برسم الرئيس أحمد الشرع ..بالصوت والصورة هذا بعض حدث في الساحل(فيديو)
صندوق للتّعافي يعيد الودائع وينظّف مصرف لبنان
ارتفعت قيمة احتياطيات الذهب لدى مصرف لبنان بنحو 10 مليارات دولار منذ منتصف 2023، لتقترب في منتصف آذار الجاري من 28 مليار دولار.
لا ينبغي التضحية بثروةٍ ورثها الشعب اللبناني من جيلٍ مضى، لكن إذا لم يكن الذهب قد جُمع للاستخدام في يومٍ أسود كهذا، فلأيّ يوم يحتفظ به لبنان؟ لا ينفصل هذا السؤال عن الحاجة الملحّة إلى معالجة المركز المالي المتردّي لـ”مصرف لبنان”، والذي هو لبّ الأزمة النظامية القائمة في النظام الماليّ حاليّاً.
في النظام المالي أزمتان كبيرتان مترابطتان، ويمكن للذهب أن يسهم في معالجتهما معاً:
1- تعثّر مصرف لبنان ومركزه الماليّ السلبيّ (وإن كانت الميزانية المعلنة لا تزال حتّى اليوم تجمّل الأرقام وتخفي الخسائر).
2- أزمة الودائع.
تتلخّص أزمة مصرف لبنان، بالأرقام، في أنّه يحمل مطلوبات للبنوك بنحو 85 مليار دولار، وهي تشكّل 91% من مطلوباته البالغة 93.6 مليار دولار. وفي مقابل هذا الرقم الهائل، يسجّل مصرف لبنان في دفاتره قاعدة موجوداتٍ بالقيمة نفسها، فيها ما هو حقيقي وما هو وهمي لمعادلة الأرقام وحسب.
الموجودات الممتازة والرّديئة
في شقّ الموجودات الممتازة بندان مجموعهما يفوق 38 مليار دولار، أي نحو 40% من الميزانية:
1- الموجودات بالعملة الأجنبية: 10.7 مليارات دولار، وتشكّل نحو 11% من موجودات مصرف لبنان.
2- الذهب: 27.6 مليار دولار، ويشكّل 29.4% من الموجودات.
أمّا في شقّ الموجودات الرديئة، فهناك:
1- محفظة الأوراق المالية (تشمل اليوروبوندز الحكومية المتعثّرة)، وهي مسجّلة في الدفاتر بنحو 6.2 مليارات دولار، في حين أنّ قيمتها السوقية أقلّ من مليار دولار.
2- قروض على الدولة، سحبتها الحكومات المتعاقبة على المكشوف (overdraft)، وهي مسجّلة بنحو 16.5 مليار دولار، ولا يُعرف حتى الآن موقف الدولة منها.
3- فروقات إعادة التقويم: تزيد على 30 مليار دولار، بما يعادل 32% من الموجودات، وهي في حقيقة الأمر ليست إلّا خسائر، وهي الفجوة الكبرى في الميزانية.
4- بند “التكاليف المؤجّلة من عمليّات السوق المفتوحة“، وقيمته تفوق 1.6 مليار دولار. وهو في حقيقة الأمر ليس أصلاً ليسجّل في الموجودات، بل خسائر (تكاليف) متراكمة من التدخّل في سوق القطع.
54.5 مليار دولار… وهميّة أو مشكوك في جودتها
يقارب مجموع هذه البنود الأربعة 54.5 مليار دولار، بما يعادل 58% من ميزانية مصرف لبنان، وهي بمعظمها إمّا وهمية وإمّا مشكوك في جودتها. وهذا التردّي في ميزانية البنك المركزي هو جوهر أزمة البنوك، لأنّ 85 مليار دولار من موجودات البنوك موظّفة لدى “مصرف لبنان”، ولذا هي نفسها تسجّل موجوداتٍ في ميزانيات البنوك من جهة، ومطلوباتٍ في ميزانية مصرف لبنان من جهة أخرى. وبالتالي لا يمكن للبنوك سداد الودائع للناس ما دامت لا تحصل على أموالها الموظّفة لدى مصرف لبنان.
في المقابل، إذا نظرنا إلى ميزانية مصرف لبنان نجد أنّ هذه المطلوبات المستحقّة للبنوك غير قابلة للسداد، لأنّ في مقابلها نوعين من الموجودات:
– الموجودات الرديئة أو المشكوك في أمرها، السالفة الذكر، بقيمة 54.5 مليار دولار.
– موجودات غير قابلة للتصرّف بموجب القانون، وهي الذهب، بقيمة 27.6 مليار دولار، على الرغم من أنّ الذهب يُعتبر أصلاً سائلاً وعالي الجودة.
بالتالي، فإنّ المدخل لحلّ أزمة المصارف هو طرح حلّ واقعي وعمليّ للاختلال في ميزانية مصرف لبنان، وهذا ممكن بشيء من الابتكار الماليّ والاستثماري، وبمشاركة الدولة في تحمّل المسؤوليّة.
صندوق استثماريّ لمعالجة الاختلال
هنا اقتراح عمليّ لذلك:
لمعالجة هذه المشكلة لا بدّ من تأسيس صندوق استثماري سيادي ذي ذمّة مستقلّة، يمكن تسميته “صندوق التعافي” (Recovery Fund) تنتقل إليه هذه الأصول والمطلوبات الواجب تنظيف ميزانية مصرف لبنان منها، وتُنقل إليه أيضاً أصولٌ أخرى “نظيفة” لتتكوّن لديه ملاءة كافية تسمح له بإجراء تسوية معقولة للمطلوبات المستحقّة للبنوك.
على وجه التحديد، يُنقل إلى الصندوق من ميزانية مصرف لبنان:
1- المطلوبات للبنوك، باستثناء الاحتياطي الإلزامي والتوظيفات الإلزامية، أي ما يقارب 75 مليار دولار.
2- بنود الموجودات المسمومة الأربعة السالفة الذكر، ومجموعها 54 مليار دولار على الورق، لكنّ قيمتها الحقيقية قد لا تساوي 20% من هذا الرقم.
3- ثلاثة ملايين أونصة ذهب من احتياطي مصرف لبنان بقيمة 9 مليارات دولار.
4- مليارا دولار من الموجودات بالعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان.
5- الأصول الاستثمارية التابعة لـ”مصرف لبنان”، مثل “الميدل إيست” و”كازينو لبنان”.
6- تتعهّد الدولة بدعم الصندوق ببرنامج إصدارات سندات على مدى خمس سنوات بإجمالي 10 مليارات دولار، نصفها بالليرة ونصفها بالعملات الأجنبية، بعد أن تكون قد توصّلت إلى إعادة الاتّفاق مع حاملي اليوروبوندز.
7- يمكن إضافة أصول حكومية أخرى إلى الصندوق، مثل شركات الهاتف الخليوي.
إدارة استثماريّة
يشكّل هذا الصندوق الحلّ الأمثل لإخراج “مصرف لبنان” من خسائره على الفور، وإعادة التوازن إلى ميزانيّته. إذ إنّه سيتخلّص من مطلوبات بقيمة 75 مليار دولار، ومعها الموجودات الرديئة، ليحتفظ بميزانية قويّة للغاية، تفوق 35 مليار دولار، وهي أكثر من كافية لاقتصاد لا يتجاوز حجمه 22 مليار دولار. ويتفرّغ بعدها لوظيفته الأصلية بأن يكون مديراً للسياسة النقدية وناظماً رقابيّاً للقطاع المصرفي.
بعد ذلك تنتقل الملفّات الصعبة إلى “صندوق التعافي” الذي ينبغي إدارته بعقليّة استثمارية بحتة، ولا بأس بإجراء مناقصة عالمية لإسناد إدارته إلى بنك استثماري عالمي، وفق أهدافٍ محدّدة ومؤشّرات قياس واضحة. وهنا بعض أفكار لمحدّدات عمل الصندوق:
1- يُجري الصندوق تسويات للمطلوبات والموجودات المحوّلة إليه في إطار الخطّتين الشاملتين لإعادة هيكلة المديونية العامّة والقطاع المصرفي.
2- بالإمكان خلق قيمة استثمارية أكبر من الأصول المحوّلة إليه، ربّما من خلال طروحات عامّة أوّلية للشركات المحوّلة إليه.
3- يمكن خلق من بعض الأصول قيمة استثمارية كبيرة، لا سيما كازينو لبنان، إذ إنّ أرضه تصلح لإنشاء منتجع ومجمّع تجاري ضخم، مثلاً.
4- يمكن أن توضع للصندوق شروط محدّدة بخصوص التصرّف بالذهب، من قبيل منع بيعه جزئياً أو كلّياً، والاستعاضة عن ذلك بإصدار سندات مدعومة بالذهب بقيمة لا تقلّ عن 10 مليارات دولار.
5- يمكن للصندوق أن يشارك في إعادة هيكلة البنوك عن طريق الاكتتاب في زيادة رساميل المصارف التي يُحجم ملّاكها عن إعادة رسملتها. وبذلك يتحمّل هؤلاء نصيبهم من الخسائر من خلال تذويب نسب مساهماتهم (dilution).
قواعد الحوكمة في مصرف لبنان
بمجرد أن تتوفر السيولة لهذا الصندوق تعود دورة النشاط إلى القطاع المصرفي، وتعود الثقة تدريجياً. وعندها يمكن إعادة الودائع بالتدريج، بحيث يعاد مبلغ على الفور لا يقل عن 20 ألف دولار لكل مودع. ويمكن الجزم أنً جزءًا لا يستهان به من هذه الأموال سيظل في القطاع المصرفي بمجرد استعادة الثقة. وهذا ما يساعد في إعادة الودائع الصغيرة بالكامل (200 ألف دولار وما دون) على امتداد فترة تمتد ما بين خمس إلى سبع سنوات. أمّا الودائع الكبيرة فتحتاج إلى مزيج من التحرير التدريجي لمبالغ معينة، وأدوات أخرى مثل السندات القابلة للتداول. وبالطبع، فإنّ السندات تكتسب قيمتها من المركز المالي للصندوق الذي يصدرها. وهذا الأمر يحتاج إلى تفصيل تقنيّ.
لكن العبرة تبقى في إرساء قواعد جديدة للحوكمة في مصرف لبنان، كما في الصندوق المقترح، وفي القطاع المصرفي. والأهم أنّ الأساس الأخلاقي لتأسيس هذا الصندوق مكتمل الأركان. فالدولة ومصرف لبنان شريكان في خلق هذه الفجوة، ولا بدّ لهما أن يشاركا في تحمّل الخسائر من خلال هذا الصندوق، على أن تتحمّل البنوك قسطها من خلال زيادات رؤوس الأموال أو من خلال تسويات المطلوبات مع “مصرف لبنان”.
عبادة اللدن-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|