قتلى وجرحى باشتباكات عنيفة.. من يشعل "نار" الفتنة في جرمانا السورية؟
تتصاعد حدة التوترات في ريف دمشق بعد اندلاع اشتباكات عنيفة في مدينة جرمانا التي تقطنها غالبية درزية، فيما خلت شوارع مدينة صحنايا وأشرفية صحنايا اللتين يقطنهما أيضا غالبية درزية من أهلهما بعد تهديدات باقتحامهما من مسلحين تابعين للفصائل المسلحة المنضوية ضمن وزارة الدفاع، على خلفية التسجيل الصوتي المسيء للنبي محمد (ص).
وقالت مصادر أهلية في جرمانا لـ "إرم نيوز" إن الشاب وسيم زهر الدين توفي قبل قليل، متأثراً بجراحه، ليرتفع عدد ضحايا الاشتباكات في جرمانا إلى ستة، وعدد المصابين إلى 15، في الوقت الذي مازالت المدينة تتعرض لهجمات بالقذائف والأسلحة الرشاشة بين الحين والآخر من محور المليحة.
كما تتواصل الاشتباكات المتقطعة عند أطراف جرمانا من جهة "حاجز النسيم" على التقاطع المؤدي إلى مدينة المليحة التي يسيطر عليها فصيل "فيلق الرحمن"، الذي أمطر مدينة جرمانا منذ فجر اليوم بقذائف هاون وأخرى صاروخية، طال بعضها منازل المدنيين، مع توقعات بارتفاع عدد الضحايا المدنيين.
وتشهد مدينة جرمانا منذ ساعات الفجر حالة من الاستنفار الأمني وسط مخاوف من اتساع رقعة الاشتباكات، وذلك على خلفية تسجيل صوتي مسيء للرسول (ص)، نُسب إلى أحد مشايخ الدروز، ليخرج الأخير وينفي أي صلة له بهذا الفيديو، فيما تقول مصادر إن التسجيل قد يكون "مفبركا" عبر الذكاء الاصطناعي، من قبل جهة ثالثة تسعى لإشعال الفتنة بين الدروز والسلطات السورية.
بداية "الفتنة"
بدأت الأحداث في المدينة الجامعية بمحافظة حمص وسط سوريا، عندما انتشر بين الطلاب السنة، تسجيل منسوب إلى شيخ درزي يدعى مروان كيوان، يشتم فيه النبي محمد (ص)، قبل أن يتجمع عدد من الطلاب السنة في باحة المدينة ويهتفوا نصرةً للنبي.
ونقل "إرم نيوز" أمس عن مصادر طلابية أن الطلاب هاجموا عدداً من زملائهم الدروز في المدينة الجامعية؛ ما أدى إلى جرح بعضهم، فيما سيّر بعض الطلاب السنة مظاهرة داخل المدينة، "نصرة للإسلام والنبي محمد".
مصادر أهلية وإعلامية في السويداء قالت لـ "إرم نيوز" إن "التسجيل كان مفبركاً، وخرج كيوان ونفاه جملة وتفصيلاً"، وشددت على أن التسجيل فتنوي، ونشره في هذه التوقيت، ما هو إلا تأجيج لحالة الاحتقان الطائفي في جميع المناطق السورية."
لكن الأحداث لم تنته عند ما حدث أمس في المدينة الجامعية بحمص، بل امتدت آثاره إلى داخل أحياء مدينة السويداء؛ إذ تحدثت تقارير عن اشتباكات مسلحة بين دروز وعدد من البدو داخل أحياء البدو في المدينة، تخللها إطلاق قذيفة صاروخية. فيما ذكرت مصادر أن الحادثة لا ترتقي لتوصف بالاشتباكات.
بعد ذلك، تمددت الأحداث إلى مدينة جرمانا المتاخمة للغوطة الشرقية بريف دمشق، والتي تحولت إلى بؤرة الحدث، بعد استنفار جميع الفصائل المسلحة الدرزية في مواجهة مسلحين محسوبين على وزارة الدفاع السورية.
تنديد بالهجمات
وندّدت المرجعية الدينية للدروز في جرمانا اليوم بـ"الهجوم المسلح غير المبرر" على المدينة الواقعة قرب دمشق، عقب مقتل 6 مسلحين دروز، في اشتباكات مع عناصر أمن ومسلحين تابعين للفصائل المسلحة، كما قالت.
وأضافت الهيئة الروحية في بيان "نستنكر بشدة، ونشجب، وندين الهجوم المسلح غير المبرر على مدينة جرمانا، الذي استُخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة، واستهدف المدنيين الأبرياء، وروَّع السكان الآمنين بغير وجه حق"، محمّلة السلطات السورية "المسؤولية الكاملة عما حدث، وعن أي تطورات لاحقة أو تفاقمٍ للأزمة".
شيوخ العقل.. إدانة للتسجيل
سبق ذلك، خروج جماعي لمشايخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا، الشيخ يوسف جربوع، والشيخ حمود الحناوي والشيخ حكمت الهجري، لإدانة الإساءة إلى النبي الكريم، مؤكدَين أن من ارتكب هذا الفعل لا يمثّل إلا نفسه، ومحذرَين من الانجرار إلى فتنة تهدد السلم الأهلي في البلاد.
وقال الشيخ حمود الحناوي: "نتوجه إلى السوريين كافة من مقام مشيخة العقل محذرين من الفتنة وإثارة النعرات الطائفية التي لا تعود إلا بالتفرقة على مجتمعنا.. كفانا ما مررنا به من تفكك وصراع، وعلينا أن ندرك أن الفتنة أشد من القتل".
وأضاف: "الذين يتطاولون على النبي لا يمثلون إلا أنفسهم. هناك مندسون يصطادون في الماء العكر ويتربصون بالمجتمع، ويجب أن يحاسبوا وينالوا العقاب الشديد. علينا أن نتحلى بالحكمة ولا نحمّل الأبرياء جريرة المسيئين".
وتابع: "سنقوم باتخاذ الإجراءات المشددة دون تردد بحق من يتطاول على المقدسات، وخاصة الأنبياء والرسل، فذلك ليس من شيمنا ولا أخلاقنا. كل من يسيء للأخلاق والآداب سيحاسب حساباً عسيراً".
من جانبه، وصف الشيخ يوسف جربوع ما يحدث بأنه محاولة لإثارة الفتنة بين السوريين، قائلاً في تسجيل مصور: "ما نراه على منصات التواصل وما يجري على الأرض هو فتنة تُدار من أطراف تسعى لتقسيم المجتمع السوري وإثارة الاقتتال، وهذا يصبّ في مصلحة أعداء سوريا".
وأكد جربوع على "دعوة الجميع إلى التروي وتحكيم العقل. ما صدر من بعض الأشخاص من إساءة إلى النبي محمد (ص) أمر مرفوض بالكامل، ويمثّل فقط فاعليه، ونحن كمجتمع لا نقبل به بأي حال من الأحوال. كما نرفض أي تطاول على أي نبي من الأنبياء".
وتابع: "سنسعى إلى محاسبة من ارتكب هذا الفعل، وسنظل كما عهدتمونا إلى جانب السلم والأمن والمحبة.. ما يحاك ضد سوريا كبير، ونأمل أن يعود الأمن والاستقرار إلى الوطن".
ولحق بهما الشيخ حكمت الهجري الذي أدان بدوره التسجيل المسيء للنبي محمد، واصفا ما جرى بأنه "فتنة يُعمل عليها من أطراف عديدة لها مصلحة في تقسيم المجتمع السوري إلى فئات وطوائف وإثارة الذعر والاقتتال الداخلي".
وأضاف: "ندعو أهلنا في كل سوريا للتروي وتحكيم العقل فيما يحصل في الوقت الحالي." مشيرا إلى أن ماصدر عن بعض الأشخاص من إساءة إلى نبينا محمد مرفوض تماما ونحن جميعا ضده. ولفت الهجري إلى أنه "لن نقبل أي إساءة إلى نبينا محمد، ونأمل أن تؤخذ الأمور "الفاعل بما فعل" وسوف نقوم بمحاسبة من يقوم بهذا العمل ".
من جهتها، أصدرت وزارة الداخلية السورية، بيانًا رسميًّا دانت فيه ما تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي من تسجيل صوتي يحتوي على إساءات تمس شخص النبي.
وزارة الداخلية تحقق
وقالت الوزارة في بيانها إن الجهات المختصة باشرت تحقيقات مكثفة فور ظهور هذا التسجيل، مشيرةً إلى أن التحريات الأولية أثبتت عدم صحة نسبة الصوتية إلى الشخص الذي وجهت إليه أصابع الاتهام.
وأفادت وزارة الداخلية بأن التحقيق لا يزال مستمرًّا لتحديد هوية الشخص الذي أساء إلى مقام الرسول الكريم، ليتم تقديمه للعدالة ومحاسبته وفق القوانين النافذة.
وأكدت الوزارة أن الدولة عازمة على حماية المقدسات والتصدي لأي اعتداء عليها بكل حزم ومسؤولية، محذرةً من أي تجاوزات قد تخل بالنظام العام أو تهدد الأمن والاستقرار.
وفي السياق ذاته، أشارت وزارة الداخلية إلى تقديرها للمشاعر الصادقة التي أبداها المواطنون "دفاعا عن نبي الإسلام، داعيةً الجميع إلى الحفاظ على النظام العام وعدم الانجرار وراء أي أعمال فردية أو جماعية قد تؤدي إلى التعدي على الأرواح أو الممتلكات".
مشكلة بنيوية
الكاتب والمحلل السياسي السوري، اعتبر في تعليق على ما يجري أنه "خلال 24 ساعة ظهر التحريض الطائفي وكأنه العامل الأساسي المحرك للحياة السورية، فالمظاهرات في بعض المدن السورية، حتى ولو كانت بأعداد قليلة، والاشتباكات في ضواحي دمشق، وجرمانا على وجه التحديد، تؤشر إلى مشكلة بنيوية ليس فقط في الثقافة الاجتماعية بل في هوية الدولة التي تبدلت منذ 8 كانون الأول 2024 بعد سقوط سلطة البعث".
وأضاف بلال في تصريحات لـ "إرم نيوز" أنه "بغض النظر عن المجازر التي شهدها الساحل السوري فإن مسألة التحريض الطائفي انتقلت إلى مساحة خطرة، والتعامل معها يحتاج إلى النظر في عمق هذه المسألة".
ورأى بلال أن هذا التحريض، الذي يأخذ في التصاعد، يعكس حالة عميقة من العجز السياسي أكثر من كونه مجرّد انعكاس للخلافات الاجتماعية أو الدينية، "عندما تغيب السياسة، تصبح الطائفية الأداة الأسرع والأسهل للتعبئة والتحشيد".
وذكر بلال أن هذا الواقع يضعنا أمام إشكالية أساسية تتعلق بكيفية تعامل السلطات السورية الحالية مع الملف الطائفي، فغياب الحياة السياسية وعدم قدرة القوى السياسية على التبلور والنمو، يجعل من الطائفية أداة سهلة تستخدمها مختلف القوى المحلية وحتى الإقليمية، لضمان استمرار حالة الانقسام والفوضى التي تخدم مصالحها. ومن هنا يبدو واضحاً أن استمرار التحريض الطائفي يخدم بشكل مباشر القوى التي لا ترغب بظهور سوريا موحدة ومستقرة."
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|