منصوري : سعر الصرف 15 ألفاً خلل فاضح ولا يستند الى أي قانون
في لقاء خاص مع "النهار"، تحدث حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري، مقدماً جردة بـ"إنجازاته" على عتبة مغادرته الموقع، بعد تعيين متوقع لحاكم أصيل قريباً في مجلس الوزراء. وتحدث عن التحديات التي واجهها منذ توليه منصبه عام 2023، والخطوات التي حققها، بالإضافة إلى توقعاته للمستقبل وأوضاع القطاع المالي والمصرفي في لبنان.
*بداية، كيف تقيّم مرحلة توليك هذا المنصب في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد؟ وهل تترك الحاكمية مرتاح الضمير؟
- أهلاً وسهلاً بكم في مصرف لبنان. هذه المؤسسة هي مصرف جميع اللبنانيين، عندما توليت المنصب في بداية عام 2023، كان الوضع معقداً للغاية من الناحية الاقتصادية والمالية والسياسية. كانت سمعة المصرف المركزي متأثرة بشكل كبير نتيجة الأزمة الاقتصادية والانهيارات المتتالية، بالإضافة إلى الملاحقات في حق الحاكم السابق، والتحديات الداخلية والخارجية. ولكن أستطيع اليوم القول إننا استعدنا الثقة بالمصرف المركزي على الصعيد الخارجي، إذ تمت إعادة العلاقات مع العديد من المصارف الأوروبية التي كانت قد توقفت عن التعامل مع مصرف لبنان منذ أكثر من 15 عاماً.
*هل يمكنك القول أنك أديت واجبك بنجاح خلال هذه الفترة؟
- في الحقيقة، ليس من السهل تقييم العمل خلال الأزمة التي مررنا بها. لكنني حاولت أن أكون شفافاً وأبذل كل الجهود لاستعادة الثقة بالمصرف المركزي. عملنا على إصلاح الكثير من الأمور التي كانت قائمة، مثل تحديث السياسات النقدية وتقليل الاعتماد على تمويل الدولة. بعد توقفي عن تمويل الدولة في كانون الثاني/ يناير 2023، لاحظنا انخفاضاً ملحوظاً في العجز، الأمر الذي يساهم في استقرار الوضع المالي. كان هناك تعاون قوي بين مصرف لبنان ووزارة المالية، وتوصلنا إلى اتفاقات مهمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني.
*هل تعتبر أن النظام الطائفي القائم في لبنان يمثل عائقاً أمام أداء عملك في هذا المنصب؟ وربما امام تثبيتك في موقعك؟
- النظام الطائفي في لبنان موجود منذ عام 1926 وتم تكريسه بالدستور اللبناني، وقد يسبب التحديات في بعض الأحيان. لكن من جهة أخرى، هناك بعض الإيجابيات التي يمكن أن تترتب عليه، مثل الحفاظ على التوازن بين مختلف الطوائف والمكونات. من بين الإيجابيات أن المنافسة تبقى داخل الطائفة وليس بين الطوائف، كما أن أي تغيير يجب أن يكون شاملاً بحيث يشعر جميع مكونات الشعب اللبناني بالارتياح. مع ذلك، لن أسمح بأي شكل من الأشكال أن أكون سبباً في إثارة حساسية لدى أي مكون من مكونات الشعب اللبناني. أنا شخصياً حاولت أن أكون حاكماً محايداً، ولم أسمح لأي انقسام طائفي أو سياسي أن يؤثر بقراراتي داخل المصرف المركزي. كنت دائماً أعمل على خدمة لبنان بكل مكوناته من دون تمييز.
*بعض المنتقدين يقولون إنك واصلت نهج الحاكم السابق، فما ردك على ذلك؟
- أعتقد أن إحدى المشاكل التي نواجهها هي أن الكثير من الانتقادات تصدر من دون النظر إلى الوقائع أو الظروف التي تحكم القرارات المتخذة. المصرف المركزي هو مؤسسة قائمة قبل أن أتولى المسؤولية، ومنذ توليت المنصب، لم أكتفِ بالاستمرار في الادارة، بل سعيت إلى تحديث العديد من الإجراءات وقمت بالإصلاحات. هناك فرق بين الاستمرار في النهج وبين العمل على تحسينه. السياسات النقدية المتبعة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية هي تدابير محدودة. اليوم، كان امامنا خياران أساسيان: إما استخدام سلاح الفائدة لسحب الكتلة النقدية من السوق، وإما ضبط الكتلة النقدية، وهو ما تم تطبيقه. التغيير الأساسي الذي طرأ بعد تشرين الأولأكتوبر 2019 حتى اليوم في الجمهورية اللبنانية بأكملها هو قرار وقف تمويل الدولة نهائياً بالليرة والدولار. إذا لم يكن هذا القرار قطعاً نهائياً مع سياسة استمرت أكثر من أربعين عاماً، فلا أدري ماذا يمكن أن نعتبره؟
*كيف تقيم الوضع الاقتصادي والمالي حالياً في لبنان؟
- الوضع الاقتصادي لا يزال صعباً، لكننا شهدنا بعض التقدم. عندما توقفنا عن تمويل الدولة، بدأت الأمور تتحسن تدريجاً، على رغم أن الناتج المحلي الإجمالي كان قد انخفض بشكل حاد بعد الأزمة، إلا أن التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد اللبناني في طريقه إلى التعافي، خصوصاً إذا تمكنا من إعادة بناء القطاع المصرفي بشكل سليم. من المهم أن نذكر بأن التضخم قد انخفض من 300% في عام 2023 إلى حوالى 18% في كانون الاول/ ديسمبر 2024، وهو تقدم كبير مقارنة بالظروف الصعبة.
*وماذا بالنسبة الى الودائع، هل لديك أي جديد حول مصير الودائع في المصارف اللبنانية وهي القضية المركزية بالنسبة الى اللبنانيين؟
- الودائع هي القضية المركزية التي تشغل الجميع في لبنان. منذ الأزمة، يتساءل الجميع عن مصير أموالهم؟ الحقيقة أن المصارف لا تملك السيولة اللازمة لإرجاع الودائع بشكل كامل في الوقت الحالي. لكننا، في مصرف لبنان، بدأنا بدراسة تفصيلية لحسابات المودعين، وقمنا بتقسيم أكثر من مليون حساب، وسنقدم خطة عادلة لاستعادة هذه الأموال ضمن إطار زمني معقول. نحن نعمل على إيجاد حل لهذه الأزمة بالشراكة مع الحكومة والبرلمان. الحلول لا يمكن أن تأتي بقرارات إدارية فقط، بل تحتاج إلى قوانين إصلاحية حقيقية.
*لكن وزير المال ياسين جابر صرح أن الموضوع ليس من مسؤولية الوزارة، بل من مسؤولية المصرف المركزي والمصارف. هل هذا صحيح؟
- إن معالجة ملف الودائع لا يمكن أن تكون مسؤولية مصرف لبنان فقط. الحكومة والبرلمان يجب أن يكونا جزءاً من الحل. في النهاية، الدولة هي من صرفت الأموال، وبالتالي يجب أن تتحمل مسؤولية إعادتها إلى مصرف لبنان، ليتمكن من إعادتها إلى المصارف. لا يمكن أن تستمر لعبة إلقاء المسؤولية من طرف إلى آخر. يجب أن نعمل معاً من أجل إيجاد حل عادل للمواطنين.
*تعرض القطاع المصرفي لأزمة عام 2019، ونحن الآن في عام 2025 وما زلنا نتحدث عن بناء نظام مصرفي سليم. فإذا كنا بعد ست سنوات ما زلنا نتحدث بصيغة "إذا"، فكم سنحتاج من الوقت للبدء ببناء هذا النظام؟ هل حدث أي شيء خلال هذه الفترة؟
- تم إجراء بعض التعديلات، لكن هناك جريمة وقعت، فلا يوجد بلد في العالم يمر عليه ست سنوات من دون أن يتم إقرار قانون. على سبيل المثال، عندما وقعت الأزمة في اليونان، أغلقت المصارف الخميس، وعادت إلى العمل الاثنين بناءً على القوانين التي أقرها مجلس النواب.
حتى هذه اللحظة التي أتحدث فيها إليك، لا يزال مصرف لبنان يصدر تعاميم بدلاً من القوانين، بينما من المفترض أن تكون التعاميم إجراءات موقتة وليست دائمة. ولكن للأسف، يبدو أننا اعتدنا على الحلول الموقتة التي تستمر مدة طويلة.
*لقد أوقفتم العمل بالتعميم الذي كان يحدد سعر الصرف عند 15 ألف ليرة في مقابل الدولار، أو بالأحرى لم يتم تجديده. فلماذا لا يزال المواطنون يحصلون على الدولار بسعر 15 ألف ليرة؟
- بفضل الإجراءات التي اتخذناها، أصبحت ودائع المواطنين تُحسب على أساس سعر صرف 89.5 ألف ليرة، وهذا ليس تفصيلًا بسيطاً. فعندما نقول إن هذا هو السعر الوحيد الذي يعترف به المصرف المركزي، فإن أي سعر آخر يُطبق على المواطن يؤدي إلى "هيركات" (اقتطاع قسري)، وهو لايزال حتى الآن غير مستند إلى أي قانون، باستثناء قرار صادر عن مجلس الوزراء يحدد سعر "اللولار" بـ 15 ألف ليرة، بينما السعر الفعلي هو 89.5 ألف ليرة، وهذا يعد خللاً فاضحاً.
*إلى أي مدى تعتقد أن الحكومة والبرلمان سيستطيعان العمل معاً على هذا الملف خصوصاً انه تعثر سابقاً؟
- أنا متفائل. اجتماعاتي مع الحكومة كانت إيجابية، واتفق على البدء بدراسة الملف بشكل جدي. نحن في حاجة إلى الدعم التشريعي لتنفيذ الحلول. إذا توصلنا إلى تفاهم مع الحكومة والبرلمان، فأنا واثق بأننا سنتمكن من حل هذه القضية.
إذا أردنا أن نكون واقعيين، فلا يمكننا إبقاء المواطنين بانتظار 30 أو 40 سنة لاستعادة أموالهم. يجب أن تكون هناك خطة عادلة ضمن إطار زمني معقول. وهذه الخطة، التي قمنا بإعدادها وسلمناها الى الحكومة، يمكن أن تكون أساساً للحل.
*وكيف ستتم إعادة الإعمار في ظل غياب التمويل؟
-إعادة الإعمار ليست مجرد تفصيل، بل هي حاجة أساسية تتطلب مبالغ كبيرة تتجاوز 6 مليارات دولار في الحد الأدنى. بعض التقديرات تشير إلى 14 أو حتى 20 مليار دولار، لكن لنكن واقعيين، نحن في حاجة أولاً إلى تأمين المبلغ الأساسي لإطلاق عملية إعادة الإعمار، لأن ذلك سيؤدي إلى انتعاش اقتصادي كبير، وسيوفر حلاً اجتماعياً ضرورياً.
حتى الآن، لم تُتخذ خطوات فعلية لتأمين هذا التمويل رغم مطالباتنا المتكررة بضرورة التمييز بين المساعدات المخصصة للإعمار، والتي يجب أن تكون غير مشروطة، وبين القروض التي تُمنح بناءً على إصلاحات. من الواضح أن المجتمع الدولي يصرّ على الإصلاحات كشرط أساسي قبل تقديم أي دعم مالي للبنان، وبالتالي علينا اتخاذ خطوات جدية وسريعة في هذا الاتجاه.
*ماذا عن ودائع السوريين في لبنان التي طالب بها الرئيس السوري احمد الشرع؟
- الدولة اللبنانية لا تميز بين لبناني وأجنبي في ما يتعلق بالملكية الفردية، وبالتالي فإن ودائع السوريين تخضع للقواعد المطبقة نفسها على الودائع اللبنانية. لن يكون هناك أي تمييز في استرجاع الودائع، إلا إذا كانت هناك شبهات قانونية تستوجب تدقيقاً من هيئة التحقيق الخاصة في لبنان بالتنسيق مع نظيرتها السورية.
*هل ترى أن الإصلاحات الضرورية ممكنة؟
- الإصلاحات التي اتخذت كانت أساسية، لكننا نعلم أن هناك الكثير من العمل الذي لا يزال يجب إنجازه. قمنا ببعض الإصلاحات الضرورية، مثل إعادة هيكلة ميزانية المصرف المركزي وإلغاء تعدد أسعار الصرف، وقد شهدنا نتائج إيجابية من هذه الإجراءات. لكننا في حاجة إلى أن نعمل بشكل أسرع، وخصوصاً في ما يتعلق بإصلاحات القطاع العام وإصلاحات مالية إضافية. الوضع في لبنان أصبح أكثر من مجرد أزمة مالية، بل هو أزمة هيكلية تحتاج إلى حلول جذرية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|