مكتب وزير الدفاع: الجيش سيعمل على ملاحقة مطلقي النار وتوقيفهم
تأشيرات سفر أميركية لشيعة لبنان
أحيا لبنان هذه السنة ذكرى مرور 50 عاماً على اندلاع حرب 1975. وأقام في هذه المناسبة قبل أيام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-بيروت ندوة بعنوان "لبنان-50 سنة على 13 نيسان 1975 الآثار والمتغيّرات". وحملت الجلسة الثانية من الندوة التي استمرت يومين ، عنوان "محور المدن". كما حملت المداخلة الأولى من المحور عنوان "أقراص بنت جبيل وأعراس الاحداث" والقاها الدكتور منذر جابر. وحملت المداخلة الثانية عنوان "التغيّرات في مدينة طرابلس" والقاها الدكتور خالد زيادة. وادار الجلسة الدكتور عصام خليفة.
يتبيّن من المشاركين والمداخلات والمناقشات التي شهدتها الجلسة مستوى الاهتمام بهذه المناسبة التي تصنّف تاريخية لناحية الزمن الذي مرّ عليها. لكن ما ورد في الندوة من أفكار يشير الى أن حرب 1975 ما زالت حدثاً راهناً يعيشه اللبنانيون على اختلاف اجيالهم الأحياء.
يتذكر كثيرون من الذين عاصروا الحرب القصة الشهيرة والتي تقول أن وزير الخارجية الأميركية الأشهر هنري كيسنجر زار لبنان في 16 كانون الاول 1973 حيث استقبله رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية. تضيف القصة كما وردت لأعوام في عدد من الصحف: "فوجئ الرئيس فرنجية بوزير خارجية الولايات المتحدة يعرض عليه إمكانية ترحيل المسيحيين من لبنان. ثم قام لاحقاً مبعوث "كيسنجر السفير دين براون خلال حرب السنتين، (1975-1976)، "بتجديد العرض بضرورة ترحيل المسيحيين من لبنان، كحل للحرب اللبنانية". وتخلص القصة الى القول: "عرض الموفد الأميركي دين براون خدمات بلاده في تقديم وسائل النقل اللازمة التي تمكن مسيحيي لبنان جميعهم من الهجرة. وقال بروان: بإمكاننا خلال 48 ساعة تأمين جميع وسائل النقل اللازمة لكم".
جرى نفيّ القصة في مناسبات عدة، لكن جوهرها بقي صحيحاً. فقد تدفق الملايين من اللبنانيين على مدى العقود الخمسة التي تفصلنا على الانفجار الكبير عام 1975 الى خارج اوطانهم هرباً من الجحيم الذي فتح في بلاد الأرز قبل نصف قرن. وظنت الأجيال الأولى أن فوهة الجحيم لن تغلق، فغادروا مقتنعين بعدم العودة. وأتت بعدها أجيال ظنّت خلال استراحات الحروب التي حصلت بين حرب وحرب انها "تنذكر ما تنعاد"، أي أن الحرب انتهت الى غير رجعة. لكن ظن هذه الأجيال خاب المرة تلو المرة، فسارعت الى حقائب السفر كي تلحق بأجيال سبقتها.
يمثل شيعة لبنان العنوان المناسب في الوقت الراهن كي يستعاد كل ما قيل عن سائر الطوائف بدءاً بالمسيحيين عام 1975. وربما يراود المخيلة اليوم أن قصة ما ستحبك في أي وقت من الأوقات تقول أن الموفدة الأميركية الحسناء مورغان اورتاغوس التي لا تقارن شكلاً بنظيرها دين بروان قبل نصف قرن، ستنقل في زيارتها المقبلة للبنان عرضاً مماثلاً ليس الى رئيس الجمهورية الماروني جوزاف عون كما حصل مع سلفه فرنجية، وإنما الى رئيس البرلمان الشيعي نبيه بري من أجل توفير وسائل نقل مئات الألوف من أبناء الطائفة الذين حصدوا الدمار في الحرب الإسرائيلية الأخيرة ولا يزالون، إلى بلاد العم سام التي تمثل الملاذ العالمي للمهاجرين منذ قرون.
يبدو أن قصة جديدة قد تنسب للموفدة أورتاغوس معرضة للنفي لاسباب وأسباب. لكن ما قاله المؤرخ المرموق منذر جابر في الندوة المشار إليها آنفاً يمتلك كل الصحة كي يتم تصديقه. قال جابر في مداخلته: "هناك 12 الف شخص من مدينة بنت جبيل ينتظرون انتهاء معاملات السفر الى الولايات المتحدة الأميركية". يضيف: "تضم لوائح الشطب في المدينة حالياً أسماء 22887 مسجلاً. ثلث هؤلاء تقريباً في مدينة ديترويت الأميركية، وثلث آخر في سائر الولايات المتحدة وكندا وما تبقى في لبنان. ويلفت جابر الى ان مواطني بنت جبيل الذين اجبرتهم الحرب الأخيرة على النزوح عنها هم حالياً في مناطق شتى من لبنان. لكن سفرهم الى الولايات المتحدة الأميركية قد يكون أقرب منالاً من العودة مجدداً الى الاستقرار في موطن الإباء والاجداد.
ويلفت جابر الانتباه الى ظاهرة ذات دلالات. فيقول إلى ان المساعدات التي كان يرسلها مغتربو بنت جبيل الى انسبائهم في الوطن تكاد تغيب والسبب أن الجيل الأول من المهاجرين كان مرتبطاً بالوطن. لكن وبعد ولادة أجيال في الاغتراب تكاد الصلة بلبنان تضمحل.
ماذا عن "أقراص بنت جبيل وأعراس الأحداث" التي كانت منطلق الكلام عن هذه المدينة التي هي الأشهر عبر تاريخ جبل عامل الى جانب شقيقتها النبطية؟
يجيب جابر في النص المكتوب: "كانت بنت جبيل وما زالت في الصف الأوّل من الحواضر التي عايشت معاناة وجودها على حافة التماس المباشر للحدود اللبنانيّة - الفلسطينيّة. فبدءاً من العام 1920 وجدت المدينة نفسها طرفاً في أحداث دمويّة مع جارتها المسيحيّة عين إبل، وطرفاً أوّلاً في أحداث منتصف ثلاثينيات القرن العشرين في الجنوب اللبناني وفلسطين، وفي معارك نكبة خسارة فلسطين (1948)، وفي أحداث عهد شمعون (1958).
ومن أواسط ستينيات القرن العشرين، وجدت بنت جبيل نفسها في غمرة التقلّّبات المتتابعة للصراع العربي - الإسرائيلي، واستتباعاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ فلم تُعطَ المدينة، منذ انتسابها إلى لبنان الكبير، فرصة التطلّع إلى مستقبل في لبنان هذا. وهذا البحث إنما هو محاولة لمعرفة "على أيّ 'بنت جبيل' ترسو بنت جبيل".
لا يغني ما سبق عن العودة الى النص الكامل لمداخلة جابر التي تروي الكثير من تاريخ قابع تحت ركام حرب لا احد يعلم متى يرفع الركام وينطلق العمران. ويخبر المؤرخ الجنوبي بحزن دفين أنه بات وحيداً في لبنان بعدما غادر جميع أبنائه الوطن. وسيكون السؤال الذي يمكن معرفته من بئر هذا الحزن هو: أين البشر بعدما لم يبق حجر على حجر؟
أحمد عياش-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|