انتخابات الشمال: اختبار للنظام من القاعدة

تُعدّ الانتخابات البلدية والاختيارية في الشمال وعكار مرآة صافية لتعقيدات الواقع السياسي والاجتماعي، حيث تتشابك الاعتبارات العائلية والطائفية والسياسية ضمن بنية محلية لا تزال متجذّرة في منطق الزعامة التقليدية، على الرغم من تنامي الوعي المطلبي لدى شريحة من الناخبين.

مع تصاعد الأزمات الاقتصادية وانكشاف هشاشة المؤسسات المركزية، أضحى للبلديات دور محوري في إدارة الشؤون اليومية للمواطنين. وقد شكّلت هذه الانتخابات فرصة لتقييم أداء المجالس السابقة من جهة، ومحاولة تجديد النخب من جهة أخرى. غير أن الواقع يُظهر أن التغيير لا يزال بطيئًا ومشروطًا بإرادة العائلات الكبرى وتحالفاتها، خصوصا في المناطق حيث تطغى العصبيات العشائرية والعائلية وتلعب دورًا أساسيًا في توجيه المسار الانتخابي.

وتكتسب الانتخابات بعدًا سياسيًا بالغ الأهمية، ليس فقط لأنها تعبّر عن إرادة محلية في إدارة الشأن العام، بل لأنها تمثل في جوهرها اختبارًا لمدى قدرة النظام اللبناني على التجدّد من القاعدة.

لا تزال القوى السياسية والحزبية التقليدية تحتفظ بنفوذ ملموس في الشمال. وهي تعمل على دعم لوائح محلية ترتبط بها تنظيمياً أو سياسياً، فتضمن بذلك استمرار نفوذها، خصوصاً في غياب مؤسسات الدولة الفاعلة.

يعكس هذا الواقع العائلي العشائري أزمة الهوية السياسية على المستوى المحلي. فبدلاً من أن تكون المجالس البلدية تعبيرًا عن أولويات الناس وهمومهم اليومية، تصبح مرآة لصراعات تقليدية ومنافسات شخصية. لذا يحب ألا يقتصر الرهان على من يفوز، بل على قدرة المجالس الجديدة على تجاوز منطق الخدمات الزبائنية والعمل على بلورة سياسات محلية تشاركية تعزز الثقة بين المواطن والسلطة المحلية.

في أي حال، ما يميز هذه الدورة من الانتخابات هو تصاعد النقاش السياسي حول دور البلديات في مرحلة الانهيار، وظهور خطاب جديد يُطالب بمجالس بلدية تتمتع بالكفاءة والشفافية والقدرة على إدارة الموارد الشحيحة بفعالية. هذا الخطاب، وإن لم يُترجم بعد إلى مكاسب انتخابية واسعة، يشكل مؤشراً على تغيّر تدريجي في الوعي السياسي، خصوصاً لدى الجيل الشاب والشرائح المتضررة مباشرة من الفساد والمحسوبية، في ظل الحاجة إلى تجربة أنماط جديدة من العمل العام، أكثر التصاقًا بحاجات الناس وأقل خضوعًا للهيمنة الزبائنية. لكن هذا المسار يتطلب وقتًا وإصرارًا.

ميرا جزيني -ليبانون فايلز