محور سنّيّ على أنقاض المحور الشّيعيّ؟
يرى باحثان بارزان في مجالَي الأمن والاستخبارات الدوليَّين أنّ “على الولايات المتّحدة أن تمنع استبدال الكتلة الإيرانية الشيعية في منطقة الشرق الأوسط بكتلة تركيّة سنّية تكون مصدراً مُثيراً للمشاكل الإقليمية”. ويعتبران أنّ آمال الرئيس الأميركي دونالد ترامب “أن تدعم تركيا الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب في سوريا واحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، مُفرطة في التفاؤل”، ولا يستبعدان أن يؤدّي سقوط نظام الأسد وظهور أحمد الشرع مكانه إلى استبدال مشكلة بأخرى.
يقول الباحثان أرمان محموديان وجيف روغ في مقال نشراه في مجلّة “ناشيونال إنترست” إنّ “إدارة ترامب على الرغم من التطوّر الإيجابي لمصالح الشرق الأوسط والولايات المتّحدة الذي شكّله سقوط نظام الأسد وإضعاف إيران و”محور مقاومتها”، تواجه الآن صعود محور سنّي مدعوم من تركيا من المحتمل أن يسعى إلى الأهداف نفسها”. ويشيران في هذا السياق إلى أنّ “الجيوش والميليشيات العربية السنّية العربية، وليست الشيعية، هي التي كانت في طليعة الصراع المسلّح ضدّ إسرائيل منذ أربعينيات القرن الماضي حتّى عام 1979 عندما برزت إيران عدوّ إسرائيل الأبرز”.
مع تراجع نفوذ إيران الإقليمي بسرعة، يبدو أنّ النظام التقليدي يعود، في رأي الباحثين. “الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، المرتبط بجماعة “الإخوان المسلمين” والذي يتبنّى آراءً إسلامية، يُحرّض على عدوان سنّي متجدّد على إسرائيل، في وقت تسعى دول عربية سنّية إلى تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية. وبفضل الحماية الأمنيّة التركيّة في سوريا، يمكن لهيئة تحرير الشام الآن السعي إلى تحقيق أهداف أكثر تطرّفاً تهدّد الاستقرار الإقليمي والأمن الإسرائيلي”.
يشير الباحثان إلى قلق إسرائيل من التوغّل التركي في سوريا ومحاولاتها وقفه من خلال غارات جوّية وعمليّات برّية وإبلاغها أنقرة أنّ إنشاء قاعدة عسكرية تركيّة في سوريا خطّ أحمر، وسعيها إلى بناء علاقات مع الطائفة الدرزية السورية التي تشعر بالقلق من وجود نظام إسلامي سنّي في دمشق.
يلفتان إلى لقاء ممثّلين إسرائيليين وأتراك أخيراً في أذربيجان لتخفيف التوتّرات المتصاعدة بين البلدين وفكّ اشتباك عمليّاتهما العسكرية في سوريا. لكنّهما على قناعة بأنّ “الولايات المتّحدة وحدها من تمتلك القوّة والنفوذ للتوسّط بين حليفين يبدو أنّهما على وشك التنافس والصراع المحتمل”.
أدوات سلطة متوازنة في دمشق
في رأي الباحثين أنّ “رغبة الولايات المتّحدة في تجنّب إثارة تصعيد مع حليف في الناتو أمر مفهوم، لكنّ ذلك يجب أن لا يتحوّل إلى سياسة استرضاء تجاه تركيا ووكيلها الناشئ في سوريا”. ويعتبران أنّ “لدى واشنطن عدّة أدوات تحت تصرّفها لضمان وجود هيكل سلطة متوازن في دمشق، وردع عودة التطرّف السنّي إلى الدول العربية، واحتواء محاولات تركيا لتوسيع نطاق نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وذلك من خلال:
1- ألّا ترفع الولايات المتّحدة العقوبات المفروضة حاليّاً على هيئة تحرير الشام. يجب أن يكون أيّ تخفيف للعقوبات على الجماعة، التي زعمت أنّها حلّت نفسها لكنّ قادتها لا يزالون يهيمنون على الحكومة السوريّة الجديدة، مشروطاً بشكل واضح بإجراء إصلاحات جادّة، أوّلها هو إزالة جميع العناصر المتطرّفة والجهادية التي لا تزال نشطة داخل الحكومة السورية الجديدة التي تقودها هيئة تحرير الشام.
لقد دعا الشرع إلى تحديث سوريا وتحريرها وإرساء الديمقراطية فيها، وعلى واشنطن أن تُلزمه بهذه الوعود وأن تمتنع عن الاعتراف الرسمي بالحكومة السوريّة الجديدة حتّى يفي بوعوده.
2- أن تعيد الولايات المتّحدة النظر في موقفها تجاه الوجود العسكري الروسي الباقي في سوريا. فقد تمّ بالفعل تفكيك معظم البنية التحتية العسكرية الروسيّة في جميع أنحاء البلاد، وما بقي هو وجود محدود في قاعدة حميميم الجوّية.
على الرغم من أنّ الولايات المتّحدة وروسيا في صراع في أماكن أخرى من العالم، فإنّ وجود حكومة متشدّدة في سوريا عازمة على تدمير إسرائيل لن يخدم أيّاً منهما.
وفقاً لبعض التقارير، شجّعت القدس واشنطن على عدم الضغط على نظام الأسد لطرد القوّات الروسيّة في الماضي، معتبرةً أنّ وجودها وسيلة للحدّ من نفوذ كلّ من إيران والمتطرّفين السنّة. ونظراً للتنافس التاريخي بين روسيا وتركيا في المنطقة، وخاصة في سوريا، فإنّ منح روسيا حصّة في سوريا يمكن أن يكون بمنزلة ثقل موازن لتركيا.
لدعم لبنان والأردن
3- زيادة الدعم الأميركي للحكومة الوطنية اللبنانية والنظام الملكي الأردني. هناك خطر متزايد من أن تسعى العناصر المدعومة من تركيا والجماعات السنّية المتطرّفة العاملة في سوريا إلى زعزعة استقرار هاتين الدولتين المجاورتين. وقد تؤدّي مثل هذه الاضطرابات إلى تعريض حلفاء الولايات المتّحدة الرئيسيّين للخطر وزيادة التهديد لأمن إسرائيل.
هذه المشكلة حادّة بشكل خاصّ في لبنان، حيث أدّى انهيار سلطة “الحزب” إلى إحراز تقدّم كبير نحو الاستقرار والسلام. ويتعيّن على الولايات المتّحدة أن تبذل كلّ ما في وسعها للحفاظ عليه.
4- حذو الولايات المتّحدة حذوَ إسرائيل وتواصلها مع الأقليّات في سوريا من الدروز والأكراد والعلويّين والمسيحيين. إنّ تقوية هذه المجتمعات من شأنه أن يعزّز أمنها ويمنح أميركا نفوذاً حاسماً ضدّ هيئة تحرير الشام أو غيرها من العناصر المتطرّفة. يمكن للعلاقات المستقلّة مع هذه الأقليّات، التي تراوح من الدعم السياسي إلى العسكري، أن تخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتّحدة من خلال الحفاظ على التوازن ومنع المتطرّفين من استخدام سوريا لزعزعة استقرار الشرق الأوسط.
يجب على الولايات المتّحدة ربط تخفيف العقوبات بتنويع القيادة السياسية في سوريا، بما يضمن منح الأقليّات والجماعات غير المهيمنة حصّة حقيقية في الحكم.
يخلص الباحثان إلى التأكيد أنّه “لا يمكن لتركيا أن تحلّ محلّ إيران في الشرق الأوسط. وفي شكلها الذي لم يتمّ إصلاحه، لن تكون هيئة تحرير الشام أفضل لمستقبل سوريا ممّا كان عليه الأسد. ولا يمكن للتطرّف السنّي أن يحلّ محلّ التطرّف الشيعي”. ويدعوان “الولايات المتّحدة إلى أن تضمن عدم قيام الجيش التركي بسدّ الفجوة التي خلّفها الجيشان الروسي والسوري، وأن تضغط على هيئة تحرير الشام للتخلّي عن أيّ صلات بالإرهاب والحفاظ على حدود منزوعة السلاح مع إسرائيل. إذ لا يجب أن تصبح سوريا ملجأ ونقطة انطلاق لمحور جديد”.
ايمان شمص -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|