انخفاض أسعار الخام يهدد إنتاج النفط الصخري الأميركي
على رغم ارتفاع أسعار النفط في آخر جلسات تعاملات الأسبوع الجمعة بنسبة واحد في المئة تقريباً، فإنها أنهت الأسبوع على انخفاض في المتوسط.
وهذا ثاني أسبوع من التراجع في أسعار النفط، إثر اضطراب الأسواق عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرارات فرض التعريفة الجمركية على شركاء بلاده، التي عاد وعلق تنفيذها لمدة ثلاثة أشهر بعد أسبوع من إعلانها.
لم يكن قرار تعليق فرض التعريفة الجمركية المحرك الأساس لسوق النفط، إذ إن الأسواق تظل في اضطراب وكل المخاوف من التباطؤ الاقتصادي كما هي، إنما ارتفعت الأسعار وسط توقعات بغياب إنتاج النفط الإيراني مع تصاعد التهديدات بالعقوبات الأشد وربما الحرب عشية بدء مفاوضات بين طهران وواشنطن في سلطنة عمان، إضافة إلى تراجع سعر صرف الدولار الأميركي، إذ تتناسب أسعار النفط والسلع الأخرى المقيمة بالدولار عكسياً مع قيمة العملة الأميركية.
كل ما فعله ارتفاع الأسعار الجمعة هو أن جعل نسبة التراجع الأسبوعي في المتوسط تقل عن أربعة في المئة وتصل إلى نحو ثلاثة في المئة، وهو تراجع يظل أقل بكثير من هبوط الأسعار في الأسبوع السابق الذي وصل إلى نسبة 11 في المئة، ويظل خام "برنت" القياسي أقل قليلاً من حاجز 65 دولاراً للبرميل بينما سعر الخام الأميركي (مزيج غرب تكساس) فوق حاجز 60 دولاراً بقليل.
في ظل استمرار التوقعات السلبية للأسواق عامة، وسوق النفط بصورة خاصة، فإن مستويات الأسعار الحالية تمثل تحدياً هائلاً لشركات الطاقة الأميركية، خصوصاً شركات النفط الصخري بما يهدد بتوقف بعضها عن الإنتاج.
معضلة النفط الصخري
حسب معظم تقديرات مؤسسات الاستثمار وشركات الاستشارات فإن المستوى الأدنى من أسعار النفط لشركات الطاقة كي تستمر عملياتها من دون خسائر هو عند نطاق 65 دولاراً.
ويعني هبوط السعر عن ذلك أن الشركات ليست فحسب لا تحقق هامش ربح يسمح لها بالعمل وإنما قد تتعرض لخسائر، يصبح الأمر معضلة كبرى لشركات النفط الصخري، إذ إن كلفة التشغيل والإنتاج أعلى، بحسب تحليل لموقع "أويل برايس دوت كوم".
نتيجة الحرب التجارية التي بدأتها الإدارة الأميركية عدلت معظم المؤسسات التي تراقب أسواق الطاقة توقعاتها لنمو الطلب على النفط مع زيادة احتمالات التباطؤ الاقتصادي العالمي وربما الركود.
تزامن ذلك مع قرار تحالف "أوبك+" ضخ مزيد من النفط في السوق بتخفيف قيود خفض الإنتاج بأكثر من 400 ألف برميل يومياً، ومع توفر مزيد من المعروض النفطي في السوق وانخفاض الطلب يزيد الضغط على الأسعار نزولاً.
لذا يحذر رؤساء شركات النفط الصخري من أن القطاع يواجه أخطر تهديد له منذ أعوام، ونقلت عن بعضهم صحيفة "فايننشيال تايمز" في تقرير لها، ذلك في وقت تسعى إدارة الرئيس ترمب إلى هيمنة الولايات المتحدة على سوق النفط العالمية بزيادة الإنتاج والتصدير.
وتنتج أميركا حالياً بمعدل 13 مليون برميل يومياً تقريباً، بحسب أرقام العام الماضي 2024، وتصدر أكثر من 4 ملايين برميل يومياً معظمها لآسيا وأوروبا.
كان القدر الأكبر من زيادة الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة جاء من إنتاج النفط الصخري، إلا أن ذلك الإنتاج أخذ في التراجع في الأعوام الأخيرة وحتى قبل انهيار الأسعار وقت أزمة وباء كورونا عام 2020، التي أدت إلى إفلاس كثير من شركات النفط الصخري الصغرى، واستحواذ شركات الطاقة الكبرى على عدد من تلك الشركات المتعثرة.
قلق في أحواض تكساس
يعد حوض "برميان" بولاية تكساس أكبر مناطق إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة، وربما في العالم، حيث العدد الأكبر من منصات الإنتاج.
وكان الحوض المسؤول عن أكبر زيادة في إنتاج النفط الأميركي في العقدين الماضيين قد شهد تراجعاً في الإنتاج منذ أزمة وباء كورونا، ليس فقط لهبوط الأسعار وعدم كفاءة عمليات الإنتاج مالياً وإنما لأن الاحتياط يقل بشدة مما يجعل كلفة الإنتاج بتفتيت الصخور أعلى.
في تصريحات إلى صحيفة "فايننشيال تايمز" يقول رئيس شركة "لاتيغو بتروليم"، ومقرها في أوديسا بتكساس كيرك إدواردز إن "الوضع الحالي يذكرني تماماً بما حدث وقت كوفيد، ونواجه أخطاراً مزدوجة مجدداً"، وأضاف أنه إذا لم تتعاف أسعار النفط في غضون الشهرين المقبلين فستكون هناك "أحداث مدمرة" في حوض برميان.
أما أندي دي لا روزا، الذي يعمل في شركة "أندر دوغ واير لاين" لخدمات حقول الإنتاج في ميدلاند المجاورة لأوديسا، فيقول إن "هناك قلقاً متزايداً في حوض برميان".
ويقارن بين الوضع الحالي وما حدث قبل نحو 10 أعوام مع زيادة الإنتاج الأميركي وحدوث تخمة معروض في سوق النفط العالمية أدت إلى هبوط الأسعار.
وأضاف دي لا روزا أن "وصول الأسعار إلى حاجز 50 دولاراً للبرميل يثير القلق الشديد، هذا يذكرني بعام 2015 عندما انهارت الأسعار، فهناك كثير من أوجه الشبه بالنسبة إليَّ، وأخشى بشدة من حدوث تخمة معروض نفطي في السوق"، قائلاً "في النهاية سيُسرح مزيد من العاملين ويفقد الناس وظائفهم".
الإشارة إلى حاجز 50 دولاراً لبرميل النفط من الخام الأميركي هو السعر الذي تفضله الإدارة الأميركية، لأنه يخفض أسعار الوقود من مشتقات البترول في محطات البنزين الأميركية، ويعتبر ذلك واحداً من الإنجازات التي يرغب فيها الرئيس ترمب.
جانب الاستثمار
لا يقتصر القلق على شركات إنتاج النفط الصخري إنما يمتد أيضاً إلى أسواق رأس المال التي تستثمر في شركات الطاقة، ويقول كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "سميد كابيتال مانجمنت" التي تملك أسهماً في عدد من شركات النفط الصخري بيل سميد إن "فرض التعريفة الجمركية أدى إلى فوضى مزرية، زادت من خطر إبعاد المستثمرين عن قطاع النفط والغاز"، وأضاف سميد "يرغب ترمب في خفض أسعار النفط إلى 50 دولاراً للبرميل، وسيعني ذلك تدهور نصف الشركات العاملة في هذه الصناعة، وستؤدي أسعار النفط المنخفضة إلى عمليات استحواذ من الشركات الكبرى على الشركات الصغرى المتعثرة".
حتى على رغم تعليق الرئيس ترمب تنفيذ قرارات فرض التعريفة الجمركية لمدة 90 يوماً، فإنه استثنى الصين وضاعف من رسوم التعريفة الجمركية عليها، فردت بكين بالمثل لتصبح رسوم التعريفة الجمركية عند نسبة 125 في المئة مساوية لما فرضه ترمب عليها، وبما أن الصين من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم فإن وارداتها من النفط تشكل النسبة الكبرى من نمو الطلب العالمي على الخام.
وعن ذلك، قال بيل فارين برايس من معهد "أوكسفورد" لدراسات الطاقة إنه "كانت هناك كثير من التوقعات لنمو الطلب على النفط هذا العام، أظن أنها كلها أصبحت في خبر كان".
تقدر شركة "رايستاد" إنيرجي لاستشارات الطاقة أن زيادة الإنتاج من قبل تحالف "أوبك+" تشير إلى حرص المنتجين في التحالف على استعادة نصيب أكبر من سوق النفط بما ينال من الهيمنة الأميركية، وبحسب تقديرات "غلوبال كوموديتي إنسايتس" التابعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" فإن هبوط سعر الخام الأميركي نحو حاجز 50 دولاراً للبرميل يمكن أن يخفض إنتاج الولايات المتحدة من النفط بأكثر من مليون برميل يومياً، وسيعني ذلك تبخر آمال الإدارة الأميركية في الهيمنة على سوق الطاقة العالمية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|