بعد مواقف سلام من سلاحه: أيّ خيارات لـ حزب الله؟
لا ريب في أن الحزب يقر بأن الضربات الإسرائيلية التي وُجّهت إليه كانت ضارية وفوق كل حساباته واحتمالاتها، لكن ما كان يحاول إنكاره هو أن تكون حرب الداخل عليه بهذه الشراسة وبهذه السرعة القياسية. فالحزب وفق أوساطه فوجئ بالمواقف التي أدلى بها رئيس الحكومة نواف سلام أخيرا لإحدى محطات التلفزة العربية المعروفة بعدائها الشرس للحزب وبأنها متخصصة بمهاجمته، وهي المواقف التي سرعان ما وجدت إسنادا واضحا من أعلى مرجعية سنية محلية. والمعلوم أن سلام قال في تلك الإطلالة على نحو حازم إن "معادلة الجيش والشعب والمقاومة" التي كانت السند القانوني التاريخي الذي اتكأ عليه الحزب منذ عقود لتشريع مقاومته قد انتهت إلى غير رجعة، وسقطت معها كل ما يتصل بها من أسانيد سياسية. ولم يكن يُتوقع أن يأتي يوم يبادر فيه وزير خارجية إلى اتهامه هو وليس إسرائيل، بالتملص من اتفاق وقف النار والمبادرة إلى خرقه.
وبناء على هذه الوقائع المتسارعة التي تبدو منتظمة، فإن الحزب قد تيقّن وفق مصادر على صلة به من أمر أساسي هو أن خصومه في الداخل والخارج يعملون ضمن مهلة زمنية محددة لمحاصرته والإجهاز عليه، واستطرادا تقويض كل توجهاته وحساباته وخياراته التي يمكنه من خلالها الاحتفاظ بدور سياسي أساسي كان له سابقا، وبجزء من ترسانته العسكرية ولو تحت عنوان أن جنوب الليطاني غير شماله.
وإذا كانت تلك المصادر ترى أن تلك الضغوط على رغم شراستها وتزايدها لن تدفع الحزب في وقت قريب إلى نزع سلاحه وتسريح مقاومته، فإن ذلك يعني أن المضي بها على هذا النحو المتصاعد هو جزء من عملية إيجاد الأرضيات الخصبة لزوم التطبيع، خصوصا أن الإدارة الأميركية تركز أشد التركيز على مسألة تأليف اللجان الثلاث لإدارة مسار مفاوضات لبنانية - إسرائيلية، ومن ضمنها لجنة من الديبلوماسيين.
وفي تقدير المصادر عينها أن نجاح هذا العرض الأميركي سيؤدي إلى أمرين: الأول اجتثاث ما قبله من اتفاقات بما فيها اتفاق الهدنة المبرم عام 1948، والثاني أنه سيجعل من احتفاظ الحزب بسلاحه كمن يقبض على الجمر، أي أنه سيجعله مهمة مستحيلة.
المتصلون بدوائر القرار في الحزب يخرجون بانطباع فحواه أن الحزب يضع على طاولة بحثه أن خصومه ربما يضعون في جدول أعمالهم إمكان تحويله يوما ما إلى "خارج القانون والإجماع"، ما يمهّد لتصادم محتمل بينه وبين الجيش، وهو خيار لوّح به العديد من خصومه وفي طليعتهم حزب "القوات اللبنانية".
وفي أوساط الحزب وبيئته من يعقد مقارنة بين تجربة محتملة كهذه وتجربة شهدها لبنان في مرحلة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي الواسع للبنان صيف عام 1982، سواء من حيث المقدمات أو من حيث المآلات، ليطلق في النهاية تحذيرات وسيلا من المخاوف والحسابات السلبية.
المعلوم أن تلك التجربة ابتدأت بحكم بني على نتائج الاجتياح وانتهت عمليا بما سمي لاحقا انتفاضة السادس من شباط عام 1948 بقيادة حركة "أمل" والجمهور الشيعي الغاضب من حكم الرئيس أمين الجميل.
وإذا كان قسم واسع من الجمهور الشيعي يستعيد في وجدانه تلك التجربة ويسعى إلى القياس بها والبناء عليها للانقضاض على أي حكم يعيد تلك التجربة، فإن خصومه يردون بأن ثمة عناصر وعوامل قد ساعدت على نجاح الانتفاضة في زمنها، انتهت الآن، إذ بات السنّة الذين كانوا شركاء على نحو ما في تلك الانتفاضة، على طرف نقيض اليوم، بل إنهم من يتصدون الآن لتنكب صريح لمهمة المطالبة بنزع سلاح الحزب بذريعة أن مهمة هذا السلاح قد انتهت وزمن المعادلة الثلاثية قد طوي، وهو ما شجع بطبيعة الحال الرئيس سلام على قول ما قاله أخيرا.
ابراهيم بيرم - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|