عربي ودولي

هل يعرقل "شيطان التفاصيل" المفاوضات النووية الإيرانية؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عقدت إيران والولايات المتحدة جولتي مفاوضات، في سلطنة عمان وإيطاليا، ومن المنتظر عقد جولة مفاوضات ثالثة قريبًا. 

وبينما ركزت الجولتان الأوليان على الإطار العام للمفاوضات، من المنتظر أن تنتقل الجولات التالية لمناقشة التفاصيل التقنية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني.

نظريًّا، يجب أن يكون من السهل تجاوز أزمة الملف النووي الإيراني. فهناك اتفاق نووي موقع في 2015، والولايات المتحدة هي من خرج منه، في 2018، دون أن تكون إيران قد خرقته حينها. 

ومن الممكن – بحسب وسائل الإعلام الإيرانية – الاتفاق على خطة من بضع مراحل للعودة التدريجية إلى ذلك الاتفاق، إلا أن تجربة المفاوضات في العام 2021 تظهر أن المسألة أكثر تعقيدًا من هذا. 

بعد عدة أشهر من المفاوضات توصلت إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى ما عرف بـ"وثيقة سبتمبر/أيلول" التي كانت خطة لإحياء الاتفاق النووي عبر سلسلة من الخطوات المتبادلة بين إيران والجانب الغربي، إلا أن تلك المحاولة فشلت لأسباب لم يعلن عنها بشكل رسمي. 

وتشير التقديرات إلى أن شيطان التفاصيل، خصوصًا التِقنية منها، هو ما حال دون قدرة إيران على العودة للاتفاق النووي. تلك التفاصيل التقنية باتت أكثر تعقيدًا وتداخلًا اليوم. كما أضيفت إليها تعقيدات سياسية لم تكن قائمة في 2021. 

عوائق تقنية
ما يغفل عنه الكثير من المراقبين هو أن الاتفاق النووي الموقع في 2015 يعتمد بشكل حيوي على تفاصيل تقنية معقدة للغاية لما يجب على إيران الالتزام به في أنشطتها النووية خلال فترة تطبيق الاتفاق. 

وبينما تزعم إيران أنها خرقت الالتزامات المطلوبة منها كرد تفاوضي على انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، فالنتيجة النهائية تبقى أن وقائع تقنية معقدة قد تراكمت. وفي التفاصيل نشير إلى ما يأتي:

أولاً: مخزون وقدرات التخصيب
نص الاتفاق النووي الموقع في 2015 على عدم تجاوز عمليات تخصيب اليورانيوم مستوى 3.67%، وألا يتجاوز المخزون من اليورانيوم المخصب إلى هذا المستوى عتبة 300 كيلوغرام. كما نص الاتفاق على عدم تركيب أكثر من 5,000 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، على أن تكون حصرًا من الجيل الأول لهذه الأجهزة ما يعرف بـIR-1.

ومع ذلك فإن آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الـ26 من فبراير/شباط، يشير إلى أن المخزون وصل إلى 8,294 كيلوغرامًا (بزيادة 25.5% عما كان عليه في ديسمبر/كانون الأول 2024). أما عدد أجهزة الطرد المركزي المركبة فبلغ حوالي 20,600 جهاز، منها 13,355 من أجيال أحدث كان من المحظور على إيران تطويرها أو تركيبها، بينها أكثر من ألف جهاز من الجيل السادس IR-6.

وبينما يمكن لإيران أن توقف بشكل فوري كل عمليات تخصيب اليورانيوم التي تتجاوز مستوى 3.67%، يشكل المخزون من اليورانيوم المخصب مسألة أكثر تعقيدًا. 

ونص الاتفاق النووي السابق على نقل الفائض من مخزون  اليورانيوم إلى روسيا، باعتبارها الأقرب جغرافيًّا والتي تمتلك القدرة على التعامل مع كميات كبيرة من المواد المشعة. 

وبينما وقع الاتفاق في يوليو/تموز 2015، انتهت عملية نقل المخزون الفائض في ديسمبر/كانون الأول 2015؛ ما يشير إلى الجانب الزمني والتقني المعقد لهذه العملية. 

كما يجب التذكير بأن روسيا يومها كانت طرفًا مباشرًا في المفاوضات الدولية التي توصلت للاتفاق النووي. كما كانت هناك ثقة غربية، خصوصًا أوروبية، حول شفافية دور روسيا والتزامها بالتفاهمات القائمة مع الغرب، إلا أن روسيا اليوم لا تشارك بشكل مباشر في المفاوضات، ولا توجد ثقة غربية كبيرة فيها، فضلًا عن أن هناك عقوبات اقتصادية وسياسية غربية قد تعقد عمليات نقل اليورانيوم الإيراني إلى روسيا. 

ويجب أن نشير إلى أن الاتفاق النووي نص على إزالة الفائض من أجهزة الطرد المركزي من منشآت التخصيب الإيرانية مع إبقائها في المخازن. السهولة والسرعة التي طورت وركبت بها إيران الأجيال الجديدة من أجهزة الطرد المركزي تثير الشكوك حول جدوى اشتراط إزالة تلك الأجهزة ونقلها للمخازن. 

وقد تظهر مطالبة غربية بتدمير تلك الأجهزة بالكامل أو إخراجها من البلاد، كما حصل مع البرنامج النووي الليبي. 

ثانياً: الأسرار النووية الإيرانية
افترضت الدول التي كانت تفاوض إيران، خصوصًا الولايات المتحدة في عهد باراك أوباما، أنها مطلعة على كامل الأنشطة النووية الإيرانية، وأنه لم يكن هناك من أنشطة نووية سرية، إلا أن كشف إسرائيل، في 2018، عن الأرشيف النووي الإيراني، في جانبه العسكري، خلق شكوكًا كبيرة لدى الجانب الغربي حول حقيقة الأنشطة النووية الإيرانية. 

والوكالة الدولية للطاقة الذرية اكتشفت خلال السنوات الأخيرة ثلاث منشآت غير معلن عنها تحتوي مواد مشعة ومؤشرات على أنشطة نووية من نوع ما. 

وبحسب التسريبات، فقد اشترطت "وثيقة سبتمبر/أيلول" أن تقدم إيران معلومات كاملة ومقنعة حول طبيعة الأنشطة في هذه المنشآت الثلاث. ويعتقد أن عدم قدرة إيران على تنفيذ هذا الشرط تحديدًا كان هو ما دفعها لعدم قبول "وثيقة سبتمبر/أيلول".

ومنذ 2021، تنامت الشكوك الغربية، خصوصًا الأمريكية منها، حول متابعة إيران لأنشطة نووية سرية. ومنذ 2021، أزالت إيران كاميرات المراقبة التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من العديد من المنشآت، وقلصت التعاون مع عمليات التفتيش التي ينفذها مفتشو الوكالة. 

وفي سبتمبر/أيلول 2023، أعلنت الوكالة أنها لم تعد تمتلك معلومات حديثة حول العديد من المنشآت النووية الإيرانية. 

الخبراء النوويون الغربيون يقولون، إنه لا يمكن التفاوض لإحياء الاتفاق النووي السابق دون معرفة حجم الأنشطة النووية الإيرانية، ومواقع المنشآت الإيرانية، المعروفة والسرية منها. 

وحتى بعد الزيارة الأخيرة للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إلى طهران هذا الشهر، يقول مسؤولون غربيون إنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إيران ستتعاون مع الوكالة.

ثالثاً: الملاحق الفنية للاتفاق النووي
تضمن الاتفاق الموقّع في 2015 خمسة ملاحق تقنية تتعلق بالالتزامات النووية المطلوبة من إيران وضوابط الأنشطة والتعاون الدولي في المجال النووي المدني وآليات التحقق المختلفة من الأنشطة النووية الإيرانية المحددة في نص الاتفاق.

الهدف من تلك الملاحق الخمسة تحقيق التوازن بين تقديم الضمانات المطمئنة للغرب والحفاظ على السيادة الإيرانية. 

ومن ناحية التفاوض، كان العمل على الملاحق الخمسة أكثر تعقيدًا من النص الرئيس للاتفاق النووي. 

صياغة الملاحق الخمسة كانت نتيجة جهود علماء نوويين وخبراء قانونيين من الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي. وبينما تم الإعلان رسميًّا عن الإطار السياسي في لوزان في سويسرا، في أبريل/نيسان 2015، فإن المفاوضات حول الملاحق التقنية استمرت حتى الساعات الأخيرة السابقة لتوقيع الاتفاق في الـ14 من يوليو/تموز 2015. 

عملية إعادة صياغة هذه الملاحق الآن قد تستغرق فترة أطول بعد أن ظهرت عيوب الاتفاق السابق. ولكن لا يبدو أن الولايات المتحدة متحمسة لهدر الكثير من الوقت على هذه العملية. 

وقد صرح رفائيل غروسي، المدير العام لوكالة الطاقة الذرية، في الـ16 من أبريل/نيسان، لصحيفة "لوموند" الفرنسية، أن الولايات المتحدة تفضل الآن نصًّا مبسطًا للاتفاق النووي ودون الملاحق الفنية التي ثبت أنها، بحسب غروسي، لم تصمد على أرض الواقع. 

حديث غروسي يعني على الأرجح أن إيران ستضطر للقبول بعمليات تحقق وتفتيش لا تخضع لأي قيود، وهذا ما سيثير حساسيات سياسية كبيرة بالنسبة للنظام الإيراني.

العوائق السياسية

بعيداً عن التفاصيل التقنية المعقدة للملف النووي الإيراني، هناك تعقيدات سياسية عديدة لدى مختلف الأطراف المعنية بالملف النووي الإيراني. وهذه التعقيدات ستطفو على السطح مع تتالي جولات المفاوضات.

أولاً: التباينات داخل الإدارة الأمريكية
التسريبات المتواترة من الإدارة الأمريكية تشير إلى وجود انقسام كبير، وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف يعطيان الأولوية للحلول الدبلوماسية للملف النووي الإيراني، بينما ترفض باقي أركان الإدارة – خصوصًا الخارجية والدفاع والاستخبارات – الوثوق بإيران مرة أخرى.

وقد استفادت إيران بشكل واضح من هذه التباينات. وعلى وجه الخصوص، سهل الخطاب الإيجابي لويتكوف – الذي يترأس الوفد المفاوض الأمريكي – عقد جولتين من المفاوضات حتى الآن. 

ولكن مع عقد جولات أخرى من المفاوضات وبروز تفاصيل تقنية وسياسية أكثر حساسية، سيضطر ويتكوف للاستعانة بخبراء تقنيين، كما ستبرز الحاجة لرفع مستوى التمثيل الأمريكي في المفاوضات ليناظر مستوى التمثيل الإيراني عند مناقشة التفاصيل السياسية للاتفاق. 

وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لديه مقاربة سلبية بشكل مزمن للملف النووي الإيراني. وجلوس روبيو إلى طاولة المفاوضات – المباشرة أو غير المباشرة – سيقود على الأرجح لإثارة التفاصيل الإشكالية التي قد يكون ويتكوف تجاوزها للحصول على الإنجاز السياسي السريع. ظهور التعقيدات السياسية والتباينات مع تقدم المفاوضات هو ما حصل مع المفاوضات الأمريكية-الروسية حول الحرب في أوكرانيا.

ثانياً: الموقف الأوروبي السلبي
تدور المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران فقط مع غياب كامل للأوروبيين والروس والصينيين الذين شاركوا في مفاوضات الاتفاق النووي السابق.

الأوروبيون تحديدًا يبدون قلقًا كبيرًا إزاء إبعادهم عن المفاوضات. ففي الـ14 من أبريل/نيسان، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، نويل بارو، أن بلاده تتابع مع بريطانيا وألمانيا تطورات المفاوضات النووية لضمان أن تتماشى مع المصالح الأمنية الأوروبية. 

وهنا يجب التذكير بأن الورقة الأقوى في الملف النووي الإيراني موجودة بيد الأوروبيين وحدهم. فبعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في 2018، بقي الأوروبيون وحدهم ملتزمين بالاتفاق وبالتالي هم وحدهم من يمتلك القدرة على تفعيل المادة الخاصة بإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران بسبب مخالفتها الالتزامات المترتبة عليها وفق الاتفاق النووي. 

إبقاء ترامب للأوروبيين بعيدًا عن المفاوضات النووية قد يدفعهم، في الحد الأدنى، لرفض رفع  العقوبات التي فرضوها على إيران منذ 2018؛ ما يخلق تعقيدات اقتصادية ومالية كبيرة لإيران. 

وفي الحد الأقصى يمكن أن يفعل الأوروبيون المادة الخاصة بإعادة العقوبات الأممية؛ ما يقوض المفاوضات الحالية وأي نتيجة يتم التوصل إليها. 

الموقف السلبي الأوروبي تجاه إيران يعود لعوامل عدة أبرزها الدعم الإيراني لروسيا في الحرب الأوكرانية، فضلاً عن تنامي الأنشطة الإيرانية المعادية للدول الأوروبية، سواء عبر عمليات احتجاز المواطنين الأوروبيين خلال زيارتهم إيران أو نتيجة أنشطة الاستخبارات الإيرانية على الأراضي الأوروبية. 

كما أن تواتر اللقاءات بين كل من المبعوث الأمريكي ويتكوف والمسؤولين الروس، وبين المسؤولين الإيرانيين والروس على هامش المفاوضات الأمريكية-الإيرانية يدفع الأوروبيين للاشتباه بأن روسيا ستستفيد من أي خروقات يحققها المسار التفاوضي. وهذا ما يمكن أن يغير مجمل النظرة الأوروبية للملف النووي الإيراني ليصبح بين ملفات الصراع مع روسيا.

ثالثاً: الصراعات الداخلية الإيرانية
الظروف الاقتصادية والتلويح الأمريكي بالخيار العسكري، دفعت التيار الأصولي في إيران للتنازل والقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، إلا أن ردود الفعل في الداخل الإيراني تظهر بوضوح أن التيار الأصولي يتعرض لاستنزاف كبير وتحدٍّ غير مسبوق، فقبوله بالتفاوض شجع خصومه ومنافسيه على انتقاده والرهان على ضعفه. 

وجوه التيار الأصولي ومنابره الإعلامية تتابع التشكيك في جدوى التفاوض مع الولايات المتحدة. وهذا ليس بالأمر الجديد بطبيعة الحال. ولكن ما هو لافت هو ردود التيار الإصلاحي والمعتدل، أقله بحسب ما نرى في وسائل الإعلام الإيرانية.

صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية رأت، في الـ9 من أبريل/نيسان، أن هناك 3 أطراف تعارض المفاوضات وهي إسرائيل والمعارضة الإيرانية الخارجية الداعية لإسقاط النظام، والأطراف الإيرانية الداخلية المستفيدة من بقاء العقوبات. 

وصحيفة "جمهوري إسلامي" اعتبرت، في الـ10 من أبريل/نيسان، أن معارضي المفاوضات يجنون ما بين 10 و15 مليار دولار سنويًّا بفضل العقوبات ولهذا يفضلون بقاءها. 

صحيفة "شرق" الإصلاحية رأت، في الـ14 من أبريل/نيسان، أن قادة إسرائيل والمتشددين في الداخل الإيراني يتوافقون في المواقف تجاه الاتفاق النووي بشكل عجيب. 

 وصحيفة "اطلاعات" الإصلاحية رأت، في الـ14 من أبريل/نيسان، أن مواقف معارضي الاتفاق النووي تعود لكون مصالحهم الاقتصادية تتطلب بقاء الوضع الراهن واستمرار العقوبات وهم يغلفون مواقفهم بادعاء الحرص على "الثورة الإسلامية" وإنجازاتها. 

صحيفة "شرق" الإصلاحية رأت، في الـ16 من أبريل/نيسان، أن تحسن الريال الإيراني أثار امتعاض بعض الأطراف داخل إيران فباتت تهاجم المفاوضات. 

ومن البديهي أن المواقف المتداولة في الشارع الإيراني تفوق في حدتها ما يتجاوز مقص الرقيب الإيراني في الصحف الإيرانية. فهل سيتحمل التيار الأصولي في إيران عواقب تتالي جلسات التفاوض وصولًا إلى اتفاق نووي جديد يقود لإضعافه ونسف إنجازاته التي تحققت خلال العقدين الأخيرين؟ 

الأكيد أنه لا يمكن تصور عالم يوجد فيه اتفاق نووي، ورفع للعقوبات عن إيران، مع تيار أصولي قوي في طهران. فأي تفاصيل لهذه الصورة يجب إزالتها؟ هذا ما سنعرفه هذا العام.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا