تباين بشأن استراتيجيات البقاء داخل "حزب الله" ورسائل متبادلة مع عون... ما هو السيناريو الأكثر ترجيحاً؟
يبدو نزع سلاح "حزب الله"، الذي لم يكن مطروحاً في السابق، قابلاً للتنفيذ أكثر من أيّ وقت مضى، مع تصاعد الضغوط الأميركية على القيادة اللبنانية الجديدة، وبعد الخسائر الفادحة التي تكبّدها في حربه الأخيرة مع إسرائيل.
وبحسب تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية، أفاد خبراء بأن نتيجة المحادثات حول برنامج طهران النووي، التي انطلقت السبت بين إيران والولايات المتحدة، قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل ترسانة الحزب، التي كانت قبل الحرب الأخيرة تتجاوز تلك التي يمتلكها الجيش اللبناني.
ويقول ديفيد وود، المحلل المتخصص في الشأن اللبناني لدى "مجموعة الأزمات الدولية"، لوكالة "فرانس برس" إن "تأثير الحرب غيّر بوضوح الوضع ميدانياً في لبنان"، معتبراً أنه "من الممكن أن يتّجه حزب الله إلى نزع السلاح، بل والمشاركة حتى في هذه العملية طواعية بدلاً من مقاومتها".
وكان رئيس الجمهورية جوزف عون قد أكّد استمرار الاتصالات الدبلوماسية مع أطراف عربية ودولية للضغط على إسرائيل من أجل الانسحاب من الجنوب اللبناني، وحلّ مسألة الأسرى المحتجزين لديها.
وشدّد على أن قرار حصرية السلاح اتّخذ، "ويبقى الهدف كيفية تطبيقه، والحوار هو للوصول إلى حلّ للمشكلة بعيداً عن القوة".
وكشف الرئيس عون أن الجيش اللبناني يقوم بعمل جبّار لتأدية المهمّات المطلوبة منه على مساحة الوطن، وأنه يقوم بواجبه في جنوب الليطاني وشماله بتفكيك الأنفاق والمخازن ومصادرة قواعد السلاح بكلّ احترافية ومن دون أي إشكال مع حزب الله، ومهمته مسهّلة، وهذا مؤشر بذاته، إضافة إلى تعامله مع المخيمات الفلسطينية غير الشرعية. ولكننا في لبنان نحن بحاجة إلى استراتيجية أمن وطني تحصّنه اقتصادياً ودبلوماسياً وأمنياً وقضائياً ومالياً وإعلامياً وعسكرياً، والاستراتيجية الدفاعية تنبثق منها، وهي غير مخصصة فقط لموضوع السلاح.
وأوضح بأن حزب الله أبدى ليونة في موضوع السلاح، وأن الحوار قائم بين رئاسة الجمهورية والحزب عبر رسائل متبادلة تمهيداً للوصول إلى حل.
وأنهى اتفاق لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه في 27 تشرين الثاني مواجهة بين حزب الله وإسرائيل تواصلت لأكثر من عام، وتطوّرت إلى حرب مفتوحة استمرّت شهرين، أضعفت الحزب بشكل لافت في الداخل على وقع خسائر في الميدان والعتاد ومقتل أبرز قادته.
لكن الجيش الإسرائيلي لا يزال ينفّذ غارات شبه يومية على جنوبي لبنان.
ونصّ الاتفاق على انسحاب مقاتلي حزب الله من جنوب الليطاني، وتفكيك أيّ بنى تحتية عسكرية تابعة له في المنطقة. لكن الحزب يشدّد على أن الاتفاق لا ينطبق على بقية مناطق البلاد.
وأفاد مصدر مقرّب من حزب الله، من دون الكشف عن اسمه، فرانس برس السبت بأن معظم المواقع العسكرية التابعة له في جنوب الليطاني باتت تحت سيطرة الجيش اللبناني، الذي عزز انتشاره في المنطقة.
خلال زيارة إلى لبنان الشهر الجاري، قالت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، إن واشنطن تواصل الضغط على الحكومة اللبنانية "من أجل التطبيق الكامل لوقف الأعمال العدائية، بما يشمل نزع سلاح حزب الله وكافة الميليشيات"، مشيرة إلى أن ذلك يجب أن يتم "في أقرب وقت ممكن".
وفي موضوع ترسيم الحدود مع إسرائيل، أكد الرئيس عون أن لبنان مع مبدأ تشكيل لجنة للتفاوض في هذا الموضوع، على غرار ما حصل في موضوع الحدود البحرية، وبعدها يمكن العودة إلى تطبيق اتفاق الهدنة الذي وقّع في العام 1949. ونفى أن يكون أحد تطرّق معه إلى موضوع التطبيع، وقال: "نحن نلتزم بالمبادرة العربية المنبثقة عن قمة بيروت العربية في العام 2002، ومقررات مؤتمر الرياض الذي انعقد مؤخراً".
مواقف الرئيس عون جاءت خلال مقابلة شاملة أجرتها معه محطة "الجزيرة".
"شراء الوقت"
لكن الباحثة لدى "معهد واشنطن" حنين غدّار ترى أن "لا مفر" من المواجهة مع الحزب "إذ إن البديل الوحيد لعدم نزع سلاح حزب الله بالقوة يتمثّل بقيام إسرائيل بالمهمة".
ويعتبر رئيس فرع مخابرات منطقة الجنوب سابقاً العميد المتقاعد علي شحرور أن "حزب الله أصيب بنكسة. وبالتأكيد ليس من صالحه الدخول في أيّ حرب أو الوقوف ضد الدولة".
ويضيف "تتجه إيران إلى المفاوضات أيضاً، وهو ما من شأنه أن ينعكس على كلّ المحور الموجود في المنطقة".
ويُبدي عددٌ من مسؤولي حزب الله أخيراً استعدادهم للحوار بشأن الاستراتيجية الدفاعية التي تشمل بحث مصير سلاح الحزب، لا مسألة تسليمه.
وتشير غدّار إلى أن جناحاً تقوده شخصيات مثل الأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم، ورئيس كتلة حزب الله في البرلمان محمّد رعد، "يريد شراء الوقت، بينما يرغب جناح آخر في اتّخاذ خطوات أكثر جرأة".
لكنها ترى أن أيّ انقسامات ضمن صفوف الحزب، إن وُجدت، تنبع من تباين بشأن استراتيجيات البقاء، وليست مؤشراً على وجود نية لتسليم السلاح.
ويؤكد شحرور أن "الإسرائيليين يعطون ذريعة لحزب الله للتمسك بسلاحه بكلّ تأكيد" بسبب عدم امتثالهم لاتفاق وقف إطلاق النار.
وبحسب المصدر المقرّب من حزب الله، "لا يوجد أيّ قدرة عسكرية لدى الجيش اللبناني للدفاع عن الجنوب بوجه العدو الإسرائيلي"، معتبراً أن "إصرار الأميركيين على إتلاف الجيش لصواريخ المقاومة بدل احتفاظه بهذه القوة دليل إضافي على أن أميركا لا تُريد أن يكون الجيش اللبناني قوياً أو حتى لديه أيّ قدرة محتملة على مواجهة إسرائيل".
"الدجاجة أم البيضة"
ويشبّه الأستاذ الجامعي والباحث كريم بيطار المسألة بـ"معضلة الدجاجة أم البيضة" أولاً.
ويرى أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو قيام حزب الله بتسليم بعض أسلحته الثقيلة إلى الجيش، مع التشديد على أنه غير مسؤول عن الأسلحة العائدة لمدنيين موالين له وغير منضوين فيه رسمياً.
لكنه يؤكّد أن الأمر في نهاية المطاف سيتوقف إلى حدّ كبير "على المفاوضات الأميركية - الإيرانية التي بدأت للتو"، موضحاً بأنّه "في غياب الضوء الأخضر من الإيرانيين، أشك في أن يسلّم حزب الله طوعاً أسلحته إلى الجيش، حتى وإن عُرض عليهم تشكيل كتيبة مستقلّة ضمن الجيش اللبناني".
وتشمل الخيارات المحتملة لمعالجة المسألة، وفق وود، تفكيك بنية الحزب العسكرية الكاملة أو دمج أسلحته ضمن الجيش، مع إدماج مقاتليه بشكل فرديّ في صفوف الجيش اللبناني. لكنه شدّد على أن "الطريق الأسلم" للتعامل مع قضية نزع السلاح هي "أخذ الوقت الكافي".
ويؤكّد وود أنه "من الممكن أن تسعى إيران إلى مبادلة دعمها لحلفائها الإقليميين، بمن فيهم حزب الله، بتنازلات في المفاوضات مع الولايات المتحدة".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|