رياض سلامة والمادة 108… الاعتقال الاحتياطي
تنص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني على أن التوقيف الاحتياطي محدد المدة، بحيث لا يجوز أن يتجاوز شهرين في الجنح، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط في حالات الضرورة القصوى، وستة أشهر في الجنايات مع إمكانية تجديده مرة واحدة بقرار معلَّل. تهدف هذه الضمانة القانونية إلى حماية مبدأ “قرينة البراءة”، المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه لبنان عام 1972، إضافة إلى المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تؤكد أن “كل شخص متهم بجريمة يُعتبر بريئًا إلى أن تثبت إدانته قانونًا”.
إلا أن الواقع في لبنان يُظهر صورة مختلفة تمامًا، حيث تتحول هذه المهل القانونية إلى مجرد نصوص غير مُلزمة، ويُحرم العديد من الموقوفين من حقهم في الدفاع، ما يضع القضاء في موقع المساءلة والمحاسبة.
رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان السابق، لا يزال منذ ما يقارب سبعة أشهر رهن التوقيف الاحتياطي في ملفين تجاوزت مدة التوقيف الاحتياطي فيهما المدة المنصوص عنها في القانون دون أي تبرير أو تمديد قانوني، رغم تقدّمه عبر وكيله القانوني بطلبات إخلاء سبيل لم يُبتَّ بها حتى الآن. هذا الأمر يشكل مخالفة صريحة للمادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تؤكد أن “التوقيف الاحتياطي ليس إجراءً عقابياً، بل وسيلة تهدف إلى تأمين سلامة التحقيق”. الأخطر أن قاضي التحقيق أنهى التحقيق في الملف، ومع ذلك، لم يُصدر قرارًا واضحًا بشأن وضعه القانوني، ما يجعل استمرار توقيفه لدى دائرة التحقيق في بيروت وجبل لبنان بمثابة احتجاز تعسفي، يتعارض مع القواعد الأساسية للعدالة وضمانات المحاكمة العادلة.
عندما يُحرم أي موقوف من حقه في تقديم طلب إخلاء سبيل، أو يُترك قيد التوقيف رغم تجاوز المدة القصوى التي يحددها القانون، فإن ذلك يُعدّ جرم احتجاز حرية، كما نصّت عليه المادة 367 من قانون العقوبات اللبناني، التي تُحمّل المسؤولية الجزائية لكل من يحتجز شخصًا دون مبرر قانوني. وتنص هذه المادة بوضوح على أن “كل موظف أوقف أو حبس شخصًا في غير الحالات التي ينص عليها القانون أو بغير الطريقة التي يحددها، يُعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات”. وفي حالة استمرار التوقيف دون قرار قضائي واضح، فإن ذلك يُصنَّف ضمن “التوقيف التعسفي”، الذي يُعاقب عليه القانونان اللبناني والدولي.
إن تجاوز القضاء للمهل القانونية، وحرمان الموقوف من حقه في تقديم طلب إخلاء سبيل أو البتّ فيه، لا يترك مجالًا للشك في وجود انتقائية في تطبيق القانون. صحيح أن القاضي يملك سلطة بدء التحقيق أو إنهائه وفقًا لتقديره القانوني، لكنه لا يملك بأي حال من الأحوال سلطة تجاوز القوانين أو حرمان الموقوفين من حقوقهم الأساسية.
المفارقة أن رياض سلامة غير قادر أساسًا على مغادرة لبنان، كونه خاضعًا لنشرة حمراء من الإنتربول، كما أنه لم يتهرب من القضاء، بل حضر طوعًا للتحقيق. ومع ذلك، لا يزال قيد التوقيف رغم انقضاء المهلة القانونية، ما يطرح تساؤلات جدية حول ما إذا كانت هذه القضية قانونية بحتة أم أنها أصبحت سياسية أو انتقامية.
وفي اتصال مع محامي رياض سلامة، مارك حبقة، أكد هذا الأخير أن التوقيف التعسفي بالشكل الحاصل يؤكد ما سبق وحذرت منه، بأن لا أحد يريد معرفة الحقيقة، بل يريدون كبش محرقة لتغطية حقائق كثيرة، حيث أخطأ رياض سلامة فليُحاكم، وحيث لم يخطئ فليُبرَّأ، إنما اعتقاله وتوقيفه احتياطًا بهذا الشكل هو استنكاف عن إحقاق الحق، وسوف يكون موضوع مراجعة قضائية من ضمن عدة خطوات سوف تُتخذ في ظل الصفحة القضائية التي تُفتح في لبنان، وفي ظل دولة العدالة التي نأمل بها، بعيدًا عن فائض القوة القضائية الذي تحكم منذ سنوات في الحياة اللبنانية.
القضاء اللبناني اليوم أمام اختبار مصداقية حقيقي. فإما أن يطبّق القوانين النافذة، أو يتحوّل إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية. قضية رياض سلامة ليست الوحيدة في هذا السياق، لكنها تُشكل نموذجًا صارخًا للانتهاكات القانونية في ملف التوقيف الاحتياطي. فهل نشهد تصحيحًا لهذه التجاوزات، أم أن القضاء اللبناني سيُثبت مرة أخرى أنه فوق المساءلة؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|