اتصالات سرية تكشف تغير استراتيجية كييف للتفاوض مع موسكو
ءفي ظل التطورات المتسارعة داخل الأراضي الروسية والأوكرانية، يبدو أن الكواليس السياسية تشهد تحركات خفية قد تُمهّد لتحول غير متوقع في الأزمة الأوكرانية.
ففي خطوة غير متوقعة، كشف الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو عن اتصالات سرية بين مسؤولين أوكرانيين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعيدًا عن الأضواء، ما قد يعكس تحولًا في استراتيجية كييف أو على الأقل محاولة لجس نبض موقف موسكو.
هذه المكالمات، التي لم يُعلن عنها رسميًا، تطرح تساؤلات جوهرية: هل بدأت أوكرانيا في البحث عن مخرج من الحرب؟ وهل باتت موسكو تمتلك أوراقا تفاوضية غير معلنة؟
يرى الخبراء الروس أن هذه "الاتصالات السرية" قد تكون جزءًا من حرب هجينة، حيث تُستخدم الدبلوماسية كأداة تكتيكية لتحقيق مكاسب آنية دون المساس بالمواقف الاستراتيجية. وفي حين قد تؤدي هذه التحركات إلى تقدم في ملفات إنسانية، مثل تبادل الأسرى، فإن القضايا الجوهرية، وعلى رأسها وضع الأراضي الأوكرانية المحتلة، لا تزال عالقة دون حل.
في المقابل، يعتبر الخبراء الأوكرانيون أن الحديث عن "اتصالات سرية" مع موسكو ليس سوى أداة ضغط نفسي وتضليل إعلامي، تهدف إلى زعزعة الثقة بين كييف وحلفائها الغربيين، وإعطاء انطباع بوجود استعداد أوكراني لتقديم تنازلات، رغم عدم وجود أي تغيير فعلي في موقفها.
ويؤكد سعيد سلام، مدير مركز "فيجن" للدراسات الاستراتيجية، أن الحرب الروسية الأوكرانية تشهد تطورات دبلوماسية لافتة، مع ورود تقارير عن قنوات حوار سرية بين الطرفين.
وأوضح أن تصريحات لوكاشينكو، الذي تحدث مرارًا عن "مفاوضات سرية" بين موسكو وكييف، قد تحمل أبعادًا استراتيجية معقدة.
وأضاف سلام أن هذه التصريحات تأتي في وقت تحاول فيه روسيا وأوكرانيا تحقيق مكاسب تكتيكية دون التنازل عن مواقفهما السياسية.
وأشار إلى أن لوكاشينكو، رغم ولائه لموسكو، يسعى لتعزيز موقعه كوسيط دولي، ما يثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية: فهل يحاول كسب نفوذ دبلوماسي، أم أن الهدف هو تشتيت الانتباه عن دعم بيلاروسيا العسكري واللوجستي لروسيا؟
ويرى سلام أن هذه التصريحات قد تكون جزءًا من استراتيجية روسية لزعزعة الدعم الأوروبي لكييف، من خلال الإيحاء بوجود استعداد أوكراني لتقديم تنازلات تفاوضية، بينما تواصل موسكو الضغط عبر العقوبات الاقتصادية والعمليات العسكرية.
اتصالات سرية: مفاوضات فعلية أم قضايا إنسانية؟
يوضح سلام أن هذه الاتصالات، إن صحت، لن تتعدى كونها قنوات إنسانية وتقنية، مثل تبادل الأسرى وإعادة الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا إلى روسيا، دون أن ترقى إلى مفاوضات سياسية حقيقية. فكييف لا تزال متمسكة بموقفها الرسمي القائم على استعادة أراضيها المحتلة، رغم التقارير التي تتحدث عن قنوات خلف الكواليس.
وفي الوقت ذاته، تدخل دول مثل الصين، الإمارات، والسعودية على خط الأزمة، مستخدمة نفوذها السياسي والاقتصادي لدفع الأطراف نحو حلول بديلة، في محاولة لتعزيز مكانتها الدولية عبر لعب دور الوسيط في واحدة من أعقد الأزمات الجيوسياسية.
التلاعب بالمفاوضات السرية: أداة سياسية أم ضغط نفسي؟
من جانبه، يؤكد إيغور سيميفولوس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، أن روسيا تعتمد بشكل متكرر على الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو كأداة للضغط النفسي والإعلامي، في إطار ما يُعرف بالتضليل الاستراتيجي.
وأوضح أن أي تصريحات تصدر عن موسكو أو مينسك يجب التعامل معها بحذر، إذ توظف روسيا مثل هذه الإعلانات لصنع انطباعات مضللة دون تأثير فعلي على مسار الحرب أو العملية التفاوضية.
وفي تصريح له شدد سيميفولوس على أن الحديث عن "اتصالات سرية" لا يعكس تحولًا حقيقيًا في الموقف الأوكراني، بل هو جزء من حملة نفسية تهدف إلى تشكيك الحلفاء الغربيين في التزام كييف بالمقاومة، وإعطاء انطباع بأنها قد تكون مستعدة لتقديم تنازلات.
وأضاف: "هذه الاستراتيجية الروسية قد تستهدف خلق ضغوط داخلية في أوكرانيا، سواء على القيادة السياسية أو الرأي العام، خاصة مع استمرار الحرب واستنزاف الموارد العسكرية والاقتصادية".
المفاوضات الإنسانية ودور الوسطاء العرب
فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية، يشير سيميفولوس إلى أن ملفات مثل تبادل الأسرى واستعادة الأطفال الأوكرانيين تُدار عبر وساطة دولية موثوقة، أبرزها الإمارات العربية المتحدة، السعودية، وقطر.
وأضاف: "أوكرانيا لن تثق بأي قناة تفاوضية تحت مظلة بيلاروسيا، لذلك تحاول موسكو من خلال هذه التصريحات إثارة الجدل حول القنوات القائمة بالفعل، وربما التمهيد لمبادرات تفاوضية تحت إشراف أطراف موالية لها، بهدف فرض أجندتها الخاصة".
محاولة فرض واقع جديد أم تصعيد جديد؟
يرى سيميفولوس أن موسكو قد تستخدم هذه الإشارات حول المفاوضات السرية كجزء من استراتيجية أوسع للضغط على كييف وحلفائها، مع احتمالين رئيسيين:
حرب إعلامية تهدف إلى زرع الشكوك بين الأوكرانيين وحلفائهم الغربيين.
تمهيد لفرض هدنة مؤقتة بشروط تصب في مصلحة روسيا، سواء لاستعادة زمام المبادرة عسكريًا أو لتخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية المتزايدة.
وختم بقوله: "من غير المرجح أن تنخرط أوكرانيا في أي مسار تفاوضي غير مشروط، خاصة مع استمرار الدعم الغربي، لكن روسيا ستواصل محاولاتها لخلط الأوراق وإيجاد ثغرات تستغلها في المعركة الدبلوماسية بالتوازي مع الميدان".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|