الصحافة

باكستان “السنّية” ليست غزّة..

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ هجوم حركة “حماس” في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023 على غلاف غزّة، والمسؤولون الهنود يتخوّفون من تكرار ما حدث في كشمير المحتلّة من الهند منذ عام 1947، بهجوم سريع ومباغت، فتسقط الحكومة العميلة للهند، فتضطرّ نيودلهي إلى الإقرار بالأمر الواقع الجديد، أو على الأقلّ تقبل بإجراء استفتاء على مصير الإقليم، كما كان يطالب الكشميريون منذ عشرات السنين، وذلك نظراً إلى توازن الرعب النووي بين البلدين العدوّين اللدودين، وتحت ضغوط دبلوماسية شديدة.

ما حدث في كشمير في 22 نيسان الماضي كان هجوماً محدوداً، قُتل فيه 26 سائحاً معظمهم من الهنود الهندوس. وهذا كان كافياً لحكومة ناريندرا مودي المتطرّفة كي تتّهم باكستان مباشرة بالمسؤولية عن هذه العملية، وترسل طائراتها الحربية لقصف مواقع في “آزاد كشمير” أو كشمير الحرّة التابعة لإسلام آباد، تحت زعم أنّ الأهداف هي لمجموعات إرهابية تدعمها باكستان. وكان متوقّعاً أن تردّ باكستان بالمثل كما جرت العادة منذ استقلال الهند عام 1947، وانفصال باكستان في العام نفسه، لكنّ إسلام آباد سجّلت تفوّقاً مفاجئاً في سلاح الطيران على الهند، بإسقاطها ثلاث طائرات رافال حديثة، فخر الصناعة الفرنسية، ومعها طائرتان روسيّتان قديمتا الطراز نسبيّاً (سوخوي وميغ 29).

 

سبب التفوّق التكتيكي هو اعتماد باكستان على الصين في تسليحها بطائرات متطوّرة، ومعها منظومة متكاملة من الدفاع الجوّي، على رأسها صاروخ جو-جو من طراز PL 15، ومداه المفترض يصل إلى 300 كيلومتر، ويمكن أن يكون المدى المتاح لدى باكستان أقلّ من ذلك، مضافاً إلى مسيّرات تركيّة من نوعَي بيرقدار وأكنجي، وأجهزة تشويش سمحت بإسقاط مسيّرات هندية من صناعة إسرائيلية، اسمها هاروب Harop. هذه المفاجأة في الساعات الأولى رسمت علامات استفهام قاتمة لدى الهند وحلفائها، فإن كان سبب التفوّق صينيّاً وتركيّاً، فيما تعتمد الهند في تسليحها، لا سيما في السنوات الأخيرة على الولايات المتّحدة وفرنسا، إضافة إلى السلاح السوفيتي، فالأمر مقلق للولايات المتّحدة وإسرائيل على نحوٍ خاصّ.

لا يقتصر القلق على الحلفاء الاستراتيجيّين للهند، بل ينبغي أن ينسحب أيضاً على الهند التي تضمّ أقليّة إسلامية كبيرة، عددها وفقاً للتقديرات الحكومية الهندية في عام 2023 حوالى 197.5 مليون نسمة، أي ما يعادل 14.2% من إجمالي السكّان، بناءً على بيانات التعداد السكّاني لعام 2011. ومن المتوقّع أن يصل العدد عام 2050 إلى أكثر من 300 مليون نسمة، وهو ما سيجعلهم بنسبة 18.4% من إجمالي السكّان. ومن البديهي أن يكون معظمهم متعاطفاً مع باكستان، بالنظر إلى أخوّة الدين أوّلاً، وما تنتهجه حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي منذ وصوله إلى السلطة عام 2014 من قوانين تمييزيّة ضدّ المسلمين: أوّلاً نزع الجنسيّة أو حرمان أعداد كبيرة منهم من الجنسية، لا سيما في ولاية آسام المجاورة لبنغلاديش، وهي من الولايات الأساسية للمسلمين، وبالمقابل كلّ شخص غير مسلم دخل الهند من باكستان وأفغانستان وبنغلاديش قبل عام 2014 يحصل على الجنسية الهنديّة، وذلك بحسب القانون الصادر عام 2019، وثانياً محاولة تغيير قانون الأحوال الشخصية الذي يخضع له المسلمون، إذ في عام 2019 صدر قانون يمنع الطلاق الشفويّ، مع نيّة طرح قانون موحّد للأحوال الشخصية ينطبق على جميع السكّان، وفرضت بعض المدارس والجامعات قيوداً على ارتداء الحجاب، وثالثاً تغيير أسماء مدن وشوارع ذات أصل إسلامي، علاوة على تطبيق القوانين بشكل انتقائي، وتهمة الإرهاب جاهزة في كلّ حين. فضلاً عن تفجير المساجد على أيدي المغالين الهندوس من أتباع رئيس الحكومة الهندية.

الجنرال الملّا حافظ القرآن..

الجديد في المعادلة وصول سيّد عاصم منير إلى قيادة الجيش في باكستان عام 2022، بعدما تولّى لمدّة قصيرة رئاسة الاستخبارات، وذلك بعد تمديد خدمته العسكرية، وكان في سنّ التقاعد. هو في أواخر الخمسين ومن مواليد 1968، وذو تربية دينية محافظة. وهو حافظ للقرآن الكريم، وهي صفة نادرة في ضبّاط الجيش، وهو أوّل قائد للجيش حافظ للقرآن، ويُقال إنّه حفظ القرآن في مدرسة دار التوحيد بمدينة راولبندي، وهي إحدى المدارس الدينية المعروفة في المنطقة. وراولبندي من المدن العسكرية الرئيسية في باكستان ومقرّ للقيادة العامّة للجيش. وعُرف عنه استعماله المفاهيم الإسلامية في خطاباته، مثل الإيمان، التقوى، والجهاد في سبيل الله”، وهي جزء من شعار الجيش الباكستاني. وفي لقاءات عامّة عدّة مع الجنود دعا إلى التزام الأخلاق الإسلامية، وتلا آيات قرآنية في هذه الخطابات، مضفياً على شخصيّته طابعاً إسلاميّاً واضحاً، وهذه صفة بالغة الحساسيّة والأهمّية في الصراع الدائر مع الهند، تجعله قادراً على تعبئة الجنود والمتطوّعين عند إعلان النفير.

إلى ذلك، يطرح اسمه نفسه علامة استفهام جعلت أعداءه في الجيش يحرّضون عليه، فاسمه الكامل: سيّد عاصم منير أحمد شاه، وكلمة “سيّد” في باكستان وغيرها تُطلق على ذوي الصلة بنسب النبي، سواء كانوا من الشيعة أو السنّة. ولذا حاول بعضهم التلميح إلى أنّ قائد الجيش شيعي المذهب، وفي باكستان يحتكر السنّة المناصب الرفيعة في الجيش. ولنفي الشبهة، يقال إنّ رئيس الحكومة شهباز شريف أجرى تدقيقاً في الأمر.
لكنّ ما يلاحظ في سلوك الجنرال منير حرصه على التنسيق مع إيران كما مع الحلفاء التقليديين لباكستان، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية وتركيا والولايات المتّحدة. على أنّ الشخصيّة المثيرة للقلق لقائد الجيش الباكستاني في الأوساط السياسية والعسكرية في الهند تشي بنوع مختلف من القادة الباكستانيين، القادرين على صناعة الأحداث وتوجيهها، علماً أنّ الجيش الباكستاني هو الذي صنع الدولة، وليس هو صنيعة قيام باكستان، أو نتيجة من نتائج الانفصال عن الهند. ولقائد الجيش دور أساسي في السياسة.

وعلى وجه الخصوص، كان للجنرال منير دور مفصليّ في إطاحة رئيس الوزراء السابق عمران خان. وكان عمران قبل ذلك أقال الجنرال منير عندما كان على رأس الاستخبارات عام 2019. إذاً نحن أمام شخصيّة صارمة، دينية التوجّه، حريصة على “مبدأ الأمّتين” الذي تأسّست باكستان استناداً إليه، باعتبار أنّ المسلمين والهندوس مختلفون في كلّ شيء. وسيساعد طابعه الديني في تجييش العالم الإسلامي إلى جانب باكستان في أيّ حرب جديدة مع الهند ستكون مصيرية حتّى لو كانت محدودة كما كانت في حروب 1947، و1965، و1971، و1999. والحرب الأخيرة بوجه خاص خاضتها باكستان بعد عام من حصولها رسميّاً على القنبلة النووية.

هشام عليوان-اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا