الصحافة

التّعاون الفرنسيّ السّعوديّ يعيد لبنان دولة طبيعيّة؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

شيئاً فشيئاً تتبدّل وظيفة لبنان في اللعبة الإقليمية بعدما انحصر دوره خلال ثلاثة عقود على الأقلّ بأن يكون ساحة استخدمتها سوريا ثمّ إيران، عن طريق “الحزب”.

بعد التحوّلات الإقليمية، ومع انشغالها بالتفاوض مع الرئيس دونالد ترامب وفريقه، يتقلّص دور طهران. فبعدما كان البلد قاعدةً لـ”الحزب” لكي يكون لاعباً إقليمياً يتدخّل في الدول المحيطة، هل يؤسّس الاحتضان الدولي العربي للحكم الجديد كي يعود لاعباً إقليمياً في دولة طبيعية؟

قد يكون الطموح إلى أن يكون لبنان لاعباً إقليمياً، مبالغاً فيه بالنسبة إلى بعض الأوساط. فالمرحلة الجديدة تشغله بنفسه سياسياً واقتصادياً وأمنيّاً وعسكرياً. وكمّيّة المشاكل التي تنكبّ الرئاسة والحكومة الجديدتان لا تعدّ ولا تحصى. وقبل التقدّم بحلول لها، تستبعد هذه الأوساط تصوّر دوراً إقليمياً للبنان يعود من خلاله لاعباً مؤثّراً في ما يُرسَم للشرق الأوسط الجديد.

لأنّ لبنان قاعدة النّفوذ الباقية لفرنسا

إلّا أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حسب الأوساط الفرنسية، يطمح إلى أن يعود لبنان لاعباً إقليمياً، وألّا يبقى ملفّاً على طاولة الدول. فبموازاة تضافر الخارج لإيجاد الحلول لمشاكله، لم تبقَ لفرنسا قاعدة نفوذ في شرق البحر المتوسّط إلّا لبنان. وهذا حافز كافٍ لتحريك هذا الطموح.

تستدلّ هذه الأوساط على طموح الرئيس الفرنسي المتقدّم من جملة وقائع تبيّن الجهود التي يبذلها لإنجاح المعالجات للمشاكل المتراكمة. يمكن سرد بعض هذه الوقائع كالآتي:

شيئاً فشيئاً تتبدّل وظيفة لبنان في اللعبة الإقليمية بعدما انحصر دوره خلال ثلاثة عقود على الأقلّ بأن يكون ساحة استخدمتها سوريا ثمّ إيران، عن طريق “الحزب”
التّعاون الفرنسيّ – السّعوديّ وتنعيم لهجة أورتاغوس

1- التعاون الفرنسي – السعودي الوثيق في رعاية المرحلة الجديدة في لبنان. فخلال السنوات القليلة الماضية أنتج التواصل بين الدولتين قاعدة من التنسيق الوثيق الذي أدّى إلى إنهاء الفراغ الرئاسي بانتخاب الرئيس عون، وتكليف الرئيس نوّاف سلام تشكيل حكومة تسرّع الإصلاحات المطلوبة في هيكليّة المؤسّسات. وهي حكومة لا تشبه بشيء الحكومات السابقة التي استولدتها الوصاية السورية ثمّ هيمنة “الحزب” على القرار. ومع الدور الخارجي الضاغط في ترجيح التركيبة الداخلية، استعادت اللعبة الداخلية شيئاً من وزنها في إعادة تكوين السلطة.

2- ساهم التعاون الفرنسي – السعودي في “تنعيم” موقف واشنطن التي كانت تنظر إلى لبنان فقط من زاوية نفوذ “الحزب” وكونه لاعباً إقليمياً إيراني الهويّة. سواء في إدارة جو بايدن أو إدارة دونالد ترامب ركّزت السياسة الأميركية على إضعاف “الحزب” من دون الالتفات إلى دوزنة خطواتها وفق حساسيّات التركيبة السياسية الطائفية الداخلية ودور “الحزب” في الطائفة الشيعية.

آخِرة المحطّات هو الجهد الذي بذلته باريس بالتقاطع مع الرياض لتعديل لهجة الموفدة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس في زيارتها الأخيرة في 6 نيسان، عمّا كانت عليه خلال زيارتها الأولى التي اتّسمت بالتهديد والإملاء. علم “أساس” أنّ باريس نصحت واشنطن بأنّ تنفيذ بند نزع سلاح “الحزب” وفق القرار 1701 واتّفاق وقف النار مع إسرائيل يجب ألّا يتمّ بممارسة “الضغوط القصوى” على السلطة الجديدة وعلى الجيش اللبناني الذي يبلي بلاء حسناً في مصادرة أسلحة “الحزب” جنوب نهر الليطاني.

ساهم التعاون الفرنسي – السعودي في “تنعيم” موقف واشنطن التي كانت تنظر إلى لبنان فقط من زاوية نفوذ “الحزب” وكونه لاعباً إقليمياً إيراني الهويّة
أتاح لباريس اشتراكُها في اللجنة الخماسية لمتابعة تنفيذ اتّفاق 27 تشرين الثاني التمييز بين جدّية ما يقوم به الجيش، وبين إعاقة الانتهاكات الإسرائيلية لتطبيقه. وكانت النصيحة إعطاء بعض الوقت للرئيس عون والحكومة لاستكمال تنفيذ الاتّفاق. اعتبرت باريس أنّ على الجانب الدولي مراعاة عدم إشعار الطائفة الشيعية بأنّها مكسورة أو مستهدَفة جرّاء نزع السلاح، حفاظاً على الاستقرار الداخلي. وهذا قابله إلحاح ماكرون على الانسحاب الإسرائيلي من التلال الخمس ومساعٍ أميركية لضبط انتهاكات إسرائيل.

تلازم الإصلاح ومكافحة الفساد مع نزع السّلاح

3- الجهود الفرنسية – السعودية مع واشنطن لأجل نهج هادئ في مقاربة نزع السلاح عبر حوار الرئيس عون مع “الحزب”، لم تمنع التوافق معها على تلازمه مع الإصلاحات في القطاعين المالي والمصرفي. فأهمّ ما ركّزت عليه أورتاغوس في زيارتها الأخيرة هو التأكيد أنّ الإصلاح في هذين المجالين يساوي بأهمّيّته نزع السلاح، لأنّه يحدّ من قدرة إيران و”الحزب” على توفير تمويل الأخير ومواصلة تسليحه.

تقاطعت مصادر رسمية مع الأوساط الفرنسية عند القول لـ”أساس” إنّ قوانين رفع السرّية المصرفية وإعادة تنظيم وهيكلة المصارف وتحقيق الانتظام المالي والتعيينات في مصرف لبنان يجب أن تؤدّي إلى إنهاء اقتصاد “الكاش” والاقتصاد الموازي وإلغاء مؤسّسة “القرض الحسن”.

شدّدت أورتاغوس على أنّ هذه المجالات هي التي استفاد منها “الحزب” لتمويل هيكليّته العسكرية والأمنيّة. وهذا ما أعطى بعداً سياسياً وأمنيّاً للإصلاحات يتجاوز بُعدها الاقتصادي، وهو ما يفسّر طرح أورتاغوس شروطاً لمساعدة لبنان في إعادة الإعمار. ويستوي في ذلك ضبط الجمارك على الحدود البرّية والجوّية والبحرية ومنع الفساد والتهريب الذي يشمل الأسلحة. وهو ما يفسر إعلان ماكرون استعداده للمساعدة في ترسيم الحدود البرّية بين لبنان وسوريا، واحتضان القيادة السعودية لاجتماع وزيرَي الدفاع في سوريا ولبنان في جدّة، الذي خرج باتّفاق على ترسيمها.

قد يكون الطموح إلى أن يكون لبنان لاعباً إقليمياً، مبالغاً فيه بالنسبة إلى بعض الأوساط. فالمرحلة الجديدة تشغله بنفسه سياسياً واقتصادياً وأمنيّاً وعسكرياً
الطّاقة مدخل عودة لبنان لاعباً إقليميّاً

4- الأهمّ في سرد الوقائع التي تشير إلى طموح ماكرون إلى إعادة لبنان لاعباً إقليمياً، هو الاجتماع المشترك مع الرئيس السوري أحمد الشرع، ثمّ مع الرئيس القبرصي ورئيس وزراء اليونان، الذي بادر ماكرون إلى عقده في باريس خلال زيارة الرئيس عون لها في 27 آذار الماضي عبر تطبيق “زوم” تمهيداً لترسيم الحدود البحرية بين هذه الدول، بهدف تقاسم حقول الغاز الواعدة في شرق المتوسّط.

رأى ماكرون أنّ “لبنان بحاجة إلى قطاع طاقة حسن الأداء كي لا يبقى عرضة لعدم الاستقرار الاقتصادي وليجذب الاستثمارات، وفرنسا مستعدّة لوضع خبرتها وشركاتها للمساعدة”. فمستقبل الطاقة وحقول الغاز في المتوسّط سيحتاج إلى تقاسم دولي إقليمي لاستثمار الثروة الغازيّة، عبر التنافس على مدّ الأنابيب الذي تمليه الجغرافيا السياسية. وأن يكون للبنان المستقرّ والدولة الطبيعية دوره في هذا التقاسم، فهذا ممّا يعزّز المراهنة على اكتساب دور اللاعب الإقليمي.

إقرأ أيضاً: “الحزب” يواكب حوار عُمان: تكيّف وحوار رئاسي

يضيف بعض المراقبين الواسعو الاطّلاع إلى هذه الوقائع أنّ الدور المستجدّ الذي يمكن أن تلعبه الرياض بأن تكون وسيطاً جدّيّاً بين إيران وأميركا، بعد زيارة وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان لطهران يوم الخميس، يؤهّلها لأن تكون عاملاً مطمئناً يسهم في تيسير معالجة مسألة سلاح “الحزب”. ولهذا حديث آخر.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا