من سيضع السلّم ليهبط “الحزب” عن الشجرة؟
أعادت منصات الصواريخ المجهولة لبنان إلى دائرة الاهتمام الخارجي بعد انحسار دام أشهر. وتصاعدت المخاوف من أنّ إطلاق بضعة صواريخ من دون أن تحدث أيّ خسائر في إسرائيل، سيودي بلبنان إلى مسرح الاضطراب الذي عاشه منذ خريف العام 2023 وبلغ ذروته في العام التالي. وبدا اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ مسار تطبيقه في 27 تشرين الثاني 2024 وكأنه بمثابة حبل النجاة الذي سيتمكن لبنان من خلال الإمساك به بالخروج من هاوية حرب لم تنتهِ منذ عقود. لكنّ حادثة المنصات التي وُصفت بأنها “بدائية” أعادت القلق على المصير اللبناني إلى بدايته مجدداً!
تصرّف “حزب الله” حيال هذا التطور المقلق على أساس أن لا علاقة له به لا من قريب ولا من بعيد. ووصل الأمر بعضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب إبراهيم الموسوي إلى أنّ وصف “الأصوات الداخلية” التي سارعت إلى اتهام “حزب الله”، بأنها “تبرر للعدو الإسرائيلي” ردوده على العملية. فهل يكفي نفي “الحزب” لما جرى صباح السبت الماضي على الحافة الجنوبية لنهر الليطاني في منطقة النبطية لكي يطوي صفحة ما جرى؟
يأتي الجواب بالنفي، ليس على لسان “الأصوات الداخلية” التي حمل عليها النائب الموسوي، بل من زميله في كتلة “الحزب” النيابية حسن فضل. وأخذ الأخير الموضوع في اتجاه مساجلة رئيس مجلس الوزراء نواف سلام على خلفية المواقف التي أعلنها يوم الجمعة الماضي وأبرزها أنّ زمن “الثلاثية :شعب وجيش ومقاومة” قد مضى إلى غير رجعة. وقال فضل الله “أنّ المقاومة هي التي حررت الوطن ودعت الدولة لتحمل مسؤولياتها في الدفاع عنه”. وشدد على أنّ “المقاومة ليست مجرد كلمة تكتب بحبر رسمي يمكن شطبها أو طيّ صفحتها بتصريح أو مقابلة، سواء من قبل مسؤول حالي أو سابق”.
يقود نفي الموسوي لمسؤولية “الحزب” عن “المنصات المجهولة”، وتأكيد فضل الله على تمسك “الحزب” بـ”المقاومة” إلى كشف ملابسات المرحلة التي يمر بها لبنان. فبينما يمضي لبنان في ظل العهد الجديد برئاسة العماد جوزاف عون قدماً مع شريكه في السلطة التنفيذية الرئيس سلام والحكومة التي يترأسها نحو الإيفاء بالتزامات لبنان التي ينصّ عليها قرار وقف إطلاق النار، ينبري “حزب الله” للسير في الاتجاه المعاكس الذي ينطلق من إسقاط حصرية السلاح بيد الدولة.
تسارع الأحداث سيؤدي إلى حسم الجدل مع “حزب الله”. وتشير التوقعات إلى أنّ التساهل مع “الحزب” في بقاء سلاحه يعني فتح الأبواب أمام عودة المنصات المجهولة التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه بسبب ازدواجية الامرة على السلاح. لكن الدولة التي بدأت مساراً تاريخياً منذ بداية العام الجاري لن تتراجع عن دورها الذي ينبثق عن مكونات الوطن على كل المستويات. وتسعى في الوقت الراهن إلى حصر حريق المنصات الذي تسبب بموجة جديدة من وتيرة الاعتداءات على لبنان انطلاقاً من “ذرائع مختلفة، كي ينفّذ العدو عشرات الغارات جنوب الليطاني وشماله وصولًا إلى البقاع، مُوقعًا شهداء وجرحى فضلًا عن التسبب بدمار كبير في الممتلكات”، وفق ما ورد في بيان مديرية التوجيه في قيادة الجيش أمس.
سيشهد لبنان من الآن فصاعداً تنامياً أكبر لدور الدولة في حماية لبنان في مواجهة العنف الإسرائيلي المفرط الذي يمضي نحو تطبيق قرار وقف إطلاق النار بأسلوبه الفظ الذي لا يأبه للخسائر التي تلحق بهذا الوطن جراء منصات “مجهولة” و”مقاومة” معلومة. وسيؤكد دور الدولة أنّ من سيبقى في الميدان أخيراً هو الشرعية وسلاحها وليس أيّ سلاح آخر.
وفي المقابل، تواصلت المواقف الإسرائيلية التي تنذر بحقبة جديدة من التعقيدات التي ترافق خطوات تنفيذ قرار وقف النار استناداً للقرارر 1701. وفي هذا السياق زعم وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين أنّ بلاده “اتخذت قراراً صحيحاً، وهو البقاء عند خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية، مشيراً إلى أنّ إسرائيل تشهد هجوماً قوياً للغاية على عدة موجات في لبنان نفسه”. وقال: “سأطلب من مجلس الوزراء مراجعة شاملة، وأعتقد أننا بحاجة إلى الرد ليس فقط في جنوب لبنان، وليس فقط في صور، بل في عمق لبنان وفي بيروت نفسها”.
لا يمكن التعامل مع التهديدات الإسرائيلية بالتجاهل أو خفض التقديرات لجديتها. وأعطت الحرب الأخيرة دروساً بما فيه الكفاية حول المدى الذي ستمضي إليه إسرائيل في عملياتها التي لم توفر في الشهور الماضية بيروت وضاحيتها الجنوبية والكثير من المناطق البعيدة عن الجنوب.
تلوح أخطر الاحتمالات من تكرار واقعة المنصات المجهولة، ولا مناص من المبادرة إلى وضع سلم داخلي كي ينزل “حزب الله” عن شجرة الأوهام التي تسلقها في جبهة الإسناد التي فتحها في 8 تشرين الأول 2023 ما أدى إلى حرب أطاحت بقيادته التاريخية وفي مقدمها الأمين العام السيد حسن نصرالله وسقوط آلاف القتلى والمصابين في صفوفه وضياع معظم قدراته.
ويقتضي الحديث عن “سلم” الكلام عمن سيبادر إلى وضعه. وتشخص الأنظار إلى الدولة التي ليس من طرف آخر غيرها سيتولى المهمة عاجلاً أم آجلاً.
أحمد عياش -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|