المطلوب واضح.. ما شروط ترامب للتراجع عن رسومه؟
مدفوعةً برؤية "أميركا أولاً" وعلى وقع الرسوم الجمركية القاسية، تُعيد إدارة الرئيس دونالد ترامب رسم خريطة التجارة العالمية وفق نظرتها وشروطها الخاصة، ففي كواليس المفاوضات التي تجري على قدم وساق مع عشرات الدول، تبعث واشنطن برسالة واضحة مفادها التالي: "من يريد تجنّب الرسوم.. عليه أن يقدّم تنازلات".
وبينما تحاول عدّة دول الهروب من شبح الرسوم الجمركية الأميركية عبر المفاوضات، تتحرّك إدارة ترامب لفرض مطالب واضحة وجريئة، تتمثل بالطلب من الدول زيادة مشترياتها من الغاز الطبيعي الأميركي، وتخفيض الرسوم على الصادرات الأميركية، وتخفيض الضرائب على شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة، إضافة إلى منع أي تحايل صيني يقوم على استخدام بكين لدول أخرى لشحن منتجاتها إلى الولايات المتحدة.
وبحسب تقرير أعدته صحيفة "واشنطن بوست" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن تلك ليست سوى بعض المطالب التي تتقدم بها إدارة ترامب في مفاوضاتها مع عشرات الدول، حيث بدأت الصورة تتضح حول شكل الإتفاقيات الثنائية التي يسعى البيت الأبيض لإقرارها، وفقاً لمقابلات مع أكثر من اثني عشر شخصاً شاركوا في المحادثات أو اطلعوا عليها، تحدث بعضهم لـ "واشنطن بوست" بشرط عدم الكشف عن هويتهم نظراً لسرية المحادثات.
وأعرب مسؤولو البيت الأبيض عن تفاؤلهم بإمكانية التوصل إلى صفقات خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وذلك بعد أن علّقت الإدارة الأميركية رسومها الجمركية واسعة النطاق، على أكثر من 70 دولة لمدة 90 يوماً، لإتاحة الوقت للمستشارين الأميركيين ونظرائهم الأجانب للتوصل إلى اتفاقات فردية، في حين أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أن أكبر مشكلة يواجهها مستشاروه هي ضيق الوقت لديهم، حيث أن جميع الدول ترغب في الحضور وإبرام صفقة مع أميركا.
بداية بطيئة
بحسب "واشنطن بوست" قال دبلوماسي كبير وهو ممثل لأحد البلدان الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، إنه في الأيام التي تلت إعلان التعريفات الجمركية في حديقة الورود، لم يُبدِ البيت الأبيض أي ردّ بشأن ما يمكن تقديمه لخفض التعريفات، ولكن الآن، وبعد تعليق الرسوم الجمركية، يبدو مسؤولو ترامب مستعدين أخيراً لإجراء مفاوضات طبيعية بدلاً من مجرد المطالبة بتنازلات، دون تقديم أي شيء في المقابل، ولكن لا يزال من غير الواضح تماماً كيف يريد البيت الأبيض المضي قدماً في المفاوضات، على حد قول الدبلوماسي.
فيما قال شخص آخر مطلع على المحادثات شريطة عدم الكشف عن اسمه، إن الفريق الهندي المفاوض واجه صعوبة بالغة في إيجاد محاورين واضحين، أما اليابانيون فلا يعرفون حتى الساعة مع من يتحدثون من الجانب الأميركي، مشيراً إلى أن الأمور تسير ببطء بسبب وجود الكثير من الالتباس.
ما هو المطلوب من كل دولة؟
أمضى مسؤولون في مجلس المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض والممثل التجاري الأميركي، أسابيع في دراسة السياسات التي يعتقدون أنها تُغذي عجزاً تجارياً كبيراً، مع عدد من الدول والفرص المحتملة لتعزيز الصادرات الأميركية إلى تلك الوجهات.
ومن المرجح أن تكون الصفقات التي يتم الإعداد لها في أميركا محددة لكل دولة، فمثلاً سيتطلّب من دول مثل فيتنام والمكسيك، أن تتوقف عن كونها محطات وسيطة للشركات والمنتجات الصينية، التي تسعى للتهرب من الرسوم الجمركية الأميركية.
في حين سيتم تشجيع اليابان على الالتزام بشراء كميات أكبر من الغاز الطبيعي المُنتج في الولايات المتحدة، كما ستطلب أميركا من الدول تخفيض الضرائب، وتقليل اللوائح التنظيمية على شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة، إضافة إلى تخفيف القيود على صادرات لحوم البقر الأميركية.
كما أنه من المنتظر أن تضمن الصفقات المُزمع إقرارها، تخفيف القيود المفروضة على بعض الصادرات الزراعية الأميركية إلى دول العالم.
لا لبضائع الصين عبر دول أخرى
ويرى مسؤولون وخبراء أن الخطوط العريضة الأساسية لما يسعى إليه فريق ترامب، قد ظهرت في محادثاتهم الأولية، حيث يقول دانيال كيشي، مستشار السياسات في مركز أبحاث "أميركان كومباس"، أن الولايات المتحدة ستركز على ضمان أن تكون "البضائع القادمة من فيتنام، بضائع فيتنامية فعلية وليست صينية"، مرجحاً أن يقوم فريق ترامب بالضغط على الدول، لرفع رسومها الجمركية على الصين، لتصبح مشابهة للرسوم التي تفرضها الولايات المتحدة على السلع الصينية.
أما ريتشارد موخيكا، المحامي التجاري في شركة ميلر وشيفالييه، والذي عمل سابقاً في إدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، فيرى أن الصين هي محور الاهتمام الرئيسي لأميركا، متوقعاً أن تتوصل المكسيك إلى اتفاق جزئي مع الولايات المتحدة، بعد موافقتها على الحد من واردات المنتجات الصينية إليها، حيث يتم إدخال هذه المنتجات لاحقاً إلى أميركا.
إعادة التوازن التجاري العالمي
ويقول المحلل الاقتصادي إيلي الخوري في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما تقوم به إدارة ترامب اليوم، هو إعادة تصحيح لمسار تجاري ظالم بحق أميركا امتد لعقود، فالولايات المتحدة تكبّدت عجزاً تجارياً ضخماً لأنها سمحت للأسواق بالانفتاح، بينما دول كالصين وفيتنام والمكسيك استغلت القوانين الأميركية والثغرات الجمركية، لتستخدم أساليب إلتفافية لدخول السوق الأميركية، ولذلك فإن المطالب الأميركية اليوم من زيادة مشتريات الغاز، إلى تقليل الرسوم على الصادرات الأميركية، ليست إلا محاولة من الرئيس ترامب لوضع حدّ للخلل البنيوي الحاصل في علاقة الدول مع أميركا.
مكاسب داخلية
ويضيف الخوري إنه صحيح أن الأسواق الأميركية تعيش حالياً حالة من الضبابية وعدم الاستقرار، بفعل تصاعد التوترات التجارية، إلا أن نجاح إدارة ترامب في عقد صفقات ثنائية مدروسة قد يغيّر المعادلة، فالمكاسب هنا لن تكون سياسية فقط، بل تجارية أيضاً، إذ أنه عندما يتم تخفيض الضرائب في أوروبا على شركات وادي السيليكون، وتُفتح أسواق العالم أمام اللحوم والمنتجات الزراعية الأميركية، فإننا نُحفّز النمو داخل الولايات المتحدة ونُعيد الحيوية لقطاعات كانت تئنّ تحت وطأة المنافسة غير العادلة، لافتاً إلى أن هذه السياسة تحفّز الاستثمار وتخلق وظائف وتعزز الاستقلالية الاقتصادية الأميركية.
صفقات أكثر عدالة
ويشرح الخوري أنه في النظام التجاري المتعدد الأطراف، غالباً ما كانت الولايات المتحدة تدفع ثمنًا أكبر مقابل التزامات جماعية فضفاضة، ولكن الرئيس ترامب يسعى اليوم إلى عقد اتفاقيات ثنائية تفصيلية تُراعي طبيعة العلاقة مع كل دولة، وهذا التوجه أكثر واقعية ويعطي مرونة أكبر للضغط من أجل تحقيق الاقتصاد الأميركي مكاسب ملموسة، خصوصاً في القطاعات التي تعتبرها واشنطن أولوية استراتيجية، مثل التكنولوجيا والطاقة والزراعة، حيث يمكن تصميم كل صفقة بما يخدم مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل، ويحد من استغلال الثغرات التجارية التي استفادت منها بعض الدول في العقود الماضية.
سبب التهافت إلى المفاوضات
من جهته يقول الصحافي جوزف فرح في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تهافت الدول على التفاوض مع إدارة الرئيس ترامب، بشأن الرسوم الجمركية ليس أمراً مفاجئاً، بل نتيجة مباشرة لمكانة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، فالولايات المتحدة لا تزال أكبر مستورد في العالم، ما يجعل النفاذ إلى سوقها هدفاً استراتيجياً لأي اقتصاد يعتمد على التصدير، لافتاً إلى أنه عندما تُلوّح واشنطن برفع الرسوم تتغير حسابات كثير من الدول التي تخشى أن تفقد حصتها من السوق الأميركية لصالح منافسين آخرين يتمكنون من التوصل إلى صفقات تفضيلية.
ابتزاز اقتصادي
ويشرح فرح أن المشكلة في الشروط التي تفرضها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنها لا تأتي من موقع شراكة، بل من منطق قوة وإملاء، فالرسالة الأميركية بسيطة في هذا المجال وتتمثل بالقول للدول "إفعلوا كما نطلب منكم أو نكبلكم تجارياً"، وهذا يخلق حالة من الفوضى والتردد في العلاقات التجارية الدولية، فعوضاً عن بناء نظام عالمي مستقر، نحن نعيش حالياً تحت تهديد دائم بإعادة فرض رسوم إذا لم تنصاع الدول لمطالب واشنطن، وهذه وصفة للفوضى ولا تخلق نظاماً اقتصادياً مستقراً.
أميركا تُراهن على التفرد
ويرى فرح أن الصفقات الثنائية التي تطمح إليها الإدارة الأميركية، تضعف أسس النظام التجاري القائم على القواعد، فبدلاً من التفاوض تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، تفرض أميركا اتفاقيات مشروطة ومتفرّدة بشكل غير متوازن، وهذا ما قد يُربك سلاسل الإمداد، ويدفع بعض الدول للبحث عن شركاء تجاريين بديلين عن أميركا، مؤكداً أن الصين لن تبقى مكتوفة اليدين إذا أُغلقت الأبواب الأميركية في وجهها، وهي قد تلجأ للكثير من الأدوات التي تمتلكها لمنع صناعتها وتجارتها من الانهيار بفعل الرسوم الأميركية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|