برّي: للمجلس أن يُشرّع في المهلة الدستورية
منذ اجتماعهما الثاني في الأول من تموز، ترَاوح شروط كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، حيال تأليف الحكومة، مكانها بلا أدنى تقدم أو تراجع من أحدهما نحو الآخر، أو تفاهمهما على حل وسط. مواصفات حكومة الرئيس المكلف تختلف عن مواصفات حكومة رئيس الجمهورية، إن لم تكن تناقضها، ما يجعل الاتفاق معدوماً. كلاهما كذلك يحسب سلفاً حساب ما بعد الشغور الرئاسي المحتمل، أكثر منه المهمة المنوطة بالحكومة حتى موعد انتخاب الرئيس الجديد. انقضاء الوقت بطريقة الانقطاع والقطيعة يعزّزان الاعتقاد بأن لا حكومة تخلف حكومة تصريف الأعمال. لكنهما يؤكدان المؤكد أيضاً أن ميقاتي سيخلف ميقاتي سواء انتُخب رئيس جديد أو ولجت البلاد في رابع شغور لمنصب رئيس الدولة.
ربما بسبب الشكوك في أن كمّاً كبيراً من المآزق السياسية والدستورية على وشك دقّ الأبواب، يتحضّر الأفرقاء من الآن للتكيّف مع المرحلة المقبلة. لم تعد الخيارات متاحة بالقدرالكافي لتدارك المآزق تلك التي يختلط السياسي فيها بالاقتصادي بالأمني، ويشق الطريق أمامها. مع ذلك يتصلّبون في شروطهم سواء في مواصفات حكومة لن تؤلف، أو في طريقة التعامل مع حكومة مستقيلة ستجرّب للمرة الأولى في تاريخ لبنان المستقل حالاً غير مسبوقة، لكنها غير مألوفة: أن يتولى ملء الفراغ مَن هو في الأصل في فراغ. بأن يناط بحكومة مستقيلة مقيّدة بنطاق ضيّق من تصريف الأعمال، بحسب المادة 64 من الدستور، تمثل مرحلة موقّتة وقصيرة إلى حين تأليف حكومة جديدة، ولا يمنحها الدستور فرصة الاجتهاد بنفسها لنفسها كي تعيش عمراً أطول، ولا يفسح لها في أن تجتهد كذلك في توسيع ما لم يسمح به، بل يلزمه وهو تصريف الأعمال المحصور والمقيّد.
في ما راح يشاع أخيراً، تحوّطاً لفراغ رئاسي محتمل أن تعذّر تأليف حكومة جديدة، يمكّن أهل الحل والربط من الاعتقاد أن في إمكان الحكومة المستقيلة الخروج على ما تقيّدها إياه المادة 64 بأن يصير إلى «مغط» النطاق الضيق لتصريف الأعمال، كما لو أنه يستعيد لها كل الصلاحيات الدستورية التي حرمتها إياها الاستقالة، مضافاً إليها انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إليها.
مجرد التفكير في «مغط» تصريف الأعمال إلى أوسع نطاق، يفضي حكماً إلى تعويم الحكومة المستقيلة كأنها لم تستقل. واقع الأمر أن المشكلة الأصعب في حكومة ميقاتي أنها لم تستقل بإرادة رئيسها كي تتراجع عن استقالتها بطريقة أو أخرى على نحو ما تجتهد فيه، بل عُدّت مستقيلة حكماً فور انتخاب برلمان جديد وبدء ولايته، وهو ما أوردته المادة 69.
إلى الآن، ما لم يحدث ما يعيد ترتيب المواقف والتواصل بين عون وميقاتي، لا تكهنات سوى في أن الحكومة المستقيلة هي الأمر الواقع المقبل، دونما أدنى اهتمام بتأليف حكومة جديدة للأسوأ المفترض وصوله.
ليس ذلك فحسب السجال الدستوري المرشّح شيوعه. على أبواب المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، بدءاً من الساعة الصفر من الأول من أيلول، يفترض تلاحق بضع خطوات ملزمة دستورياً: توجيه رئيس المجلس دعوة إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية يحدد لها زمان الجلسة. عدم توجيه الدعوة حتى 21 تشرين الأول، وهو اليوم العاشر الذي يسبق نهاية ولاية الرئيس الحالي، يلزم مجلس النواب الالتئام حكماً من دون دعوة من رئيسه الذي يفقد إذّاك حقه الدستوري بتوجيهها. ليس في تاريخ البرلمانات اللبنانية أن تردّد أيّ من رؤسائها المتعاقبين في استخدام الصلاحية الدستورية هذه، ولا سبب مبرّراً يحول دونها. في الغالب يقترن توجيه الدعوة وتحديد الجلسة الأولى بانقضاء الشهر الأول على المهلة الدستورية.
أما مصدر السجال المرجّح أن يحدث في المرحلة اللاحقة من بدء المهلة الدستورية، فيدور من حول الموعد الذي يتحول فيه مجلس النواب إلى هيئة انتخابية لا تملك أن تشترع، أو تعقد جلسة سوى انتخاب الرئيس.
ثمّة أكثر من وجهة نظر حيال هذا الجانب. في ما تنص عليه المادة 75 من الدستور، أن مجلس النواب الملتئم لانتخاب الرئيس يُعتبر هيئة انتخابية لا اشتراعية و«يترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر».
لرئيس البرلمان نبيه برّي وجهة نظر في ممارسته صلاحيته هذه، وهي أن المجلس الملتئم في الجلسة المحدّدة لانتخاب الرئيس يصبح هيئة انتخابية ليس له أن يشرّع أو أي عمل آخر. إلا أن ارفضاض الجلسة دون انتخاب الرئيس، سواء لعدم اكتمال النصاب القانوني أو صار إلى تعطيله في الدورة التالية للدورة الأولى، لا يحول في الغداة دون أن ينعقد البرلمان مجدداً في جلسة إقرار قوانين، مستعيداً دوره الاشتراعي كاملاً. تالياً بحسب برّي، تطبيقاً لما تنادي به المادة 75، مجلس النواب مقيّد بجدول أعمال انتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة المحددة لهذا الغرض فقط، ولا يمكن حرمانه الاشتراع في مرحلة ما قبل انعقادها، أو ما بعدها، إذا استمر تعذّر انتخاب رئيس الدولة، وإن من ضمن المهلة الدستورية.
مع أن لا سابقة في ما مضى أن التأمت الهيئة العمومية لمجلس النواب في جلسة اشتراعية في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، وقصرت إمرارها المهلة الدستورية على عقد جلسات انتخاب الرئيس، إلا أن ثمة وجهة نظر معاكسة تقول انسجاماً مع العرف السائد إن البرلمان يفقد حقه في التشريع ما إن يدخل في المهلة الدستورية. مبعث الخلاف على تفسير المادة 75 أسباب مختلفة قد يكون أبرزها أن البرلمانات المتعاقبة منذ الاستقلال لم تحتج مرة سوى إلى موعدين فقط لانتخاب الرئيس، كان يتم في ثانيهما، بينما انتُخب الرئيس ميشال سليمان عام 2008 في الجلسة الـ20، والرئيس ميشال عون عام 2016 في الجلسة الـ46. أضف عاملاً آخر يتداخل السياسي فيه بالدستوري كان أُثير جدياً إبان الشغور الرئاسي الأخير (2014 ـ 2016) عندما امتنعت كتل كبرى، معظمها مسيحية، عن المشاركة في جلسات اشتراع ما لم يسبقها ملء الشغور في منصب رئاسة الجمهورية.
نقولا ناصيف - الأخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|