الصحافة

أردوغان ينقض على المعارضة: ضربة معلم؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

"السياسي لا يُهزم إلا في صناديق الاقتراع، لا في أروقة المحاكم"، الصحافي التركي كمال أوزتورك.

يوم السبت الواقع فيه 29 آذار/مارس 2024، أُقيمت واحدة من أضخم المظاهرات التي شارك فيها مئات الآلاف من المواطنين الأتراك، من ضمنهم زوجة وأبناء عمدة اسطنبول الموقوف إكرام إمام أوغلو. وكانت آخر انتخابات بلدية في تركيا قد جرت في شهر آذار/مارس 2019، وانتهت بفوز أوغلو بمنصب رئيس بلدية إسطنبول بفارق خمسة عشر ألف صوت لمرشح حزب العدالة والتنمية، رئيس الوزراء التركي السابق، بن علي يلديريم. تم إلغاء النتيجة بزعم وجود تلاعب. فأُعيدت الانتخابات في شهر حزيران/ يونيو من العام نفسه وجاءت النتيجة مدوّية، إذ فاز إمام أوغلو بفارق 800 ألف صوت. وسجّل بذلك أكبر خسارة انتخابية في تاريخ حزب العدالة والتنمية.

تظاهرات غير مسبوقة
كلّ شيء بدأ يوم الأربعاء في 19 آذار/مارس، حين تم احتجاز إمام أوغلو بتهم "فساد" و"روابط مع منظمات إرهابية"، ما أدى ليس إلى اندلاع احتجاجات حاشدة فحسب، بل إلى تراجع حاد في قيمة الأصول التركية أيضًا. وهذا ما أجبر السلطات التركية على اتخاذ إجراءات طارئة لوقف التدهور المالي، شملت رفع سعر الفائدة الرئيسي في ليلة واحدة، والتدخل في سعر الصرف وحظر البيع على المكشوف للأسهم التركية. 

تفجرت مظاهرات لم تشهدها تركيا منذ عام 2013 حين برزت حركة "جيزي" التي بدأت باعتصام بسيط للدفاع عن الحفاظ على حديقة في إسطنبول. وتحت تأثير مظاهرات الربيع العربي المدوية، ما لبث لهذا الاعتصام أن توسّع تدريجياً لينضم إليه المعارضون وتحوّلت الاحتجاجات الشعبية من كبيرة إلى جماهيرية. وفي الواقع، تندرج هذه التحرّكات الشعبية التي قُمعت بشكل عنيف على يد العدالة والتنمية (AKP)، الحزب الحاكم آنذاك، في سياق الربيع العربي الذي يمكن القول إنّ تركيا اهتزت له أيضًا. واليوم، مع استعادة تحرّكات المعارضة زخمها، ما زالت أنقرة تعيش في ظل حكم الحزب نفسه. ومنذ صعود حركة "جيزي"، يرى النظام التركي أيّ تحرك جماهيري كتهديد: فقبل 12 عامًا، كان من شبه المستحيل التجمّع في الشوارع في تركيا. الاختلاف الرئيسي بين جيزي في العام 2013 والحركة الحالية هو أنّ الأولى كانت تتعلق بقضايا حضرية ونمط حياة مرتبط باليوميات، بينما الدافع الحالي هو سياسي بحت، يتشكّل حول رجل يجسد الأمل في التناوب السياسي، بحسب المعارضة التركية. وعلى الرغم من توقيفه بتهم الفساد وشبهة الإرهاب، سمّى حزب الشعب الجمهوري (CHP) يوم الأحد في 23 آذار/مارس إكرام أوغلو مرشحه للانتخابات الرئاسية للعام 2028.

أردوغان يقتنص الفرصة
اقتنص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحظة تناسب مصلحته للانقضاض على منافسه الأوّل على رئاسة الجمهورية. فشنّ هجومه في لحظة حاجة الكلّ إلى تركيا مستقرة وقوية وفاعلة، إذ:  

- تجري فيها مباحثات وقف النار بين روسيا وأوكرانيا، وتركيا لاعب أساسي فيها.

- تعيش أوروبا لحظة وهن نتيجة تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتحجيم الناتو وفرض رسوم جمركية وتظهير تقارب مع روسيا على حساب القارة العجوز.

- تواجه الصين تحشيدًا وتُعتبر تركيا لاعباً أساسياً على هذا المستوى. 

- تتعرّض إيران، الصديقة العدوة لتركيا، لتحشيد غربي بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل.

- يتزايد نفوذ تركيا في الإقليم، وبشكل خاص في سوريا، بالتنسيق مع واشنطن وربما موسكو، في آن واحد. 

إذن، تأتي التطورات التركية الداخلية في لحظة تركّز فيها القوى الكونية المؤثّرة على قضايا مختلفة، وفي هذه اللحظة الحرجة، اقتنص أردوغان الفرصة وانقض على خصمه. 

وعلى رغم تفجر تلك المظاهرات واحتمال استمرارها، غير أنّ أردوغان يراهن على فقدانها الزخم بحسب وكالة "بلومبرغ"، معتبرًا أنّ الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لتركيا تفوق المخاوف الغربية بشأن التراجع الديمقراطي في البلاد. ويعتمد الرئيس التركي على حاجة العالم إليه. وتأكيدًا على ما سبق من تحليل، فإنّ ردّ الفعل الدولي على التظاهرات الشعبية التركية الحاشدة ظلّ محدودًا، ما يعكس براغماتية غربية في التعامل مع الحدث. وبينما يستنكر القادة الغربيون قمع الحريات، تبقى المصالح الاستراتيجية العامل الحاسم في علاقتهم بأنقرة.

الموقف الأميركي: قلق حذر
قبل اندلاع المظاهرات وفي 16 آذار/مارس الجاري، تناول أردوغان وترامب، بشكل مفصّل العديد من القضايا الثنائية والإقليمية خلال محادثة هاتفية بينهما، تطرّق لها الممثّل الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في مقابلته مع الصحفي الأميركي تاكر كارلسون. واعتبر ويتكوف أنّ المحادثة كانت رائعة، وتابع :"أعتقد أن الرئيس (ترامب) تربطه علاقة بأردوغان، وهذا أمرٌ مهم، أعتقد أن الأمور ستسير على ما يُرام"، ليضيف: "هناك الكثير من الأخبار الإيجابية القادمة من تركيا". وكانت قناة "فوكس نيوز" الأميركية، قد أفادت نقلاً عن مصدرَين مطلعَين، أنّ ترامب منفتح على بيع تركيا مقاتلات "إف 35" مرة أخرى، وأنّه يدرس رفع العقوبات المفروضة على تركيا (بسبب منظومة إس 400 الروسية). ويوم ٢٧ آذار/مارس، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، للصحافيين على متن الطائرة أثناء عودته من رحلة إلى منطقة البحر الكاريبي، إنّه أعرب لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي زار واشنطن، عن مخاوف الولايات المتحدة بشأن الاحتجاجات والاعتقالات في تركيا بعد توقيف أوغلو. وأضاف روبيو: "نحن نشاهد نفس التقارير الإخبارية التي يشاهدها الجميع حول ما يحدث. بالتأكيد نشعر بالقلق إزاء هذه الاحتجاجات وبعض التقارير". وأوضح أنّ ترامب، خلال فترة ولايته الأولى، كانت له "علاقة عمل جيدة للغاية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، وأنّ واشنطن تريد استئناف ذلك والتعاون في عدد من القضايا، مشيرًا إلى رغبة الولايات المتحدة في التعاون مع تركيا بشأن سوريا وأماكن أخرى غيرها. وأضاف بومبيو: "نحن نراقب، وقد أعربنا عن قلقنا، ولا نحب أن نرى مثل هذا الاضطراب في أي دولة، خصوصاً عندما تكون حليفًا مقربًا". اكتفى الأميركي بالقلق إذن وركّز على المصالح الاستراتيجية مع تركيا أكثر. 

روسيا: صداقة معقّدة
تُعدّ تركيا ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا، إذ تعتمد على الغاز الروسي وشبكات البنوك الروسية، ويصل حجم التبادل التجاري بين البلدَين إلى أكثر من 60 مليار دولار سنويًا. تحسّنت العلاقات بين تركيا وروسيا بشكل كبير في عام 1995 عندما توقّفت موسكو عن دعم حزب العمال الكردستاني (PKK) وتوقّفت أنقرة عن دعم المتمرّدين الشيشان. وتعرّضت العلاقة مع روسيا لتقلّبات منذ ذلك الحين، لكنّها بقيت ذات طابع عملي بين البلدَين. وخلال حرب أوكرانيا، تطوّرت العلاقات بين البلدَين وفق القواعد نفسها، وحين سعت روسيا إلى السيطرة على الحضور في البحر الأسود واستولت على عدة موانئ أوكرانية، تأثّرت إمدادات الحبوب العالمية في العام 2022. لكن تركيا فاوضت ونجحت في الإفراج عن ملايين الأطنان من الحبوب وضمنت سلامة طرق الشحن عبر البحر الأسود من خلال تطبيق اتفاقية مونترو لعام 1936، التي منحتها السيطرة على الممرات البحرية بين البحر الأسود والبحر المتوسط (عبر مضيق البوسفور، وبحر مرمرة والدردنيل التي يمر من خلالها مئات الملايين من الأطنان من البضائع سنويًا).

وتركيا لم تشارك الغرب بفرض عقوبات على روسيا وأبقت على قنواتها التجارية مفتوحة، غير أنّها لم تعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، نتيجة إلى الأهمية الاستراتيجية والتاريخية للقرم بالنسبة لتركيا، حيث يقول أكثر من 5 ملايين تركي إنّهم من أصول تتارية قرمية. وفي الوقت عينه، تربط الرئيسَين أردوغان وفلاديمير بوتين علاقة شخصية قوية. ومع ذلك، فإن هذه "الصداقة" معقّدة بسبب دعم تركيا لأوكرانيا، حيث زوّدتها بطائرات بيرقدار TB2 المسيّرة، والمدافع الرشاشة الثقيلة، والصواريخ الموجهة بالليزر، وأنظمة الحرب الإلكترونية، والمركبات المدرعة والمعدات الواقية. أمّا بما يختص بحادثة توقيف إمام أوغلو، وهنا بيت القصيد، اعتبر الكرملين المسألة كلّها "شأن سيادي لتركيا".

خلدون الشريف - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا