أسرار مثيرة جداً عن قاتل كمال جنبلاط.. مفاجآت جديدة عن الحويجي
البعد الاقتصادي والاجتماعي في فكر كمال جنبلاط
كتب العميد الدكتور غازي محمود :
غداة الذكرى الثامنةَ والاربعون لاستشهاد المعلم كمال جنبلاط، تبرز اهمية التوقف عند هذه القامة الاستثنائية في تاريخ لبنان والعالم العربي. سيما وأنه الرجل الذي جمع بين الفلسفة والسياسة، وبين الارستقراطية والنضال من أجل العدالة والمساواة. وهو المثقف الموسوعي، والمفكر الإنساني، إنه الفيلسوف الباحث عن الحقيقة، والسياسي الساعي الى الإصلاح. وهو رجل دولة ذو رؤية تقدمية أدرك الدور المحوري للاقتصاد في حياة الانسان المعاصر، فأفرد له حيزاً اساسياً في مشروعه الفكري والسياسي.
والسياسة بحسب وجهة نظر كمال جنبلاط، يجب أن تكون وسيلة لخدمة الإنسان لا أداةً للتسلط أو الاستغلال، لذا دعا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وخاض معارك في مواجهة الفقر والظلم. وسعى جنبلاط إلى بناء مجتمع يقوم على الكفاية والعدل، انطلاقاً من قناعته بضرورة توجيه الاقتصاد إلى تحقيق الغايات الاجتماعية، ذلك أن كل فردٍ في المجتمع يستحق الحياة الكريمة.
ويتجلى البعد الاقتصادي والاجتماعي في فكر كمال جنبلاط بمزيج من المبادئ الاشتراكية الهادفة الى خدمة الإنسان، فالاقتصاد بالنسبة اليه ليس إدارة للموارد فحسب، بل هو وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية ورفاه الإنسان. ومن هذا المنطلق، وضع نموذجاً اقتصادياً يهدف الى تحقيق التوازن بين حقوق الفرد ومصلحة المجتمع، مؤكداً على أن الملكية الفردية تُشكل امتداداً لشخصية الإنسان وجزءاً مكملاً لها.
ويرى جنبلاط ان الهدف من الاقتصاد يجب ان يكون دائماً وأبداً تنمية الاوضاع الاجتماعية وترقيتها، لا تنمية الثروة لأجل الثروة فحسب، وهنا يكمن الفارق الرئيسي بين الذهنية المسيطرة على الاقتصاد الحر، لا سيما المعمول به في لبنان، وبين الاقتصاد ذات الابعاد الانسانية والاجتماعية. فرأس المال ووسائل الانتاج لها وظائف اجتماعية واضحة ومحددة "لا تَحِل بدونها، بل تكون حراماً على أربابها والعاملين فيها".
واعتبر كمال جنبلاط أن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب إعادة توزيع الثروة بطريقة أكثر إنصافًا، فرفض التفاوت الاقتصادي الحاد بين أفراد المجتمع، ودعا إلى تطبيق اشتراكية ذات طابع إنساني. فقد كان يرى أن النظام الرأسمالي التقليدي يعزز الاستغلال ويعمّق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، لذا شدد على ضرورة إجراء إصلاحات تضمن توزيع الثروة بشكل عادل، ولا تقتصر على النخب الاقتصادية، ليعم نفعها على جميع فئات المجتمع وطبقاته.
ولقد آمن كمال جنبلاط بضرورة تدخل الدولة لتنظيم الانشطة الاقتصادية، ومنع الاحتكارات وضمان التوزيع العادل للموارد وحماية الفئات الفقيرة. ورأى بأن الشأن الاقتصادي يُشكل أحد المهمات الاساسية للدولة الحديثة، التي عليها أن تتدخل بشكلٍ مباشر حيناً، وغير مباشر أحياناً لتحفيز وتوجيه الأنشطة الاقتصادية، مؤكداً على أهمية تبني سياسات اقتصادية تهدف إلى حماية وتشجيع الإنتاج الوطني.
وكان جنبلاط أحد أبرز المدافعين عن الإصلاح الزراعي، إذ اعتبر أن الزراعة هي حجر الأساس للاقتصاد المنتج، وأن المزارعين يشكلون الطبقة الأكثر حرماناً في المجتمع. لذلك، نادى بضرورة توفير الدعم الحكومي لهم من خلال القروض الزراعية، واستصلاح الأراضي الزراعية، وتشجيع تصنيع الإنتاج الزراعي، وإنشاء تعاونيات زراعية لتعزيز الإنتاجية وضمان حياة كريمة لصغار الفلاحين.
وقد قام كمال جنبلاط، انسجاماً مع مبادئه وقناعاته الفكرية، بتوزيع أراضيه في سبلين الشوفية، مجاناً وبموجب صكوك قانونية على شاغليها من المزارعين، عملاً بالقاعدة الاقتصادية القائلة الأرض لمن يفلحها ويزرعها. كما عمل على ترجمة رؤيته الاقتصادية خلال فترة توليه وزارات الأشغال العامة والاقتصاد والزراعة ووزارة التصميم، حيث حاول تطبيق بعض مبادئه الإصلاحية، خصوصاً في مجالات الزراعة والتنمية الريفية.
أما بالنسبة للصناعة، فقد رأى جنبلاط ضرورة أن تكون موجهة لخدمة المجتمع، وليس لتحقيق الأرباح وحسب. فدعا إلى إنشاء صناعات وطنية تلبي احتياجات السوق المحلي، وتحدّ من التبعية الاقتصادية للخارج، وتعزز فرص العمل، كما دعا الى تشجيع الصناعات الحرفية وتأمين أسواق خارجية لتسويقها.
وهو عمل خلال توليه وزارة التربية الوطنية بين عامي 1960 و1961، على تطوير التعليم التقني والمهني لتوفير اليد العاملة المتخصصة التي يحتاجها الاقتصاد الحديث. ومن ثم أنشأ في العام 1968 بالتعاون مع الجامعة اللبنانية والمعهد الوطني للفنون والمهن في فرنسا معهد العلوم التطبيقية والاقتصادية للغرض عينه.
وعلى الصعيد المالي والنقدي، يتشابه تشخيص كمال جنبلاط لأسباب أزمة بنك أنترا، والذي أعلنه في مؤتمر صحافي عقده في الواحد والعشرين من تشرين الأول 1967، مع أسباب أزمة القطاع المصرفي التي بدأت منذ مطلع العام 2020. حيث رأى جنبلاط أن السلطة التي تُدير شؤون الدولة، هي التي تصطنع الأزمات، وتتسبب بها. وهي السبب الرئيسي والمباشر وراء حدوث ازمة بنك انترا وبالتالي وقوع الأزمة المصرفية العامة، وتصدع المركز المالي الممتاز الذي كانت تشغله بيروت.
ويُضيف جنبلاط، أنه لو سمع منه المسؤولون وقدموا العون الكافي لتأمين السيولة لبنك انترا، لكانوا وضعوا حداً للعراقيل التي قام بها بعض موظفي البنك المركزي وللمؤامرة الفعلية التي قصدوا بها مع فريق من ارباب المصارف الوطنية والأجنبية، بإشاعة اسوأ الاخبار في الأوساط المالية عن المصرف المذكور، ولما حدث ما حدث، ولكانت الودائع زادت في المصارف اللبنانية، رغم نكسة الحرب الإسرائيلية في حزيران 1967.
هذه المقاربة لكمال جنبلاط واقتراحاته الإصلاحية تتطابق مع مقتضيات الازمة الحالية، وهي خير دليل على صوابية قراءته للشأن المالي وغيره من المسائل الاقتصادية لاسيما مسألة التصدي للفروقات الاجتماعية والاقتصادية. والامر ينطبق كذلك على دعوته الى بناء اقتصاد منتج واصلاح نظام الضرائب المجحف، ووضع حد للاحتكارات ووضع السياسات التي تحمي الطبقة الوسطى.
وعلى الرغم من التحديات التي واجهها، يبقى فكر كمال جنبلاط الاقتصادي نموذجاً لرؤية إصلاحية تجمع بين العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. ولقد ترك إرثه الفكري أثراً كبيراً في العديد من الحركات الإصلاحية والسياسات الاقتصادية في لبنان، حيث ما زالت دعواته لتحقيق اقتصاد أكثر إنصافاً واستدامة تجد صداها في النقاشات الاقتصادية والاجتماعية حتى اليوم.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|