معركة جديدة لـ حزب الله: التمويل الدولي للبلديات كورقة ضغط
مع اقتراب الاستحقاق الإنتخابي البلدي في لبنان، في ظل الظروف الحالية التي يمرّ بها البلد، يتبادر إلى أذهان عدد من أبناء البيئة الشيعية، وهم ليسوا من خصوم حزب الله أو الثنائي الشيعي، سؤال أساسي يتمحور حول إمكانية تأثير حضور حزب الله في المجالس البلدية على قدرة هذه البلديات على تلقي تمويل دولي أو التعامل مع الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل معاناة البلديات من التمويل الرسمي الذي تحصل عليه من قبل الدولة اللبنانية.
خشية صادقة؟
خلال المشاورات البلدية التي تجري في عدد من البلدات المحسوبة على الثنائي الشيعي تطرح بعض الأوساط الشعبية، بحسب معلومات "المدن"، هذا التساؤل بشكل جدّي، إذ تحذر من أن لا تجد البلديات المحسوبة على حزب الله بشكل مباشر وواضح أي دعم في المستقبل لمشاريع تنموية، بحيث يُمارس عليها التضييق للأسباب نفسها التي نعايشها اليوم، وبحسب المعلومات، فإن هذه الطروحات تشكل بمكان "خشية" بنوايا حسنة، وتدفع باتّجاه التوافق بين الأحزاب والعائلات على التشكيلات البلدية، بحيث لا "يُقتل الذئب ولا يفنى الغنم"، بمعنى أن لا تكون ترشيحات الأحزاب مباشرة وواضحة بل تختار من العائلات من هم في الفلك السياسي من دون أن يكونوا من المنظمين.
ولكن، في الوقت نفسه، وبحسب مصادر مطلعة على موقف حزب الله فإن الحزب يتعاطى مع هذه الطروحات بحذر، فهو من جهة يدفع باتّجاه التعاطي بجدية ومسؤولية مع خيارات العائلات والتوافق معها بلدياً، ومن جهة أخرى لا يُريد التخلي عن وجوده البلدي، وكأن آثار الحرب العسكرية الإسرائيلية عليه، وبعدها الضغط السياسي، سيجعلانه يتخلى عن نفوذه وتواجده السياسي.
التمويل الدولي تحت المجهر السياسي
منذ الانهيار المالي في لبنان، أصبحت البلديات تعتمد بشكل متزايد على المساعدات والمنح الخارجية لتسيير خدماتها. وقد عانت البلديات في كل لبنان، خصوصاً البلديات التي عدد أعضائها 15 وما دون، من ضعف اقتصادي جعلها بحكم المستقيلة كونها غير قادرة على تسيير أعمالها والقيام بمسؤولياتها ولعب دورها الحقيقي. ومن المفترض خلال العهد البلدي الجديد أن تتحسن أحوال البلديات، ولكن ليس في وقت قريب، والاعتماد على المانحين سيبقى قائماً، خصوصاً في مرحلة يُفترض أن تشهد إعادة إعمار لكل ما هدمّه العدوان الإسرائيلي على لبنان. ومن المعروف أن المانحين، خصوصًا الأوروبيين والأمم المتحدة، يموّلون مشاريع تنموية في البنى التحتية، الصحة، التعليم، البيئة، ومعالجة النفايات وغيرها من المشاريع التي تهمّ البلديات، ولكن غالبًا ما يشترط هؤلاء ما يُسمّى"بالحياد السياسي" وعدم الارتباط بأي جهة مصنفة لديهم "بالإرهاب"، وهذا تحديدًا ما يشكل قلقاً لدى البيئات الشيعية.
يقول أحد الجنوبيين الذي يتبنى وجهة النظر هذه بعد تجربته الطويلة بالعمل مع منظمات دولية، أن هذه المنظمات التي تتعاون مع البلديات تطلب عادة توافر مجموعة من الشروط هي: الشفافية المالية والإدارية، عدم الارتباط التنظيمي أو الإداري بأي جهة مصنّفة إرهابية، بيئة آمنة تضمن وصول الدعم وتنفيذ المشاريع من دون تدخل سياسي، وبالتالي يرى الرجل عبر "المدن" أن هذه المنظمات ومعها كل الجمعيات التي ترعى مشاريع بلدية قد تتذرع بهذه الشروط لرفض التعاون مع البلديات التي يكون لحزب الله فيها وجود مباشر وواضح، لذلك يعتقد انه من الأفضل للحزب أن يُدير معاركه البلدية بذكاء من خلال إشراك المجتمع الأهلي، والمقربين منه، من دون إشراك المنظَمين بشكل مباشر.
كيف يواجه الحزب؟
"يُدرك حزب الله هذا الواقع"، تقول المصادر المطلعة على موقف حزب الله، مشيرة في الوقت نفسه، إلى أن الحزب لطالما كان فاعلًا في الشأن البلدي ضمن مناطقه، عبر اتحادات بلدية ومجالس تخضع لسلطته التنظيمية. وقد كان الرافعة الأساسية للبلديات في ظل غياب الدولة، وأن شرعيته يستمدها من عمله، وبالتالي من غير المنطقي اليوم الحديث عن "تخلي" الحزب عن عمله البلدي.
وتضيف المصادر عبر "المدن": "لم يتمسك حزب الله سابقاً، ولن يتمسّك اليوم، باختيار رؤساء بلديات من داخل جسمه التنظيمي، فهو يسعى دائماً للتوفيق بين الخيار الحزبي والخيار العائلي، وفي هذا الإستحقاق لن يتبدل هذا الواقع، لا بل سيسعى لكي تكون خياراته من خارج الإطار التنظيمي، لا السياسي، ولكنه لن يقبل بالتأكيد اعتبار مسألة التعاون مع منظمات دولية سبباً لتخليه عن العمل البلدي.
وتُشير المصادر إلى أن الحزب لم يواجه سابقاً مشاكل من هذا النوع، مع علمه بأن المرحلة الحالية والمستقبلية مختلفة عن المرحلة الماضية. لذلك، قد يلجأ الحزب للتفكير بحلول ذاتية أو بالتعاون مع القطاع الخاص المحلي، لتعويض هذا النقص بالتمويل إن حصل ببعض البلديات، كذلك سيحاول لعب دور مباشر من خلال قوته الذاتية لدعم هذه البلديات، وهو فعل ذلك سابقاً، كما سيحاول من خلال البلديات المحسوبة عليه التعامل مع المنظمات والجمعيات التي لا مشكلة لديها معه.
قد يكون من الصعب تمامًا نزع الطابع السياسي عن العمل البلدي في كل المناطق، لا المناطق الشيعية وحسب، ولكن البلديات هي جزء من الدولة اللبنانية، وهي تمثل "الديمقراطية" التي يُنتجها الشعب اللبناني، رغم ذلك قد يكون من الجيد الحذر ودراسة الخيارات وتبعاتها، من دون كسر إرادة المواطنين، ومن دون حرمانهم من الخدمات بسبب خيار سياسي أو انتخابي.
محمد علوش - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|