محليات

لبنان على هامش التسويات الكبرى... غائب بإرادته أم مغيب؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أظهرت جولات الرئيس عون الخارجية أن العالم مستعد للسماع لكنه غير جاهز لمساعدة بلده ما لم يلمس تغييراً حقيقياً في التوازنات الداخلية

يبدو أن لبنان حالياً خارج نادي اللاعبين الأساسيين في تسويات الشرق الأوسط، وتحولاته مرهونة ليس فقط بقرارات خارجية، بل قبل ذلك بقدرته على استعادة قراره الداخلي وتحقيق حد أدنى من الإجماع الوطني. أما غياب الرئيس جوزاف عون عن القمة العربية الأخيرة ببغداد فيعكس الواقع السياسي، والمتلخص بأن لبنان موجود في الحسابات الأمنية لا السياسية، ومطلوب منه أن "ينضج داخلياً" قبل أن يدعى مجدداً إلى طاولة القرارت الإقليمية.

تشهد منطقة الشرق الأوسط حالياً ديناميكيات سياسية متسارعة نحو تفاهمات جديدة تعيد رسم خريطة النفوذ الدولي والإقليمي، إلا أن لبنان يبدو وكأنه خارج المقررين الرئيسين على الطاولة، ويعود ذلك لأسباب عدة.

خرق دبلوماسي بلا ترجمة سياسية

منذ انتخابه تحرك الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون على أكثر من محور خارجي، في مشهد بدا كأنه محاولة لإعادة وضع لبنان على الخريطة الدبلوماسية، بعد سنوات من العزلة والتهميش. جال على عواصم القرار العربي والدولي، والتقطت له صور في باريس والرياض والقاهرة وأبوظبي والدوحة والكويت، لكن السؤال الجوهري يبقى: هل شكلت هذه الجولات خرقاً حقيقياً في موقف العالم من لبنان، أم أنها مجرد إعادة فتح قنوات بلا مضمون سياسي فعلي؟ ومما لا شك فيه أن مجرد استقبال عون كرئيس شرعي للبنان في عواصم عربية وغربية يعد تطوراً مقارنةً بالجمود الذي ساد خلال الشغور الرئاسي أو خلال العهد السابق، وقرئ هذا الانفتاح الخارجي، خصوصاً العربي، كـ"فرصة" للبنان للعودة للحضن الإقليمي والدولي والعربي، لكن هذه الجولة اصطدمت بعدم قدرة الرئيس على فرض أجندة داخلية، إذ إنه لا يملك حتى اللحظة كتلة نيابية حاسمة، ولا حزباً داعماً، ولا سلطة تنفيذية موالية، مما يجعل كل مكسب دبلوماسي مجرد رصيد رمزي، تصعب ترجمته سياسياً. وهذا ما يؤشر إلى أن هناك "رفضاً دولياً" للتعامل مع لبنان كدولة مكتملة، إذ تعتبر معظم العواصم أن "حزب الله" ما زال هو اللاعب الفعلي في لبنان، وبالتالي فإن أي دعم للحكومة اللبنانية يجب أن يمرر عبر شروط تتعلق بالإصلاح والسيادة، وهي ملفات لا يمكن لجوزاف عون وحده حسمها.

العالم مستعد لسماع لبنان، ولكن...

صحيح أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، استقبلت الرئيس عون، لكن هذا لا يعني إطلاق الدعم السياسي أو المالي. السعودية مثلاً لا تزال تتعامل بحذر شديد مع لبنان، وتربط أي انفتاح فعلي بكبح نفوذ "حزب الله" وضبط الحدود مع سوريا، وهما ملفان يتجاوزان صلاحيات الرئيس اللبناني. بمعنى آخر أظهرت جولات عون أن العالم جاهز لسماع لبنان، لكنه غير مستعد بعد لمساعدته ما لم يلمس تغييراً حقيقياً في التوازنات الداخلية، وحتى اللحظة هناك شعور في الداخل اللبناني، أن التسويات الكبرى "تقفز" فوق لبنان. وعلى رغم هذه الجولات لم يدع عون إلى القمم الحاسمة، ولا يبدو أنه طرف في أية صفقة إقليمية كبرى، كما حدث أخيراً في قمة الرياض الثلاثية، التي جمعت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس السوري أحمد الشرع، مما يعني أن انفتاح الخارج عليه لا يعني إشراكه في القرار الإقليمي، وهو مقبول كشخص، لا كرمز لدولة ذات سيادة فاعلة. وهذا مؤشر على أن الرئيس اللبناني نجح في كسر جدار العزلة الشكلية، لكنه لم ينجح بعد في تثبيت لبنان كلاعب فعلي في معادلات المنطقة. وذلك يتطلب تغييرات أعمق في الداخل، وتوازناً جديداً، وحكومة متماسكة، وربما تفاهماً وطنياً على دور لبنان وموقعه. وحتى ذلك الحين، سيبقى الرئيس اللبناني ربما يطرق أبواب الخارج، لكن من دون مفاتيح الداخل.

لبنان... ملف مؤجل

يرى عدد من المتابعين للشأن اللبناني أن الدولة المركزية ما زالت غائبة، فلبنان اليوم بلا قرار مركزي واضح في السياسة الخارجية، وهناك انقسام عمودي بين من يعتبر لبنان جزءاً من "محور الممانعة"، ومن يسعى إلى تحييده، مما يجعل من المستحيل تقديم موقف موحد للانخراط في أية تسوية جدية. أضف إلى ذلك أنه ما زالت هناك هيمنة من "حزب الله" على القرار السيادي، وأية تسوية إقليمية تبنى على الحد من النفوذ الإيراني، وهو ما يتعارض مع واقع لبنان، إذ للحزب اليد العليا سياسياً وأمنياً، وهذا يجعله في نظر واشنطن والرياض "جزءاً من المشكلة لا طرفاً في الحل". كما أن هناك العامل الأهم وهو أن الدول الكبرى تركز ضمن أولوياتها على الملفات الأكبر، وذلك لحسم الملفات الثقيلة، كالعلاقة بين سوريا وإسرائيل، أو تطبيع إيران، أو إعادة ترتيب أوضاع العراق، ولبنان في هذه المعادلة ليس مركزياً بل ملفاً مؤجلاً أو تابعاً لتطورات أكبر.

الاهتمام منصب على سوريا الآن

وللغوص أكثر في هذا التحليل، تحدثت "اندبندنت عربية" مع الإعلامي والباحث السياسي علي حمادة، الذي أشار إلى أنه "بالنسبة إلى وضع لبنان على الخريطة العربية، إستناداً إلى زيارة ترمب، والقمم الخليجية من الرياض إلى الإمارات إلى قطر، هناك ما يفيد بأن لبنان موجود على الخريطة، ولكن العامل السوري هو العامل الأهم في المعادلة الآن، مما يعني أن الاهتمام اليوم منصب على الدولة السورية، وهذا طبيعي نظراً إلى حجم ومكانة سوريا وتأثيرها في المنطقة".

من جهته يقول الكاتب محمد حمية إن "الأميركيين يعتقدون أن الحرب والحصار وسلاح العقوبات على سوريا منذ عام 2011 أتت بمفاعيلها المطلوبة، وبالتالي يجب إسقاطها على لبنان و’حزب الله‘ تحديداً، ولم يكن محض صدفة أنه في اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي رفع العقوبات عن سوريا، فرضت واشنطن حزمة عقوبات كبيرة على شخصيات مالية من الحزب، مما يؤشر إلى أن سياسة العقوبات على لبنان مستمرة لفرض الشروط الخارجية عليه، وفي مقدمها نزع سلاح ’حزب الله‘ والتطبيع مع إسرائيل تحت مسمى التفاوض على ترسيم الحدود عبر اللجان الثلاثية". ويتابع حمية "ولم يشفع للبنان أن العهد الجديد فيه جرى التوصل إليه برعاية أميركية، لكي تعلن الولايات المتحدة فك الحصار والعقوبات عنه، ولا حتى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للانسحاب من الجنوب، ووقف عدوانه وخروقه للقرار 1701 وإعلان وقف إطلاق النار، بل تعلن المندوبة الأميركية مورغان أورتاغوس بأن لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها، فيما تفرض واشنطن عقوبات جديدة على الحزب الذي التزم بتطبيق القرار 1701 في جنوب الليطاني بشهادة رئيس الجمهورية وقائد الجيش اللبناني (العماد رودولف هيكل)، وكذلك تطرح واشنطن شروطاً سياسية لا يحتملها العهد الجديد ولا التركيبة اللبنانية، كنزع سلاح ’حزب الله‘ والتطبيع مع عدو لا يزال يحتل أرضاً لبنانية ويقتل ويغتال من دون رادع، إلى حد لم تستطع الحكومة اللبنانية حتى انتزاع وعد من واشنطن، بمنع الاعتداء على الجنوب لمدة 24 ساعة فقط خلال الانتخابات البلدية في الجنوب السبت المقبل

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا