الصحافة

"لو كنت أعلم" تختصر فلسفة "حزب الله"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يكن باستطاعة "حزب الله" أن يحكم لبنان بالطريقة نفسها لحكم آل الأسد، لأن سوريا دولة إقليمية، فيما "الحزب" هو جزء من طائفة تتقاسم مع الطوائف الأخرى السلطة في لبنان، ولأن الأسد الأب نجح في تحويل دوره إلى حاجة لكل من واشنطن وموسكو وتل أبيب والرياض وطهران، وقايض دخوله في الحرب ضد صدام حسين على أثر اجتياحه الكويت بالسيطرة على لبنان، واستخدم حجة وجوده الضروري في لبنان لتجنيبه تجدُّد الحرب الأهلية.

لم يرث "حزب الله" من حكم الأسد للبنان سوى سيطرته على القرار الاستراتيجي للدولة والحدود والأرض، وهذا ليس تفصيلاً طبعاً، لكنه لم ينجح في تحويل دوره إلى حاجة خارجية، وتمّ التعامل معه من عواصم القرار كأمر واقع وليست في وارد التورُّط في حرب لاقتلاعه، وعندما تولّت إسرائيل المهمة وجدت عواصم القرار أنها  مناسبة للتخلُّص منه، فيما لم ينجح "الحزب" في إخضاع واستمالة الطوائف الأخرى برمتها، وبنى كل حجته على قوته لمواجهة إسرائيل، وكان مضطراً إلى إثبات فعالية هذه القوة تبريراً لسلاحه، أي اللعب على حافة الهاوية التي سقط فيها.

وأظهرت التجربة ان الأسد لم يحكم لبنان بجيشه فقط، إنما حكمه بقرار خارجي أو غض نظر هذا الخارج الذي عندما دعاه إلى الخروج، خرج من دون تردُّد، وقد حكم "حزب الله" لبنان مستفيداً بدوره من غض نظر هذا الخارج، ومدركاً أن مقتله يكمن في تجاوز الخطوط الحمر الدولية أو في اشتباكه مع إسرائيل، وهذا ما يفسِّر حصر مواجهته لها بقواعد اشتباك مضبوطة، وبخطاب تعبوي ضدها تبريراً لسلاحه وتعويضاً عن تجنبه الدخول في حرب واسعة معها.

وتجسّد زلّة لسان السيد حسن نصرالله تعليقاً على ردّ الفعل الإسرائيلي على عمليته العسكرية التي أشعلت حرب تموز ، فلسفة "حزب الله" كلها لجهة صراعه مع إسرائيل. وتختصر جملة "لو كنت أعلم حجم رد الفعل الإسرائيلي لما قمنا بالعملية"، استراتيجيته بربط النزاع دون الدخول في حرب، ووظيفة هذا الربط السيطرة على لبنان من الباب الإسرائيلي، لأن السيطرة عليه من الباب الداخلي مستحيلة، فلا الطوائف الأخرى تقبل بان تُحكَم من طائفة أو من حزب يسيطر على طائفته، ولا "الحزب" قادر على إحياء حجة الأسد بأن سلاحه ضمانة لعدم تقاتل اللبنانيين، وبالتالي، كان بحاجة ماسة لإسرائيل ليحكم من خلالها لبنان، فمن دون الورقة الإسرائيلية يخسر الورقة اللبنانية واستطراداً الفلسطينية، فكانت تل أبيب  شريكته الاستراتيجية ويتعامل معها ضمن حدّين: خطاب تعبوي وعمليات محدودة ومضبوطة تبرِّر ما يسمى مقاومته، والحد الآخر ترييح تل أبيب بأن حدودها آمنة، فلا سعى إلى تحرير مزارع شبعا، ولا كان في وارد حرب تموز ولا الدخول في حرب تشرين لولا السنوار، لا بل ذهب إلى الترسيم البحري اعترافاً بوجودها وللقول للأميركيين إنه البديل عن الأسد كمقدمة لتفويضه إدارة لبنان بغطاء أميركي.

وتدرك الدولة الراعية لـ"الحزب"، أي إيران،  استحالة هزيمة إسرائيل التي تقف خلفها الولايات المتحدة، ولكن مشروعها التوسعي يتطلّب وجود عدو تبريراً لتمددها، وتستخدم الورقة الفلسطينية جوهرة ثمينة في المزايدة على الدول العربية، وورثت عن حافظ الأسد سياسة تجميع الأوراق وأبرزها فلسطين ولبنان.

وبمعزل عن المعرفة المسبقة لطهران بعملية السنوار من عدمها، إلا أنها تعاملت بحذر كبير وإرباك شديد مع هذه العملية، وصرّحت بعدم اطلاعها على حيثياتها، لكن، بمعزل عن ذلك تجنبّت الدخول في هذه الحرب، وعندما ردّت كان لرفع العتب تجنباً للإحراج بعد الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لها إن في عمق دارها، أو خارجه مع استهداف قنصليتها في سوريا، ما يؤكد إدراكها العميق لعجزها وعدم رغبتها في حرب مع تل أبيب.

وهكذا، شكلّت إسرائيل ورقة ذهبية مثلثة لإيران: ورقة تفاوض مع واشنطن، ورقة سيطرة على لبنان وغزة، وورقة ابتزاز للدول العربية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، وكان يمكن لهذا الوضع أن يدوم طويلاً لولا عملية "طوفان الأقصى" التي قلبت الطاولة عليها، ولم ينفِّذ السنوار عمليته طبعاً لقلب الطاولة على إيران، إنما على طريقة نصرالله لم يكن يعلم ردّ الفعل الإسرائيلي على عملية خرجت عن إطارها المرسوم.

ولم يجد نصرالله أمامه سوى الدخول في هذه الحرب من باب الإسناد لا الطوفان، وكان بإمكانه أن يعلن بدوره الطوفان، لكنه يدرك عجزه عن ذلك، معتقداً أن الإسناد يُبقي الأمور تحت السيطرة، غير أنه  فقد قدرة السيطرة على حرب توسعت خلافاً لرغبته وإرادته، فتم اغتياله واستسلم حزبه بتوقيعه اتفاق إذعان بسبب الحرب التي ورّطه بها السنوار.

كان كل هدف "حزب الله" مراكمة القوة العسكرية ليس لاحتلال الجليل ولا لازالة إسرائيل من الوجود، إنما للإطباق الكامل على لبنان، فإسرائيل هي الحجة للاحتفاظ بسلاحه ليس لمواجهتها الجدية طبعاً، إنما لمنع قيام دولة فعلية في لبنان وإبقاء البلد ورقة بيد إيران، والمؤسف أن هذه الكذبة المسماة مقاومة انطلت في مرحلة من المراحل على فئة من اللبنانيين اكتشفت مؤخراً أن الهدف الفعلي لهذه المقاومة مقاومة قيام دولة ودستور واستقرار في لبنان، وبالتالي، هي شكلاً ضد إسرائيل، ولكنها في الجوهر والمضمون ضدّ كل من يريد دولة في لبنان، ومع سقوط هذه الكذبة، على الدولة أن تحسم ازدواجية السلاح بإنهاء السلاح غير الشرعي والإمساك بالحدود وإحياء اتفاقية الهدنة.

شارل جبور-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا