عربي ودولي

تحرك بالخفاء وشراء ولاءات.. الإخوان يديرون "حرب الظل" في سوريا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يكن قرار الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، التضييق على تمدّد الإخوان المسلمين في الفترة القريبة الماضية سوى قمة جبل الجليد في العلاقة المتوترة بين السلطة السورية ذات التوجه السلفي الجهادي، وتنظيم الإخوان المسلمين صاحب الحضور القوي في المدن السورية الكبرى.

وكانت مصادر سياسية خاصة، كشفت عن رفض السلطات السورية الجديدة لطلب قدمه ممثلون عن جماعة "الإخوان المسلمين" السورية للسلطات في دمشق، يقضي بفتح مقار ومكاتب للجماعة في سوريا لمعاودة نشاطها العلني في البلاد.

وقال مصدر سوري وآخر عربي، لـ"إرم نيوز"، إن الجماعة طلبت بالفعل فتح مقرات ومكاتب لها في دمشق والمحافظات السورية، لاستعادة نشاطاتها العلنية في البلاد بعد عقود من الحظر الذي فرضه نظام الأسد عليها، لكن رد الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع جاء برفض فتح هذه المقار في الوقت الحالي.

 علاقة متوترة
هذا القرار، يشير، وفقا لمراقبين إلى العلاقة المتوترة بين سلطة دمشق وأحد أقدم وأقوى تنظيمات الإسلام السياسي في التاريخ السوري المعاصر، رغم القمع الذي تعرض له خلال فترة حكم الأسدين، منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي وحتى سقوط نظام بشار الأسد قبل خمسة أشهر من اليوم.

لكن آخرين يرون أن "الجماعة" تمتلك العديد من الأدوات والتحالفات التي تمكنها من الوصول إلى مفاصل القرار، والأهم هو قدرتها على العمل بين السوريين على نطاق واسع، وهو ما يظهر اليوم من خلال الشحن والتحريض الطائفي، بحيث تضع السلطة الحالية في الواجهة محليا ودوليا، فيما تعمل بالخفاء على تحريك الأحداث وتفاقمها ودفعها نحو الانفجار .

فما الأدوات والوسائل التي يعمل وفقها "الإخوان المسلمون" في سوريا لتعزيز حضورهم وترسيخ نفوذهم في المجتمع السوري؟

يرى خبراء وباحثون مختصون في دراسة ومراقبة الجماعات الإسلامية أن "الإخوان" السوريين يعتمدون سياسة العمل في الظل، ولا يفضلون العمل بالواجهة، ويشير هؤلاء إلى أن هذه السياسة ليست وليدة اليوم، بل بدأت تتشكل مع أول شرارة للثورة السورية في مارس آذار 2011، وربما قبل، في إشارة إلى الصدام مع نظام الأسد الأب في حماة خلال ثمانينيات القرن الماضي.

شبكة تنظيمية قوية
مع اندلاع الثورة السورية في 2011، كانت جماعة الإخوان المسلمين في وضع مثير للاهتمام، حيث وجدوا أنفسهم في قلب أحداث سياسية غير مسبوقة. لم يكن المشهد السوري مستعدا لظهور جماعة الإخوان كقوة معتدلة فحسب، بل كان يعج بتنافسات بين قوى إسلامية متباينة، حيث كان هناك تنظيمات جهادية مثل "جبهة النصرة" التي أصبحت لاحقًا "هيئة تحرير الشام"، وتنظيمات أخرى مثل "أحرار الشام"، التي تبنت أجندة إسلامية أكثر تطرفا.

وبعد تأسيس "المجلس الوطني السوري" المعارض في بداية الثورة السورية، وتعيين الدكتور برهان غليون رئيسا عليه، بدا أن هناك محاولة لتقديم واجهة سياسية علمانية. لكن في الخلفية، كان الإخوان يمارسون سياستهم المعتادة؛ عبر الانسحاب من الواجهة، العمل الخفي، تكرار سياسة التقية، وإحراج القيادات السياسية بمطالب الشارع التي صنعوها هم بأموالهم وشبكاتهم" كما يقول الكاتب السوري أنس حمدون.

ويعود حمدون إلى بدايات الثورة فيقول: "كانوا يسيطرون على صفحات الثورة، يمولونها، يشترون الولاءات، يدفعون للثوار كي يرفعوا لافتات بمطالب سياسية معينة، ثم يظهرون كمن يستجيب لمطالب الشارع، وهم في الحقيقة من أنتجها. وهكذا، كانت السياسة الإخوانية نموذجا في الازدواجية و التلاعب؛ من جهة يتظاهرون بالاعتدال، ومن جهة يدفعون القواعد نحو التطرف".

ويوضح الكاتب بأنه "منذ البداية، كانت الثورة تُدفع نحو الأسلمة والتشدد، وكان الإخوان يدفعون بهذا الاتجاه، ويتقاطعون مع هدف النظام الذي كان يريد تشويه الثورة ودفعها نحو المسار الإسلامي المتشدد ليبرر قمعها و ليضعف شرعيتها و قدرتها على الاستقطاب."

ويرى حمدون أن تأثير السياسات التي اتبعها الإخوان المسلمون داخل المجلس الوطني كان كارثيا على العمل السياسي المعارض. والنتيجة كانت أن الثورة حُرمت من جهاز قيادي فعلي يعبّر عن مبادئها وأفكارها، ويمتلك القدرة على تمثيلها. وهكذا، نشأ فراغ سياسي هائل، ليظهر اليوم بشكل واضح كم كان هذا الفراغ مكلفا، وقد تم ملؤه لاحقا بخطاب إسلامي متطرف، عنفي، تسلّل بسهولة إلى المساحة التي كان يجب أن تشغلها قيادة ثورية مسؤولة ووطنية."

ما بعد سقوط النظام
فور فتح الحدود، بدأت كوادر الإخوان المسلمين بالعودة إلى سوريا. وكان عنوان هذه العودة مفارقة لافتة: "نحن الضحايا و المنتصرون".

لكن ورغم حضورهم الاجتماعي القوي، وامتلاكهم شبكات واسعة داخل المجتمع، فإنهم اختفوا تماما من المشهد السياسي العلني. لم يصدر عنهم أي موقف رسمي تقريباً، ولا بيان سياسي، ولا مؤتمر صحفي، ولا حتى نشاط تنظيمي واضح، كما يقول حمدون.

وأضاف:"هذا الصمت الظاهري المريب لم يكن حيادا، بل كان امتدادا لنهجهم في العمل السري. واستمرارا لتحركهم في الظل، دون التقاطهم على رادارات الرأي العام، تماما كما فعلوا في محطات سابقة، من خلال ترك الساحة العلنية تتآكل، بينما يُعاد ترتيب الأوراق في الخفاء".

لكن الأهم، وفقا للكاتب السوري، هو ما عادوا به من أدوات مالية ضخمة. حيث امتلكوا عبر شبكاتهم المالية المنظمة عالميا قدرة كبيرة على التأثير في مجتمع يعيش حالة فقر شديدة، وشبكاتهم سمحت لهم خلال أشهر فقط بإعادة تنظيم وجودهم على الأرض. 

في هذه الفترة القصيرة، استطاع الأخوان المسلمين إعادة استخدام أدواتهم التقليدية، وهي تحريك الشارع من القواعد نحو الخطابات الأكثر تطرفا. و إحراج القيادة السورية الحالية في العلن، دون مواجهتها مباشرة. وبناء خطاب شعبوي يدّعي تمثيل "الأغلبية" و"الحق التاريخي". واستغلال التوترات الطائفية القائمة لتعزيز حضورهم.

لكن هذه المرة، والكلام لحمدون، لم يظهروا كأصحاب مشروع صريح، بل كمراقبين، ينتقدون ويتعاطفون. تركوا السلطة الجديدة تتحمل عبء المواجهة مع المجتمع، بينما يعملون بصمت على إفشالها، ويجهزون أنفسهم لما بعدها.

 تحالفات إقليمية
بالرغم من التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها سوريا، ما تزال جماعة الإخوان المسلمين تستغل حالة الفراغ السياسي والفوضى لترسيخ نفوذها داخل مؤسسات الدولة، وتعتمد الجماعة على تحالفات مع دول داعمة لها لزيادة تمددها ومحاولة اختراق أجهزة الحكم، وفي هذا السياق تعمل الجماعة على تحويل سوريا إلى ساحة لصراعات أيديولوجية عابرة للحدود، ممّا يزيد من مخاطر زعزعة الاستقرار الداخلي، ويهدد بتقويض أيّ جهود لإعادة بناء الدولة، وفق الكاتب المتخصص في الجماعات الإسلامية المتشددة، عبدالله علي.

ويلفت علي في تصريحات لـ "إرم نيوز" إلى أن التنظيم الكبير الذي تتمتع به الجماعة وتحالفها مع جهات دولية داعمة، نقطة قوة كبيرة لها، ولكنه نقطة ضعف كبيرة لمستقبل البلاد، ذلك أن الإخوان لا يعترفون بمفهوم الدولة الوطنية، بل يسعون إلى نشر مشروعهم الأيديولوجي العابر للحدود، ممّا يمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل سوريا واستقرارها.

خلافات بعيدا عن الضوء
الكاتب والباحث مازن بلال يلفت إلى طبيعة العلاقة بين السلطة الحالية "ذات التوجه السلفي" وحركة "الإخوان المسلمين"، فيقول إنه مهما كان حجم الخلافات، وطبيعة ما يجري خلف الأبواب المغلقة، فإن التشكيلات الإسلامية لا تظهر خلافاتها بشكل مباشر؛ لأن المسألة بالنسبة لها خلافات دينية وسياسية في الوقت نفسه.

 ويرى أنه "ربما استبقت السلطة في دمشق أي صدام بإيقاف نشاط الإخوان؛ لأن التنظيم يملك إرثا وجذورا في سوريا بعكس التشكيلات الحالية، فعلى الصعيد الديني لديه خبرة أوسع وعلاقات ممتدة داخل العديد من الشرائح السورية، وهو منافس حقيقي لقيادات السلطة السياسية في سوريا".

من جانب آخر يوضح بلال أن "الإخوان أكثر قبولا على الصعيد الدولي، رغم تصنيفهم من بعض الدول كتنظيم إرهابي. لكن في المقابل لم توجَه تهم واضحة لقياداتهم السياسية، فهم يملكون مرونة سياسية خارجية، ولديهم أيضا شرعية لدى عدد لا بأس به من السوريين.

ويختم بأن "حركة الإخوان الغائبة عن المشهد السياسي السوري العلني هي تشكيل لم يتوقف عن التحرك، فهو العصب السياسي الذي يشد مجموعات فاعلة يمكن أن تتحرك في أي لحظة."

 ويقول: "ربما يصعب اليوم تلمس تحركهم، لكنه موجود على الأقل ضمن النخب الدينية وأتباعهم في سوريا وخارجها، فهو التشكيل الغائب - الحاضر الذي يمكن أن ينتشر بقوة، على الأخص في الجنوب السوري".

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا