الصحافة

أحداث سوريا: أبعد من إيران وفلول الأسد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

فيديوات الإعدامات الميدانيّة التي نفّذها مسلّحون موالون للنظام الجديد بسوريا بحقّ مدنيّين علويّين مروّعة. إجبار الضحايا على العواء كالكلاب قبل إطلاق الرصاص عليهم يندى له الجبين. حدث هذا بالساحل، بينما سار دروز قبل أيّام في السويداء بمظاهرات مندّدة بالسلطة السوريّة، علماً أنّ علاقة دمشق بأكراد سوريا مأزومة بدورها. واضح أنّ الكابوس السوري دخل طوراً جديداً بالأيّام الماضية.

نشأت وأنا أقرأ أو أستمع إلى سوريّين يتباهون بأن "لا طائفيّة بسوريا" كما بلبنان. بالحقيقة، مسألة الهويّة شائكة بالبلدين. الفارق أنّ حريّات لبنان سمحت لطوائفه بالتعبير عن نفسها عبر أحزاب خاصّة بها، ومؤسّسات إعلاميّة، وكوتا بالمؤسّسات الدستوريّة، بينما فرضت الأنظمة السوريّة المتعاقبة على المجتمع سرديّة العروبة، والنضال القومي في سبيل الوحدة وفلسطين. وسواء تمسّك اللبنانيّون بالنظام الحالي المبنيّ على الديمقراطيّة التوافقيّة بين المكوّنات، أو طالبوا بالفدراليّة الإثنو-جغرافيّة، يسلّم الخطاب السياسي ببلادنا بتركيبتها الطوائفيّة، ويناقش أفضل طريقة لإدارتها. بالمقابل، قام الخطاب السياسي بدمشق طوال مئة عام على نفي وجود مسألة طائفيّة، وعلى رومنطقيّة عروبيّة متطرّفة غير متصالحة مع فكرة سوريا أساساً. ليس تفصيلاً أنّ سوريا هي الدولة العربيّة الوحيدة التي انتحرت عندما قرّرت الذوبان بأخرى، زمن الجمهوريّة المتّحدة. أخطر ما بهذا النوع من الاتّجاهات الأيديولوجيّة تخفّفه من الواقع لصالح المطلقات النظريّة، وضيق صبره بالجماعات المتمايزة المشتبهة دوماً بالتآمر مع قوى خارجيّة وبتعكير صفو وحدة الأمّة المتخيّلة. فإذا ما أضفنا إلى هذا التفوّقيّة الدينيّة التي تحرّك اليوم خرّيجي النصرة والقاعدة بالشام، والأحقاد المتراكمة حتّى عند السنّة غير المتديّنين بعد عقود من جرائم نظام الأسد بحقّ السنّة، والأخبار المتواترة عن تورّط ضبّاط موالين للأسد بهجمات على قوّات السلطة الجديدة، يصبح إقفال المشهد السوري أمامنا جليّاً. موعد الأقليّات السوريّة المؤجّل مع الرعب استحقّ.

يفاقم الخطر أنّ النظام العالمي الليبرالي الذي يمكن نظريّاً الرهان عليه كي لا تكون جماعة من الناس متروكة تماماً أمام جلّاديها متصدّع. الولايات المتّحدة تخفّفت مع دونالد ترامب من مجرّد زعم الاكتراث بحقوق الإنسان. أمّا أوروبا، فتواجه أعتى أزماتها منذ عقود. من سيأبه وسط المشهد العالمي المعقّد لو قتل أصوليّون ألفاً من العلويّين أو... عشرة آلاف؟ وأساساً: من اهتمّ بالعقد الماضي يوم قضى نظام بشّار الأسد على مئات الآلاف من سنّة سوريا؟ وقبل ذلك، من خسر ليلة نوم هانئة واحدة على خلفيّة التطهير العرقي برواندا الذي قيل إنّ عدد ضحاياه من التوتسي قارب المليون؟ فشلت المؤسّسات الدوليّة آنذاك بمنع المقتلة يوم كان النظام العالمي مستقرّاً نسبيّاً بعد انهيار الاتّحاد السوفياتي وانعقاد قيادة العالم للولايات المتحّدة. لا تعويل على هذه المؤسّسات اليوم.

ولا تعويل على الإقليم لحقن الدم السوري. غالب الظنّ أنّ إيران لم تتقبّل إلى الساعة مستجدّات المنطقة وتسعى لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ليس سرّاً طبعاً أنّ الملالي استعملوا شيعة لبنان من دون شفقة، ويستعملونهم إلى الساعة. ولو صحّ ما يقال عن أصابع إيرانيّة خلف تطوّرات الساحل السوري فلن أتعجّب. ومع ذلك، سيكون من الخطأ تحليليّاً تحميل كلّ المسؤوليّة لإيران، أو اختصار الأحداث بمسألة فلول تابعة للنظام السابق. هناك مسألة علويّة حقيقيّة بسوريا، هي مسألة جماعة عندها هويّة متمايزة. طبيعي أن يقلق العلويّون اليوم، لا سيّما أن ليس بتاريخ الحكم الأكثري الطويل بالمشرق ما يطمئنهم. وهناك أيضاً مسألة درزيّة سوريّة، ومسألة كرديّة، ومسألة مسيحيّة. وهناك طبعاً الشعور السنّي العميق بالمظلوميّة والذي يحرّك نزعة انتقاميّة واضحة. التغاضي عن هذه المسائل، أو توسّل قمعها بالغلبة الأكثريّة، طريق سريع لتمديد طوفان الدم السوري ليس أكثر. 

هشام بو ناصيف-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا