محليات

زيارة أورتاغوس إلى لبنان: واقع الدبلوماسية ومبالغات التوقعات

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تبدأ موفدة الإدارة الأميركية مورغان أورتاغوس زيارتها الرسمية إلى لبنان صباح غد السبت، في محطة تحمل أهمية سياسية وإعلامية لافتة، إذ ستلتقي كلاً من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، ووزير الخارجية جو رجي.

لكن هذه الزيارة، ورغم ما تحمله من رمزية واهتمام، تحاط بجملة من التوقعات والتكهنات المبالغ فيها، والتي لا تعكس بدقة حقيقة المواقف اللبنانية أو طبيعة الأجندة الواقعية المطروحة على طاولة الحوار.

فمنذ الإعلان عن الزيارة، تكاثرت التحليلات التي تتحدث عن "ضغوط أميركية غير مسبوقة"، أو عن "مبادرة شاملة لتسوية كبرى" تبدأ بملف الجنوب ولا تنتهي عند حدود مفاوضات سياسية تفضي الى التطبيع مع اسرائيل. غير أن الوقائع تشير بوضوح إلى أن لبنان الرسمي، بجميع مكوناته، يتعاطى مع هذه الزيارة من موقع وطني جامع، يقوم على تثبيت الموقف اللبناني الموحد بوجوب إلزام إسرائيل بتنفيذ ورقة الالتزامات الدولية والقرار 1701، والانسحاب الفوري إلى خلف الخط الأزرق دون أي اجتهاد أو تحايل.

لبنان، الذي التزم بكل بنود القرار الأممي منذ صدوره عام 2006،  وبورقة الالتزامات في ما خص جعل منطقة جنوب الليطاني خالية من اي سلاح غير شرعي، لا يزال يطالب المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا بصفتيهما الراعيتين الأساسيتين للإتفاق الذي افضى الى وقف الاعمال العدائية، بالضغط الجدي لوقف الانتهاكات الإسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية، ولإزالة النقاط المتنازع عليها التي تُستخدم ذريعة لتأجيل أي تقدم في تثبيت الحدود البرية. فالموقف اللبناني الرسمي لا يطلب أكثر من تطبيق القرارات الدولية كما هي، من دون تعديل أو شروط سياسية مضافة، خصوصاً أن الجيش اللبناني، المدعوم من الشعب ومؤسسات الدولة، هو الطرف الشرعي الوحيد المؤتمن على الأمن في الجنوب وفي كل لبنان.

وما من شك أن الجانب الأميركي يعرف جيداً أن ملف الحدود البرية مع فلسطين المحتلة لا يمكن أن يشهد انفراجاً حقيقياً قبل أن تقوم إسرائيل بخطوة أولى تثبت نيتها الفعلية في التفاوض، تبدأ بانسحاب واضح وغير منقوص إلى ما بعد الخط الأزرق، وهي النقطة التي سيُبنى عليها أي حوار لاحق يخص الحدود البرية بشكل دائم ونهائي. أما ما يُروَّج عن معادلات تربط الانسحاب بنزع السلاح على كامل مساحة لبنان، فهو خارج سياق النقاش الحالي، لأن لبنان موحد حول حصرية السلاح وقرار الحرب بيد الدولة، لكنه في المقابل يرفض أن تكون هذه الحصرية مجرد عنوان يُستخدم لتبرير انتهاك السيادة أو التخلي عن الحق في الدفاع المشروع.

وإذ يدرك لبنان حجم التحديات الإقليمية والدولية، فإنه يستعد للمرحلة المقبلة بإطلاق حوار وطني شامل وجدّي، هدفه وضع خارطة طريق متكاملة لتطبيق القرارات الدولية وتوحيد القرار الدفاعي، انطلاقاً من واقع لبناني داخلي لا يمكن تجاهله، ومن حاجة ملحّة لضمان الاستقرار في الجنوب وفي كل الجغرافيا اللبنانية. هذا الحوار، رغم صعوبته، سيكون بسقف زمني محدد وغير مفتوح، منعاً لمزيد من المماطلة، وحرصاً على أن تكون الدولة وحدها المرجعية في كل ما يتصل بمسائل الأمن والسيادة.

من هنا، فإن زيارة أورتاغوس، مهما بلغ حجم التوقعات المحيطة بها، يجب أن تُقرأ ضمن هذا الإطار الواقعي، الذي يُراعي ثوابت الموقف اللبناني أكثر مما يلهث خلف أوهام التسويات السريعة أو الضغوط الظرفية. فلبنان، رغم كل أزماته، لا يزال قادراً على فرض منطقه السياسي والدستوري، متى توفرت الإرادة الوطنية الجامعة، وهو ما بدأت تتشكل معالمه تباعاً في ظل لحظة سياسية دقيقة تفرض على الجميع تغليب منطق الدولة على أي حساب آخر.

داود رمال – "اخبار اليوم"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا