دولار سنويًّا
قال مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة د. محمد أبو حيدر، لـ”هنا لبنان”، إنّ ميزان التبادل التجاري بين المملكة العربية السعودية ولبنان كان قد وصل إلى حوالي 700 إلى 800 مليون دولار سنويًّا. وفي حال تمَّت استعادة العلاقات التجارية بين البلديْن، من المتوقع أن يرتفع هذا الميزان إلى ما بين مليار إلى مليار ونصف دولار سنويًّا.
وأشار أبو حيدر إلى أن لبنان يعوّل على دعم الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. وأعرب عن تفاؤله بزيارة الرئيس جوزاف عون إلى المملكة، مشيرًا إلى أنّه من المنتظر أن تلي هذه الزيارة زيارات لاحقة تتعلّق بالاتفاقيات التجارية المزمع توقيعها مع المملكة.
مع العلم أن هذه الاتفاقيات الـ22 قد تمّ تحضير أرضيّتها من قبل السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، بالتعاون مع مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة، د. محمد أبو حيدر.
الديبلوماسية الاقتصادية بين لبنان والسعودية: أداة لتعزيز التعاون والاستقرار المشترك
قال المتخصّص في العلاقات الدولية والديبلوماسية، والأستاذ الجامعي د. نيكولا بدوي، إن الديبلوماسية الاقتصادية تُعدّ أداة حيوية لتعزيز العلاقات الثنائية بين لبنان والمملكة العربية السعودية، لا سيما في ظل التاريخ الطويل من التعاون بين البلديْن في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار. وأوضح بدوي أن لبنان يعتمد بشكل كبير على هذه العلاقة الاقتصادية، نظرًا للدور المحوري الذي تلعبه المملكة كأحد أكبر المستثمرين والداعمين الاقتصاديين للبنان.
وأضاف بدوي أنّ الاستثمارات السعودية تشكّل عاملاً أساسيًا في دعم الاقتصاد اللبناني، حيث تركّزت هذه الاستثمارات في قطاعات حيوية مثل السياحة والعقارات والخدمات. وشدّد على أن الديبلوماسية الاقتصادية توفّر فرصة لتعزيز هذه الاستثمارات من خلال خلق بيئة مستقرّة وجاذبة، مما يعزز اهتمام رجال الأعمال السعوديين ويزيد من التدفّقات الاستثمارية بين البلدين.
وأشار بدوي إلى أنّ التبادل التجاري بين لبنان والسعودية يُعدّ محوريًّا، حيث تُعتبر المملكة سوقًا رئيسيّة للصادرات اللبنانية، خصوصًا في مجالات المنتجات الزراعية والصناعية. وأوضح أن الجهود الديبلوماسية يمكن أن تساهم في تحسين شروط هذا التبادل وفتح مجالات أوسع للتجارة، ممّا يعود بالنفع على الاقتصاد اللبناني.
وأكّد بدوي أنّ الجالية اللبنانية في السعودية تلعب دورًا كبيرًا في اقتصاد المملكة، حيث يعمل الآلاف منهم في مختلف القطاعات، ما ينعكس إيجابًا على التحويلات المالية إلى لبنان. من هنا تبرز أهمية الديبلوماسية الاقتصادية في حماية مصالح الجالية اللبنانية وتعزيز دورها كجسر اقتصادي بين البلدين.
علاوة على ذلك، اعتبر بدوي أن تنويع التعاون الاقتصادي في مجالات جديدة مثل الطاقة المتجدّدة، التكنولوجيا، والتعليم يشكّل فرصة إضافية لتعزيز التكامل الاقتصادي، بما يعود بالنفع على البلديْن. وأكّد أن هذا التكامل يوازي أهمية تطوير العلاقات الثقافية والسياحية، حيث تُعدّ السعودية وجهة رئيسية للبنانيين للاستثمار والعمل، في حين يُعتبر لبنان مقصدًا سياحيًا جذّابًا للسعوديين.
وختم بدوي أن الديبلوماسية الاقتصادية بين لبنان والسعودية تتجاوز المصالح الاقتصادية البحتة لتصبح أداة استراتيجية تعزّز الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان، مع الحفاظ على شراكة متينة تعود بالنّفع على الطرفين. وأكد أن نجاح هذه الديبلوماسية يتطلّب رؤية واضحة من الجانب اللبناني واستعدادًا لتوفير بيئة شراكة مستقرة ومحفِّزة تعكس احترام المصالح المتبادلة بين البلدين.
ترشيشي إلى عون: القطاع الزراعي يضع آماله في إعادة العلاقات مع السعودية
قال ابراهيم ترشيشي، رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع، إنّ المملكة العربية السعودية كانت دائما الوجهة الأولى لاستيراد المنتجات الزراعية اللبنانية، حيث احتلت المرتبة الأولى لعشرات السنين. وتتميّز السعودية بوجود ست أسواق كبرى مثل جدّة والرياض، ممّا جعلها سوقًا واعدةً للمنتجات اللبنانية. وأشار ترشيشي إلى أنّ لبنان كان يصدِّر كميات كبيرة من المونة اللبنانية مثل المواد المجفّفة والمعلّبة والكبيس، مشيرًا إلى أنّ العلاقة التجارية بين السوقيْن اللبنانية والسعودية كانت قائمة لأكثر من 50 سنة، على أساس ثقة كبيرة بين التجار السعوديين واللبنانيين، مما جعل عمليات التجارة سهلة وميسّرة من دون أي مشاكل.
وأضاف ترشيشي أنّ انقطاع العلاقات بين لبنان والسعودية أثر سلبًا في القطاع الزراعي اللبناني، وذلك بسبب مشاكل نشأت من خارج لبنان، لا علاقة للبنان بها. وأوضح أن البضائع التي تمّ ضبطها في السعودية من منتجات ممنوعة لم تكن لبنانية، خصوصًا تلك التي كانت تحتوي على مواد مهرّبة في الرمّان، حيث أن السوق اللبنانية لا تنتج الرّمان، بل كانت تلك المنتجات تأتي من سوريا ومن نظام الأسد، وكان المستفيد الأول من ذلك هو نظام الأسد وأتباعه في لبنان. ومع ذلك، أشار ترشيشي إلى أن الأمور قد تغيرت، وأنه لا يرغب في التحدث عن الماضي، بل يفضّل التركيز على المستقبل، مشدّدًا على أهمية استعادة العلاقات بين لبنان والمملكة.
كما طلب ترشيشي من الرئيس جوزاف عون العمل على إعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية كما كانت في السابق، مؤكدًا أنّ هذا سيكون من أهم الإنجازات التي تخدم الزراعة والصناعة في لبنان. وأضاف أنّ استعادة العلاقات يتطلّب فتح طريق الترانزيت عبر الأراضي السعودية، والذي يمكن من خلاله أن تمرّ الشاحنات اللبنانية إلى الخليج العربي، ومنها إلى دبي وأبوظبي وقطر والبحرين.
وتطرَّق ترشيشي إلى آمال كبيرة مع زيارة الرئيس عون إلى المملكة، التي من شأنِها أن تعيد لبنان إلى علاقاته الطبيعية مع إخوانه العرب، مشدّدًا على أن القطاع الزراعي في لبنان حريص على الحفاظ على أسواقه في السعودية والخليج، وعلى أنّه مستعد لتقديم أفضل وأجوَد المنتجات الزراعية لهذه الأسواق. كما وجّه ترشيشي رسالة إلى الرئيس عون، معربًا عن أمل المزارعين اللبنانيين الكبير في خطواته، خصوصًا في ما يتعلق بإعادة العلاقات مع السعودية، مشيرًا إلى أنّ لبنان كان يرسل حوالي 120 شاحنةً يوميًّا إلى المملكة والخليج العربي.
مرحلة جديدة للصناعة اللبنانية: آمال في استعادة الأسواق وتعزيز العلاقات مع السعودية
بحسب زياد بكداش، نائب رئيس جمعية الصناعيين، فإنّ لبنان يواجه اليوم منعطفًا جديدًا نحو الأفضل بعد انتخاب رئيس للجمهورية ونيل الحكومة الثقة، وتطبيق القرارات الدولية. هذه التطوّرات الإيجابية فتحت باب الثقة مجدّدًا مع المجتمع الدولي والخليجي بعد انقطاع دام حوالي ست سنوات. ويعد توقيع الاتفاقيات الثنائية بين لبنان والمملكة العربية السعودية على جدول أعمال زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى الرياض، والتي كانت مجمّدة في الأدراج، بمثابة تتويج لهذه الإيجابية.
كما يتوقع بكداش أن تتيح هذه الزيارة للسعوديين السفر إلى لبنان، وتساهم في إعادة العلاقات التجارية بين البلدين. وفيما يتعلق بالسياحة، فإنّ قدوم الأشقاء العرب عامّةً، والسعوديين خصوصًا، سيكون له دور كبير في تحريك الاقتصاد اللبناني. لكن الأثر لا يقتصر فقط على القطاع السياحي، إذ يرى بكداش أن جميع القطاعات مرتبطة ببعضها البعض، حيث يشهد القطاع الصناعي ازدهارًا مع انتعاش السياحة، خصوصًا أن المنتج اللبناني يشكِّل اليوم حوالي 60% من الاقتصاد الوطني، بعد أن كان لا يتجاوز 20% في السابق.
أما الموضوع الأهم بالنّسبة للصناعيين فيتمثّل في إعادة تفعيل التصدير الذي توقف منذ عام 2019. كان حجم الصادرات الصناعية إلى المملكة العربية السعودية والبحرين يبلغ حوالي 300 و350 مليون دولار سنويًا. ولكن يبقى السؤال: هل يمكن للقطاع أن يعود إلى الأسواق التي خسرها على مدار السنوات الست الماضية، ويستعيد موقعه بعدما غزتها بدائل أخرى؟
وفي ردٍ على هذا السؤال، أشار بكداش إلى أن المنتجات اللبنانية ستواجه منافسة شرسة من المنتجات البديلة التركية والصينية، التي ملأت الفراغ الذي خلّفه غياب المنتجات اللبنانية. كما أضاف أن بعض الصناعيين اللبنانيين اضطرّوا إلى نقل جزء من خطوط إنتاجهم إلى الدول العربية لتتمكن من تصدير منتجاتهم إلى السعودية.
وختم بكداش بتفاؤل، معربًا عن أمله في أن تستعيد الصادرات اللبنانية حصّتها في الأسواق كما كانت عليه قبل عام 2019، بل وأكثر من ذلك.
بيروتي: لا بديل عن السائح الخليجي
أكد الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية، جان بيروتي، أنّ السياحة الخليجية تُعدّ من أهم أنواع السياحة الوافدة إلى لبنان، لما لها من عوامل إيجابية متعدّدة. وأشار بيروتي إلى أن قرْب المسافة بين المملكة العربية السعودية ولبنان، بالإضافة إلى اللغة العربية المشتركة، يلعبان دورًا كبيرًا في تعزيز هذه السياحة. كما أنّ التقاليد الاجتماعية المشتركة بين البلدين تسهم في جعل المواطنين من الخليج العربي يشعرون بالراحة في لبنان، فضلًا عن الطقس المعتدل في البلد الذي يتميّز بفصوله الأربعة.
وأوضح بيروتي أنّ لبنان كان يعتمد بشكل كبير على السياح الخليجيين، خصوصًا في الفترة ما بين عامي 2009 و2011، حيث كان معدّل إنفاق السائح الخليجي يبلغ حوالي 13.000 دولار خلال فترة 15 يومًا، بينما لا يتجاوز إنفاق السائح الأجنبي 3.000 دولار في نفس الفترة. وأضاف أن السياحة الخليجيّة أصبحت جزءًا من العادات الاجتماعية والحياتية لدى الخليجيين، ما يجعل هناك الكثير من المتطلّبات والاحتياجات التي يجب تلبيتها في هذا القطاع. وبالتالي يجب على لبنان أن يعمل على جذب السائح الخليجي من جديد، حيث أن هناك مصلحة كبيرة للبلاد في ذلك.
وفي الختام، لا يسعّنا إلا أن نؤكّد أن عودة العلاقات مع الدول الخليجية ستكون لها آثار إيجابية كبيرة على مختلف القطاعات في لبنان. فبجانب الانتعاش الاقتصادي، ستشهد قطاعات الخدمات ازدهارًا ملحوظًا، ليعود لبنان بذلك إلى مكانته كمنصّة أساسية في مجالات التعليم والصحة، حيث تظلّ الجامعات اللبنانية مستقطِبة للطلاب من مختلف الدول الخليجية والعربية، والمستشفيات اللبنانية تقدم رعاية طبية عالية المستوى.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|