"حياد كربوني وتحوّل طاقة".. كهرباء 24/24 قريبًا؟
الأزمات في لبنان لا تنتهي، فمنذ عقود ولبنان يعاني من أزمة الطاقة، فانقطاع التيار الكهربائي يعد من أبرز القضايا التي يعاني منها المواطن اللبناني، فمشكلة الكهرباء ليست جديدة، فمنذ تسعينيات القرن الماضي دخل لبنان في دوامة تأمين المحروقات أو الفيول لتشغيل معامل توليد الكهرباء، حيث يعاني القطاع منذ سنوات من عدم الاستقرار بسبب التعقيدات السياسية.
مؤسسة كهرباء لبنان أعلنت في بيان انه "خلافًا لما يتم التداول به في بعض الصحف ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، من معلومات غير دقيقة حيال مسألة التغذية بالتيار الكهربائي، ولما كان قد تم معالجة الإشكالية القائمة مع الجانب العراقي من قبل المعنيين، فيما يعود إلى اتفاقية مبادلة زيت الوقود الثقيل، حيث أفضت بنتيجتها إلى إعطاء الجانب العراقي الموافقة والسماح بتحميل مورد المحروقات الكميات اللازمة من مرفأ التحميل بالعراق، في مقابل إعطائه الإذن للمباشرة بتفريغ حمولة شحنة مادة الغاز اويل (المخصصة لشهر كانون الثاني 2025) الموردة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان بواسطة وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط بتاريخ 25/02/2025، والتي كانت راسية منذ تاريخ 17/02/2025 قبالة مصب معمل دير عمار".
يشار إلى أنه منذ نهاية الحرب المشؤومة عام 1975 استنفد قطاع الكهرباء ما يقارب الـ 45 مليار دولار من الموازنة العامة، أي ما يوازي 42% من الدين العام بـ"حسب البنك الدولي" المتوجب على لبنان، مع علم أن كلفة تمويل القطاع بلغت كمعدل ما يقارب الـ 4% من الناتج المحلّي، وهي نسبة ضخمة، وتعكس هذه الارقام حجم الأزمة التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني.
وأضافت المؤسسة في بيانها "تخفيض الإجراءات والتدابير الاحترازية التي سبق وأن اتخذتها خلال الأسبوعين الماضيين لتجنب العتمة الشاملة، وبالرغم من تلك الإجراءات فقد نفد خزين معمل الزهراني بالكامل، وبقي في خزين معمل دير عمار ما يكفي لتشغيله لحوالي 10 ساعات كحد أقصى، وذلك جراء الإشكالية التي كانت قائمة والتي هي خارجة عن إرادة ومسؤولية كل من وزارة الطاقة والمياه ومؤسسة كهرباء لبنان بالكامل، وبالتالي تفيد على أثر ذلك المؤسسة عن إعادة التغذية بالتيار الكهربائي تدريجاً إلى ما كانت عليه بدءا من صباح يوم أمس الواقع فيه 26/02/2025، لتبلغ حوالي 6-8 ساعات يوميا على مختلف الأراضي اللبنانية".
على مدى سنوات طويلة، شهد قطاع الكهرباء في لبنان تطورات عديدة، فأحيانًا تنفرج الأزمة، وأحيانا أخرى تتفاقم، فمنذ عام 2019 شهدت أزمة الكهرباء تفاقما ملحوظا، فقد كانت فترات انقطاع التيار الكهربائي تتراوح بين 10 و12 ساعة يوميا، لكن هذه الانقطاعات زادت بشكل كبير لتصل إلى حوالي 22 ساعة يوميا في عام 2020. وحاليا، تتراوح فترة الانقطاع بين 15 و20 ساعة يوميا، ونتيجة لذلك أصبح الاعتماد على المولدات الخاصة والطاقة الشمسية الخيارين الرئيسيين للعديد من اللبنانيين.
المدير التنفيذي لجمعية استدامة البترول والطاقة في لبنان مروان عبدالله أشار إلى أن أزمة الكهرباء في لبنان عمرها يتجاوز 25 عاما، مما أدى إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية، التي تستعمل المازوت والبنزين والديزل لتغطية غياب ساعات التغذية من جانب مؤسسة كهرباء لبنان"، مضيفاً " البلاد لديها سطوع شمسي لمدة 300 يوم سنويا، فلجأ اللبنانيون إلى الطاقة الشمسية بسبب عدم وجود سياسة لدى الدولة أو إدارة حكيمة لقطاع الكهرباء في لبنان، لذلك فإن كل مواطن اختار إما تبني هذه الطاقة وإما الحياة في الظلام".
وأشار إلى أن "اللبنانيين اليوم يحصلون على الكهرباء من مصدرين رئيسين: إما المولدات المنتشرة في كل مكان، وإما الطاقة الشمسية الموجودة فوق أسطح المنازل، خاصة أن البطاريات الموجودة في الأنظمة الشمسية تساعد في أوقات الليل".
وبحسب الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق خالد أبو شقرا، ألغى ما يزيد عن 1% من اللبنانيين اشتراكاتهم في كهرباء الدولة، في ظل انتشار اشتراكات المولدات الخاصة وألواح الطاقة الشمسية".
ووجدت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير نشرته في 2023 أن لبنان يملك قدرات غير محدودة من الطاقة المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويقول بعض الخبراء إن بإمكان لبنان الانتقال كليا إلى الطاقة المتجددة، باستعمال طاقة الشمس والرياح والطاقة الكهرومائية بحلول 2035 ، وذلك باستخدام التقنيات الموجودة اليوم.
يشار إلى أن "المنتدى الاقتصادي العالمي" صنف لبنان على أنه من الدول المتقدمة في مجال الحياد الكربوني وتحول الطاقة، وذلك بسبب انتشار الطاقة الشمسية التي اعتمد عليها المواطن، لتوفير الكهرباء في بلد يعاني أزمة وقود.
يختزل ملف الكهرباء في لبنان تركيبة الفساد وفق كثيرين، التي دمرت البلاد بالصفقات المشبوهة. فبعد انتهاء الحرب المشؤومة وتوقيع اتفاق الطائف عام 1989، تولى حقيبة الطاقة والمياه 16 وزيراً من كل الأحزاب السياسية بالحكومات المتعاقبة، وفي طليعتها "التيار الوطني الحر" الذي أدار فريقه وزارة الطاقة على مدار 12 عاما، أي أن الجميع كان على الأقل، شاهدا على خفايا ملف الكهرباء، الذي راكم مديونية لبنان، وقصة بواخر الكهرباء تلخص نمط الفساد المعتاد في البلاد، والتي كبدت لبنان نحو 850 مليون دولار سنويا لاستئجار البواخر التركية لمدة 5 سنوات، بما يعادل أضعاف كلفة إنشاء معامل إنتاج داخل الأراضي اللبنانية.
وفي لبنان 7 معامل حرارية تم تشييدها تباعا قبل عام 2000: معمل الجية (عام 1970)، معمل الذوق (عام 1984)، معمل صور (عام 1996)، معمل بعلبك (عام 1996)، معمل الحريشة (عام 1996)، معمل الزهراني (عام 1998)، معمل دير عمار (عام 1998)، ويعتمد لبنان بصورة أساسية على معملي دير عمار والزهراني في إنتاج الكهرباء، وتصل قدرتهما الإنتاجية إلى حوالي 900 ميجاوات، كان يفترض أن تتتج من الغاز لكنها حولت إلى الوقود (الفيول)،
الجدير بالذكر أن عام 1885 هو العام الذي تم فيه تأمين خدمة الكهرباء في لبنان للمرة الأولى، إنما تأسيس وزارة الطاقة أتى عام 1966 التي تعاقب على استلامها أكثر من 30 وزيرا من محتلف الأحزاب والتيارات السياسية أما مؤسسة كهرباء لبنان، فأنشئت بموجب المرسوم 16878 عام 1964 لتتولى أمور إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على الأراضي اللبنانية كافة.
وزير الطاقة والمياه جو صدي رفض إعطاء وعد للمواطنين بموعد للكهرباء على مدار 24 ساعة، مضيفاُ " لدي خطة وافكار يجب أن أدرسها من أجل حل مستدام، فالترقيع يكلف أكثر من المستدام"، وأشار إلى أن "القانون يفرض وجود هيئة ناظمة، أي يجب انشاء هذه الهيئة واعطائها صلاحياتها، وهذا ما سنراه في الأشهر القليلة المقبلة".
هذا، وأقر مجلس النواب اللبناني عام 2002 مشروع قانون تنشأ بموجبه الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، ويتشكل مجلسها من خمسة أعضاء ويملك الصلاحية بتحديد تعرفة الكهرباء والإشراف على خصخصة القطاع، لكن تأسيس هذه الهيئة رافقته عقبات عدة.
من جهته، أوضح المهندس محمد بصبوص الذي أجرى دراسة شاملة عن قطاع الكهرباء في لبنان، أن الخلل الأساسي في القطاع هو "الهدر التقني في الشبكة الذي لامس 15% من كمية الإنتاج بسبب سوء الصيانة، إضافة إلى الهدر الغير التقني، ومنه التعليق على الشبكة والتلاعب بالعدادات والتمديد من خارج الشبكات من المحطات مباشرة، إضافة إلى كمية الطاقة غير المحسوبة، فيقارب 40 في المئة من الطاقة المنتجة"، مضيفاً "الفشل بدأ بسبب رفض تفعيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، والإصرار على حصر صلاحياتها بالوزراء من دون رقابة مسبقة، إضافة الى بلوغ الشغور في مؤسسة كهرباء لبنان نسبة 50 %".
يمكن وصف مشكلة الكهرباء في لبنان بأنها مركبة، ففي طياتها تجتمع مجموعة كبيرة من الأزمات المتشابكة، وتأتي التعقيدات السياسية والمالية التي تشهدها البلاد، لتجعل منها معادلة مستعصية الحل، لكن نبقى على أمل أن تستطيع الحكومة الجديدة بحل كل تلك التعقيدات، وإعطاء المواطن اللبناني حقه بالكهرباء.
ربي أبو فاضل- الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|