بعد إحجام «المستقبل»..أين موقع سعد الحريري وسُنة لبنان؟!
منذ فترة وجيزة أقام بعض محامي تيار المستقبل وبإسمه دعوى قضائية على ناشطة تدَّعي قربها من التيار، على خلفية كتابتها منشور وتوزيعه على مجموعات “واتس اب”، تناولت فيه العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والمملكة العربية السعودية، وطرحت أسئلة عن فحوى هذه العلاقة ومستقبلها.
لست هنا بصدد الدخول بالآليات التنظيمية لتيار “المستقبل” والعلاقة بينه وبين مريديه وهم كثر بلا شك، خاصة وأنني لا أدَّعي معرفة بدواخل التيار ومؤسساته، لكني قصدت بهذا المدخل أن أحاول إلقاء الضوء على لبّ الموضوع من وجهة نظري، أولاً كمواطن لبناني وثانياً كمراقب ومتابع سياسي، وهو هذه العلاقة الملتبسة وغير المفهومة ما بين الرئيس سعد الحريري والمملكة العربية السعودية منذ عدة سنوات، وهي علاقة لا شك بأن كان لها دور كبير بقرار تعليق العمل السياسي لتيار “المستقبل” الذي إتخذه الرئيس الحريري بداية عام 2022، والذي لم يزل ساري المفعول حتى اليوم.
احترام الخصوصيات
من البديهي القول أولاً أن من حق المملكة العربية السعودية كدولة شقيقة ومؤثرة في لبنان كما غيرها من الدول، أن تُرسي علاقات صداقة مع من تشاء في لبنان كما العكس، ما دامت هذه العلاقات لا تتضارب مع مصالح الدولة العليا – وإن كان من الأفضل أن تكون العلاقة محصورة من دولة لدولة وهذا مبدأ يجب أن يسري على جميع الدول -، كما من حق الرئيس سعد الحريري الطبيعي أن يحترم خصوصية العلاقة بينه وبين المملكة وأن لا يتحدث عنها أو يناقشها في العلن .
لكن في المقابل هناك حق أيضاً لمؤيدي تيار “المستقبل” كجماعة سياسية وللرئيس سعد الحريري كرمز وطني كبير بعد أكثر من 3 سنوات على تعليق العمل السياسي وأكثر من 7 سنوات على تصدُّع العلاقة بين الجانبين، أن يعرفوا أكثر عن طبيعة هذه العلاقة ومآلاتها خاصة بعد المتغيرات التي حصلت خلال هذه الفترة، لا سيما تطورات العام الماضي التي قلبت الأوضاع داخلياً وإقليمياً من حال إلى حال، والتي من المفروض أنها أزالت الكثير من أسباب الخلاف – أقله المعلن – بين الجانبين، وأدخلت لبنان في طور عهد جديد يحتاج فيه إلى جهود ودعم كل المخلصين من أبنائه، فما بالك بشخصية بحجم ووزن الرئيس سعد الحريري، الذي له مكانته السياسية والشعبية – سواء أعجبنا ذلك أم لا – التي لم تتأثر بغيابه عن الساحة، والتي تتأكد مع كل إستحقاق مهم في البلد ، وليس أدل على ذلك من ” الضياع ” – إذا صح التعبير – الذي تعيشه الطائفة السنية – ما دام الوضع اللبناني يقاس بهذا المعيار – في غيابه كطائفة تبدو مشتتة وغير واضحة الرؤية، وهي من الطوائف المؤسسة للكيان اللبناني، ما يترك أكبر الأثر على دورها بشكل خاص وعلى الوضع اللبناني بشكل عام.
للتذكير بدأت الأزمة كما هو معروف في العام 2017 حين ظهر الرئيس سعد الحريري في 4 تشرين الثاني “نوفمبر” فجأة من الرياض معلناً إستقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية إحتجاجاً على سياسة إيران، حيث تحدث عن محاولة لإغتياله مطالباً بـ “قطع يدها” في لبنان والمنطقة في لغة هي أبعد ما تكون عن خطاب الحريري السياسي، ما أثار الشكوك حول طريقة الإستقالة وصحتها وأسبابها، خاصة وأنها جاءت في خضم تطورات إقليمية، ما عزِّز أكثر نظرية أن الخلاف فعلاً كان على سياسة ربط النزاع التي كان يتبعها الرئيس الحريري إتجاه حزب الله ومحوره حد عقد تسوية أتت بحليف هذا الأخير ميشال عون رئيساً للجمهورية، في الوقت الذي كانت فيه الحرب في اليمن بين السعودية وقوات ” أنصار الله ” الحوثيين على أشدها.
فشل الاستبدال
أثناء هذه الأزمة وبعدها جرت محاولات عدة فاشلة لم تخفَ على أحد لإستبدال زعامة الرئيس سعد الحريري كان أبرزها الإنتخابات النيابية عام 2022 ، غداة تعليق الحريري عمله السياسي وعدم مشاركته في تلك الإنتخابات، سواء المحاولات من داخل العائلة – تجربة الشقيق بهاء مثالا – أو تلك التي جرت من خارجها عبر العمل مع شخصيات كانت محيطة بالرئيس، منها من إبتعد عنه لخلاف في وجهات النظر وهم قلة، ومنها من تخلى عنه في محنته وإنقلب عليه مزايدةً منه في موضوع العلاقة مع حزب الله، الذي أمعن هو الآخر مع ” حليفه ” التيار الوطني الحر في الضغط على الحريري عبر السياسة الخارجية المستفزة تجاه السعودية ودول الخليج عموماً سواء في سوريا أم اليمن، فكان أن وقع الرئيس الحريري ما بين مطرقة السعودية الخارجية بما تمثله من ثقل عربي وخليجي، وسندان حزب الله الداخلي وحكم الرئيس ميشال عون وصهره المدلل بما تمثله سياساته من ضغط على لبنان وإقتصاده ومسيرة الدولة فيه، إضافة إلى ” الحرتقات ” ممن كانوا يُعتبرون حلفاء له ويدَّعون ” العفة السياسية “، فكان أن دفع الثمن السياسي وحده بعد ثورة 17 تشرين الثاني التي جاءت بعد الإطاحة بمخرجات مؤتمر سيدر .
تصاعد التوتر في المنطقة في غير مصلحة المملكة خاصة في اليمن الذي شهد صراعاً سعودياً – إماراتياً إستفادت منه إيران، كذلك فشل الحصار على قطر بمساندة تركية وإيرانية، وعُقدت الإتفاقات الإبراهيمية قبل إنتهاء ولاية ترامب ومجيء إدارة أميركية جديدة برئاسة جو بايدن، التي لم تكن علاقاتها مع السعودية على ما يرام، فكان أن إتجهت المملكة شرقاً إلى الصين حيث أبرمت إتفاقاً مع إيران في إذار 2023 كان أكبر من مجرد ” ربط نزاع ” على غرار ما فعل الحريري مع حزب الله في لبنان، أتبعته في أيار من العام نفسه بإعادة نظام الأسد حليف إيران وحزب الله إلى ” الحضن العربي ” في قمة جدة، ما يعني منطقياً أنها سارت على درب سعد الحريري ولو بعد حين.
اليوم وبعد كل هذه المتغيرات في المنطقة بدءاً بلبنان وليس إنتهاء بسوريا واليمن، يبدو السؤال مشروعاً وضرورياً حول مستقبل علاقة السعودية مع سُنة لبنان ومع سعد الحريري تحديداً ؟ فالسُنة اليوم بغياب سعد الحريري الذي يُمثِّل الخيار الوطني اللبناني المعتدل، تائهون ما بين المرجعية السعودية وبين تركيا والإمارات وقطر، ومنهم من بدأ يرى في النظام السوري الجديد وقائده أحمد الشرع قدوة له ورمز خاصة مع الإحتضان السعودي له.
فهل تعيد السعودية علاقتها “الحريرية السياسية” بكل ما تمثِّل من خيار وطني لبناني معتدل، وما هو موقف سعد الحريري بالذات وهو المؤتمن على الخط الوطني اللبناني المعتدل للسُنة في لبنان من التطورات؟ وما هي خططه للمستقبل القريب الذي يجب أن لا يتعدى العام المقبل مع حلول موعد الإنتخابات النيابية؟ فهل يُقبِل ويعيد تفعيل تيار “المستقبل”، أم يبقى بعيداً متردداً فيصبح “المستقبل” ذكرى من الماضي ؟
هذا هو السؤال اليوم، والمطلوب الإجابة عنه في أقرب فرصة وقبل فوات الأوان .
ياسين شبلي - جنوبية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|