الصحافة

من دسّ السمّ في مشروع إصلاح المصارف؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ينصّ التعديل الذي طرأ على مشروع قانون إصلاح المصارف قبيل جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي، على تغيير جذري في تركيبة الهيئة المصرفية المسؤولة عن إصلاح المصارف، بالإضافة إلى المادة التي تنصّ على أن القانون يصبح نافذاً لدى إقراره بدلاً من أن يقرّ ويكون جاهزاً إلى حين صياغة وإقرار قانون حلّ الفجوة المالية ليتماشى معه، كما كان وارداً في نسخة 27 آذار، وهنا بيت القصيد.

الفارق بين المشروع الاول (نسخة 27 آذار) والمشروع الثاني (نسخة 2 نيسان) أن اسم الهيئة في المشروع الأول كان "هيئة إصلاح المصارف" مؤلفة من 8 أعضاء، وأصبح في المشروع الثاني "الهيئة المصرفية العليا" من 6 أعضاء.

بقي حاكم مصرف لبنان في المشروعين رئيس الهيئة. أما ممثلو مصرف لبنان فكانوا في المشروع الأول يتألفون من الحاكم و4 نواب له، وأصبحوا في المشروع الثاني يتألفون من الحاكم ونائب واحد له يتم اختياره من قبل المجلس المركزي. لم يكن هناك من ممثل للجنة الرقابة على المصارف في الهيئة. كذلك الأمر بالنسبة لممثل المؤسسة الوطنية لضمان الودائع الذي لم يكن موجوداً وأصبح رئيس المؤسسة الذي يمثلها في الهيئة. أما الخبراء المستقلون فكان عددهم 3 وأصبحوا 2 بعد شطب الخبير الاقتصادي والإبقاء على خبير قانوني وخبير إما مصرفي أو اقتصادي. وبالنسبة لكيفية تعيين هؤلاء الخبراء، كان المشروع الأول ينص على تعيينهم بمرسوم في مجلس الوزراء وفقاً للأسماء التي يقترحها حاكم مصرف لبنان ونوابه، وأصبح التعيين وفقاً لأسماء يقترحها وزراء العدل والمالية. كما تم تعديل سنوات خبرة هؤلاء الخبراء المطلوبة من 20 إلى 10 سنوات.

أما بالنسبة لآلية اتخاذ القرارات في الهيئة، فقد نصّ المشروع الأول على ضرورة الحصول على أصوات 6 من 8 أعضاء، والمشروع الثاني على 4 من أصل 6 أصوات، وإذا تساوت الأصوات يعتبر صوت الحاكم هو كلمة الفصل.

كما تم التعديل في موضوع استقلالية الخبراء لعدم تضارب المصالح في ما يتعلّق بعدم كونهم ينتمون إلى أي منصب مصرفي منذ أكثر من عامين أو 5 و10 سنوات. وبما أن الهيئة المصرفية العليا تمتلك صلاحيات فضفاضة جداً، وتكاد تكون مُطلقة، وسيكون لقراراتها عواقب وخيمة على أشخاص وكيانات كثر، من البديهي في هذه الحالة أن يكون المطلوب هو أن تكون هناك ثقة في مهنية وحيادية الهيئة. والأفضل، إقرار آلية طعن منطقية بقرارات الهيئة، لضمان عدم وقوع ظلم أو كوارث لا يمكن إصلاح أضرارها.

المشكلة الحقيقية

لكن هذه التعديلات في تركيبة الهيئة ليست المشكلة الحقيقية التي تستدعي نشوب معارك حولها. تكمن الأزمة الفعلية في المادة 37، والتي باتت تنصّ، في النسخة الأخيرة (2 نيسان) أن يصبح القانون نافذاً عند إقراره. هذا التغيير الجذري يتيح للهيئة المصرفية العليا تصفية أي مصرف لا تراه قادراً على الاستمرار بعد احتساب ودائعه لدى مصرف لبنان ولو دفترياً. هنا تبدو الكارثة الحقيقية، حيث أن إصدار أحكام بإغلاق مصارف قبل قانون توزيع المسؤوليات ومعالجة الفجوة المالية، سيؤدي أولاً إلى خسارة مودعي هذه المصارف لأموالهم قبل إقرار الحل الشامل. ويعني ثانياً، القضاء على عدد كبير من المصارف بدلاً من إنقاذها، والفرق كبير بين تطبيق معايير الاستمرارية على المصارف قبل أو بعد خطة التعافي. قبل الخطة، لن يكون هناك أي مساهم مستعد لضخ أموال لإنقاذ المصرف، طالما أن الرؤية غامضة، ولا يعرف كيف سيكون الحل. في حين، إذا كانت خطة التعافي قد صدرت وأصبحت الرؤية واضحة لجهة توزيع الخسائر وكيفية سد الفجوة المالية، في هذه الحالة، سيكون هناك مساهمون جاهزون لضخ الأموال لضمان استمراراية المصرف. مع الإشارة إلى أن الحكم على أي مصرف بالتصفية من دون وجود خطة لردّ الودائع، يعني فعلياً الحكم على مودعيه وأموالهم، وتحويله إلى مؤسسة ضمان الودائع التي لن تعوّضه سوى بـ 75 مليون ليرة (حوالى 840 دولاراً). فهل هذا هو المطلوب لتصغير حجم الودائع التي ينبغي ردها، وبهذه الطريقة تكون الحكومة قد عادت إلى نمط شطب الودائع بالمواربة، ومن دون تسمية ما تفعله بالشطب. التغيير الجذري الذي حصل، والذي يدّعي البعض أنه مجرد تفصيل بسيط، هو بمثابة دسّ السم في الدسم.

تركيبة الهيئة المصرفية

في هذا الإطار، أوضح المستشار المالي مايك عازار أن مشروع القانون المُحدّث يضعف تمثيل مصرف لبنان من خلال إزالة ثلاثة نواب لمحافظ مصرف لبنان من اللجنة، وإضافة رئيس لجنة الرقابة على المصارف ورئيس مؤسسة ضمان الودائع. كما ويولي الوزراء مهمّة ترشيح الخبراء المستقلين في اللجنة، وليس لمصرف لبنان.

وهنا تطرح مصادر مراقبة علامات استفهام حول الجهة التي قد تكون راغبة في إضعاف موقع حاكمية مصرف لبنان. وهذا التساؤل يقود إلى تساؤل آخر: هل لهذا التوجّه علاقة بموقف رئيس الحكومة نواف سلام من الحاكم الجديد؟

في عودة إلى تركيبة الهيئة، اعتبر عازار أن هناك غموضاً يحيط بأحكام التصويت/إتخاذ القرار. ليس من الواضح ما إذا كانت مسودة نيسان تشترط أربعة أصوات مؤيدة كحد أدنى لإقرار القرار، أم مجرد أغلبية لا تقل عن أربعة أعضاء حاضرين.

يبدو أن النص يشير إلى الخيار الأول. ولكن إذا كان الحد الأدنى المطلوب أربعة أصوات، فسيكون التعادل مستحيلاً، على الرغم من أن المسودة تتضمن أحكاماً لكسر التعادل.

وأشار إلى أن مسودة نيسان تعرّف استقلالية الخبراء أو منع وجود تضارب في المصالح، بأن لا يكونوا مساهمين أو أعضاء في مجلس إدارة أو مدراء تنفيذيين... في بنك خلال العامين السابقين، مقارنةً بـ 10 سنوات سابقة في مسودة آذار، معتبراً أن هناك بعض الغموض في هذه النقطة وأن مدة العامين تبدو قصيرة جداً ولا تكفي للحد من تضارب المصالح. علماً أنه يُشترط أيضاً ألا يكون المتقدم مودعاً كبيراً أو مقترضاً أو قريباً لمساهم في البنك أو عضواً في مجلس إدارته، وما إلى ذلك.

قال: يبدو أن هناك تناقضاً في كيفية تعريف مشروع القانون لـ "تضارب المصالح"، حيث ينص في أحد الأماكن على أن عضو الهيئة يجب أن يعلن عن علاقته بأي بنك خلال العامين الماضيين، ولكنه يحدد أيضاً خبرته في المجال بمدة عشر سنوات كمعيار للاستقلال.

ورأى عازار أن تحديد مدّة سنتين لا يكفي للقضاء على تضارب المصالح، لأن مشروع قانون إعادة الهيكلة نفسه يعتمد على مراجعة خمس سنوات لتحديد المسؤولية الجنائية والمدنية لأعضاء مجلس الإدارة، وكبار المديرين، والمفوضين بالتوقيع، والمدققين الخارجيين، وغيرهم. وقال: لذا، قد يصوّت عضو في هيئة إعادة هيكلة البنك على مسائل قد تؤدي إلى محاكمته جنائياً. وهو أمر غير منطقيّ!

وحذّر من أن هذا القانون سيلغي القوانين الأخرى. وبالتالي إذا كانت الفكرة في حصر جميع المسؤوليات الجنائية والمدنية بالسنوات الخمس الأخيرة فقط، وتجاهل كل ما حدث قبل ذلك، فعلى الحكومة أن تُبلغ الجميع أن هذا هو المقصود. معتبراً  أن متطلبات الإفصاح والشفافية المتعلقة بكيفية اتخاذ القرارات في الهيئة المصرفية العليا المعنيّة، بحاجة إلى مزيد من التعزيزات. كما يجب فرض عقوبات جنائية صارمة على أي انتهاكات للحوكمة، بما في ذلك تقديم إقرارات "عدم وجود تضارب في المصالح" كاذبة أو ناقصة.

أضاف: ليس لدينا رقابة خارجية كافية على عمل الهيئة المصرفية العليا. ليس لدينا مفتش عام، كما هو الحال في دول أخرى. وبما أن الهيئة المصرفية هي لجنة بالغة الصلاحيات. يجب على أقل تقدير، أن تُطالب بمستوى أعلى من الشفافية في عملها خلال هذه الفترة الاستثنائية حتى يطمئن الجميع إلى أنها تعمل باحترافية. لا داعي للسرية نظراً لطبيعة هذا العمل.

تجدر الإشارة إلى أن صلاحيات الهيئة تشمل: تصفية البنوك، إزالة أعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا، تعيين أعضاء مجلس الإدارة وكبار المديرين، وإلزام البنك بالتخلص من الأصول، وإلزامه بإجراء تغييرات على الهياكل القانونية أو التشغيلية للبنك بما في ذلك هيكل الملكية، وتغيير الديون والالتزامات الأخرى (بما في ذلك الودائع) للبنك، وإصدار تعليمات بتعليق دفع أي أرباح، واستعادة المكافآت المتغيرة المفرطة والأرباح من المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة وكبار المديرين في البنك قيد الحل، وما إلى ذلك.

كما لفت عازار إلى ضرورة عدم المس في قدرة لجنة الرقابة على المصارف، على أداء هذا العمل باحترافية واستقلالية، يجب ضمان تمويلها واستقلاليتها التشغيلية. يُعد هذا الأمر بمثابة رقابة مهمة على صلاحيات الهيئة المصرفية حيث يجب تبرير أي انحراف عن توصية لجنة الرقابة بشكل صريح.

وفي الختام، أكّد عازار أن كثيرين يعتبرون أن عدم خضوع قرارات الهيئة المصرفية العليا للطعن القضائي أمرٌ مثيرٌ للجدل. لكن الهدف من ذلك، قد  يكون تجنّب سنوات من الدعاوى القضائية والاستئنافات...

لكن مصدراً مالياً يقول في هذا السياق، إنه لا يجوز منع حق الطعن القضائي بذريعة عدم تضييع الوقت، في قضايا مصيرية بهذا الحجم. والحل يكون بتشكيل محاكم خاصة قادرة على قبول الطعون والبتّ بها في فترة زمنية قصيرة.

في الختام، يشدد عازار على ضرورة دراسة متطلبات الحوكمة والإفصاح عن المعلومات بعناية. لافتاً إلى أن القانون المُصاحب (أي قانون حلّ الفجوة المالية) سيحمل المزيد من التفاصيل المهمة والنقاط المالية، "هذا القانون وحده لا يُحدث فرقاً كبيراً. تنفيذه مرهون بقانون حلّ الفجوة، ما لم تُفوض الحكومة مصرف لبنان وحده بهذه القرارات".

رنى سعرتي-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا