ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟
ماذا تفعل لو كنت اليوم الرئيس العماد جوزف عون؟ ماذا تفعل لو كنت رئيساً لدولة تقاوم التقسيم، تصارع الإفلاس، تعاني الاختراقات الإقليمية، وتتعرّض لضغوط دوليّة؟
ماذا تفعل لو كان شعبك ما يزال يعيش تحت قواعد الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدّت 17 عاماً؟ ماذا تفعل لو كنت تقود نظاماً سياسياً لا يحترم حتّى الآن الدستور والاتّفاقات الدولية والمعاهدات، بدءاً من اتّفاق الهدنة إلى اتّفاق القاهرة واتّفاق الطائف، ثمّ حوار الاستراتيجية الدفاعية، مروراً بالقرار 1701، وصولاً إلى الاتّفاق الأخير الذي تمّ برعاية أميركية وبموافقة الثنائي الشيعي؟
ماذا تفعل بنظام ادّعى أنّه ودّع وترك قواعد الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرّت 17 سنة، إلّا أنّه ما يزال يحتفظ بالسلوك والأفكار والتصريحات الطائفية نفسها التي أدّت إلى هذه الحرب؟
ماذا تفعل في بلد ضياع الحقوق وعدم الكشف عن القتلة واللصوص والفاسدين والعملاء، من زمن الحرب الأهليّة إلى اغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وصولاً إلى جريمة الجرائم الخاصّة بشهداء تفجير المرفأ، فالمسؤولين عن ضياع أموال الشعب من البنوك، فالبنك المركزي والحكومات المتعاقبة؟
فساد وطائفيّة وميليشيات
ماذا تفعل ولديك أكثر من طائفة، كلٌّ منها تعتقد أنّها وحدها هي لبنان وليست جزءاً من لبنان؟ ماذا تفعل وكلّ قرار وكلّ مشروع يجب أن يخضع للمحاصصة السياسية والطائفية والمناطقية والحزبية، بصرف النظر عن أفضليّة الكفاية والتخصّص والنزاهة الشخصية؟
ماذا تفعل بأكثر من مئة ألف صاروخ وثلاثمئة ألف مدفع رشّاش لجيش خاصّ خارج سلطة الدولة يتلقّى أوامره وتمويله وتدريبه بعيداً عن جيش الدولة ونظامها وعقيدتها القتالية؟
ماذا تفعل وأنت رئيس دولة لم تطبّق اتّفاقات وقرارات محلّية وعربية وإقليمية موقّعاً عليها من أعلى سلطة وتمّ التصويت عليها في البرلمان ومجلس الأمن الدولي ومضمونة من أكبر الدول عالمياً وإقليمياً؟
ماذا تفعل مع طوائف تدين بالطائفيّة، وفاسدين لن يعيدوا الأموال، وميليشيا لن تسلّم سلاحها، وأحزاب تضع مصالحها فوق مصالح الدولة؟
ماذا تفعل مع ساسة ضمائرهم خارج أوطانهم، وأموالهم في بنوك خارجية، ورهانهم السياسي على معادلات إقليمية ودولية وليس على جماهيرهم؟
ماذا تفعل لو لديك ديون دوليّة متعثّرة وفساد إداري داخلي يخترق جهاز الدولة من القاع إلى القمّة؟
ماذا تفعل لو مصالح إيران وسوريا والولايات المتّحدة وفرنسا ودول الخليج والعراق والأردن ومصر كلّها تتصارع داخل الحلبة السياسية لبلادك؟
ماذا تفعل وشعبك يعاني ضياع ما لا يقلّ عن مئة مليار دولار من جنى عمره على مرّ السنوات؟
أسلوب حياة
ماذا تفعل ولديك مليون ونصف مليون نازح من قرى الجنوب والبقاع بحاجة إلى مليارات الدولارات لإعادة إعمار بيوتهم؟
ماذا تفعل والقضاء في بلادك غير قادر على أن يصل إلى الحقائق المجرّدة وتحديد المتّهم الأصليّ والفاعل الحقيقي في مئات الاغتيالات والجرائم؟ ماذا تفعل في عالم يربط بين إنقاذ اقتصادك وسحب سلاح “الحزب”؟
ماذا تفعل مع واشنطن التي وعدت بأن تكون ضماناً لسلام على الحدود اللبنانية، ثمّ تركت إسرائيل تحتلّ 5 نقاط استراتيجية على الحدود؟ ماذا تفعل مع السيّدة أورتاغوس التي تأتي مبعوثة من واشنطن، ليس من أجل تسوية وتهدئة، بل من أجل الضغط والمواجهة والاشتباك مع الجميع، بدءاً من “الحزب”، وصولاً إلى الزعيم وليد جنبلاط؟
ماذا تفعل بحدود ملتهبة مع سوريا، ونقاط تهريب البشر والأموال والنفط والسلاح التي تحتاج إلى أنظمة وجهود مراقبة أسطوريّة؟
ماذا تفعل مع نقابات معلّمين وأطبّاء وصيادلة وأصحاب مخابز وغرف سياحيّة ومحطّات بنزين وأدوية وموادّ غذائية لهم مطالب فئوية ملحّة تحتاج إلى دعم حكومي وقرارات تنفيذية وموافقات تشريعية؟
ماذا تفعل مع بيروقراطية حكومية وفساد في الإدارات الحكومية أصبح أسلوب حياة ولا يمكن إنجاز أيّ معاملة إلّا من خلاله؟ ماذا تفعل بعقول طائفية، طبقية، عنصرية، مناطقية، عائلية، قبلية، متحيّزة لا تعرف أنّ قيمة تطبيق القانون تكمن في أنّه ينطبق على الجميع بلا تمييز أو محاباة؟
ماذا عن تصريحات الأمين العامّ لـ”الحزب” الأخيرة التي يقول فيها إنّ “الحزب” سوف يقاتل من يسعى إلى سحب سلاحه مثلما يحارب إسرائيل؟
ماذا تفعل إذا كانت المشاكل أكبر من الحلول، والرافضون أكثر من المؤيّدين، والذين يدافعون عن مصالح الخارج أكثر من الحريصين على أمن الداخل ومصالحه؟
ماذا تفعل إذا وجدت كلّ هؤلاء يقفون سدّاً منيعاً وعائقاً شرّيراً أمام تعهّدات خطاب التنصيب الذي جاء بعد القسم؟
تحدّيات هائلة
في علم الاحتمالات، كما قال أستاذ علم المستقبليّات الشهير هرمان كان، ثلاثة احتمالات:
- الاحتمال الأوّل هو الاحتمال الأفضل، وهو حلّ المشاكل سلميّاً عبر الحوار المؤدّي إلى التفاوض العاقل الحكيم المنزّه عن المصالح الخارجية، والوصول في النهاية إلى تسوية تفضي إلى نهاية سعيدة.
- الاحتمال الثاني هو استمرار الواقع القائم دون أيّ تقدّم حقيقي، فتستمرّ معاناة إصدار قرارات الحلول، وهو ما يؤدّي إلى شلل الحكومة، واستمرار جمود التقدّم، وجمود وصول أيّ مساعدات أو استثمارات.
- الاحتمال الثالث، وهو الاحتمال الأسوأ واحتمال الكارثة، لا قدّر الله، يأتي من خلال استمرار طهران في مواجهة وابتزاز واشنطن وتل أبيب عبر ذراعها اللبناني، فتنشب مواجهة دموية لا بديل عنها بين الدولة و”الحزب”، وبين الجيش الوطني والميليشيا.
أعان الله العماد جوزف عون على هذه التحدّيات التي لا يطيق بشر حملَها. ولو كنت مكان الرئيس عون كنت سأقول: ماذا فعلت بنفسي بقبول هذه التحدّيات في ظلّ هذا الجحيم السياسي والانهيار الاقتصادي واحتمالات الانفجار الأمنيّ؟
عماد الدين أديب-أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|