مجلس الإنماء والإعمار: تحديات المهام والتمويل توجب الإصلاح
يعيش لبنان أجواء الذكرى الخمسين للحرب الأهلية إلى جانب تداعيات الحرب الإسرائيلية المدمِّرة. وبين الحربين صلات كثيرة مشتركة، أبرزها إعادة الإعمار، لما يحمله ذلك من حاجة ملحّة للإنقاذ وضرورة استعادة اللبنانيين لحياتهم الطبيعية في ظل بلدٍ ومؤسسات فاعلة وخدمات تلبّي حاجاتهم.
ولأنّ عملية إعادة الإعمار تُطرَح أيضاً وسط أزمة اقتصادية ومسار إصلاحات مطلوب بضغط دوليّ، تزداد الحاجة إلى خطة شاملة مدعومة بقرار سياسي حازم تجاه عدم استغلال العملية في البازار السياسي. ولأنّ مشاريع إعادة الإعمار تستوجب المرور بقناة مجلس الإنماء والإعمار، فالمسار الإصلاحي لا يجب أن يحيد عن هذه المؤسسة، بدءاً من مسألة تعيينات الشغور في إدارة المجلس، مروراً بمنع تحاصص المشاريع المنتَظَرة واستغلالها لتعزيز النفوذ الحزبي والمناطقي للمنظومة الحاكمة. لكن الإصرار الدولي على الإصلاح، يعطي بعض التفاؤل حيال تلك المشاريع، ومع ذلك، بين الإصرار على الإصلاحات وواقع نفوذ المنظومة الحاكمة، يصبح السؤال مشروعاً حول قدرة المجلس على قيادة عملية إعادة الإعمار.
ولادة في الحرب
أُنشئ مجلس الإنماء والإعمار في 31 كانون الثاني 1977، أي بعد نحو سنتين على بداية الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975. وجاء التأسيس في ظل تفكّك مؤسسات الدولة، ليعكس سعي الدول الصديقة والجهات المانحة، لدعم عملية إعادة الإعمار، فضلاً عن الحاجة لإيجاد مؤسسة مستقلة قادرة على تولّي العملية. فكانت المهام الأساسية للمجلس، وضع خطة وجدول زمني لإعادة الإعمار والتنمية، وضمان تمويل المشاريع من خلال التعاون مع الجهات المانحة، والإشراف على تنفيذ تلك المشاريع.
مرَّ المجلس بمحطّات كثيرة عكست مسار البلد في الحرب والسلم الأهليَين، وبينهما الاعتداءات الاسرائيلية، لا سيّما خلال حرب تموز 2006. واستقرّت الأحوال الإدارية للمجلس الذي يترأّسه حالياً سمير الجسر، على شغور في وظائفه الإدارية والفنية بما يفوق الـ60 بالمئة. وهذا الشغور يقوِّض القدرة على تنفيذ المشاريع، ويفتح على المجهول عملية إعادة الإعمار المطلوبة بعد الحرب الإسرائيلية، خصوصاً في ظل الحاجة لتمويل العملية من جهات دولية، في مقدّمها البنك الدولي الذي أعلن استعداده لتقديم قرض بقيمة 250 مليون دولار لإعادة إعمار البنى التحتية في لبنان. لكن تقديم التمويل بقي مشروطاً بالإصلاحات وحسن إدارة العملية. على أنّ الإصلاحات في البنية الإدارية للمجلس، لن تكون مقبولة إن حصلت بطريقة شكلية ولم تتحوّل إلى تغيير فعلي ينعكس بتنفيذ المشاريع على أرض الواقع.
الانغماس في الفساد
ارتبط اسم مجلس الإنماء والإعمار بالفساد منذ انتهاء الحرب الأهلية وحتى اللحظة. ورغم محاولات أقطاب المنظومة تجميل بعض مراحل سيطرتها، عبر إطلاق صفات الإصلاح والتغيير والتجديد بعد كل استحقاق رئاسي أو انتخابي، تأتي النتائج معاكسة. فمشاريع الطرقات والكهرباء والصرف الصحي والنفايات والجسور، والكثير من التلزيمات التي أهدرت المال العام، مرَّت عبر هذه المؤسسة العامة التي ترتبط مباشرة بمجلس الوزراء الذي بدوره يمثّل الذراع التنفيذية للمنظومة. وعليه، فإن الحديث عن الإصلاحات كمدخل للحصول على التمويل المطلوب، يعني تجاوز عقبة التعيينات بصورة شفّافة وقانونية.
وفي هذا الإطار، دعت الحكومة ومجلس الإنماء والإعمار، اللبنانيين الذين تنطبق عليهم الشروط، إلى تقديم طلباتهم لملء مراكز رئيس وأعضاء مجلس الإدارة في المجلس، ووظيفة مفوض الحكومة لدى هذا المجلس. ويأتي ذلك "كجزء من المبادرات الإصلاحية لإقامة نظام توظيف حديث للقيادات العليا في القطاع العام"، كما ورد في بيان للمجلس، في آذار الماضي.
ولذلك، أمام المنظومة الحاكمة استحقاق ملء الفراغ في المراكز الإدارية، لتعطي مؤشّراً إيجابياً على أنّ المجلس مستعدّ إدارياً لقيادة عملية إعادة الإعمار. ورغم ذلك، على البنك الدولي والجهات المانحة عدم إغفال ملفات الفساد المرتبطة بمشاريع المجلس، إذ لا يكفي الاستناد إلى ملء الشغور للقول أنّ الأمور انتظمت في كل ما يخصّ المجلس، ما يستوجب التشدّد في ضبط عملية تمويل مشاريع إعادة الإعمار ومراقبة تنفيذها من قِبَل المجلس.
فرصة لاستعادة الدور
بحسب ما نُشِر على الموقع الإلكتروني للمجلس، فإنّه "في نهاية العام 1976، رأت الحكومة أنه من الضروري إنشاء هيئة عامة جديدة من شأنها أن تكون قادرة على تحمّل المهمّة الهائلة المتمثلة في إعادة إعمار لبنان... وخلافاً لغيره من السلطات، هو (المجلس) مؤسسة مستقلة لديه صلاحيات موسّعة ويخضع مباشرة لمجلس الوزراء عن طريق رئيس مجلس الوزراء، الأمر الذي مكّنه من تفادي الروتين في الأمور الإدارية التي جرى التوقّف عن اتّباعها من أجل تسريع عملية إعادة البناء وإتاحة الوقت اللازم لإعادة إحياء وبناء المؤسسات العامة التي تم تدميرها خلال الأحداث". هذا التعريف يعني أنّ المجلس في ظلّ طرح إعادة إعمار ما بعد الحرب الإسرائيلية، أمام تحدٍّ لاستعادة دوره من خلال عملية إصلاحية تأخذ السلطة السياسية قرار التزامها بوضوح، فينسجم المجلس حينها مع أسباب تشكيله والمهام المناطة به. وخلاف ذلك، يتأكّد تحوُّل المجلس إلى عبء إداري يعيق مسار الإصلاح وإعادة الإعمار. وبالتالي، فإن المجلس ومن خلفه السلطة المنظومة، أمام اختبار قدرتهما على تقديم نموذج جديد لإدارة الأزمات وتمكين مؤسسات الدولة.
خضر حسان- المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|