عربي ودولي

حرب أوكرانيا "تحرج" ترامب.. وعود تتبخر والصراع يشتعل

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مضى أكثر من أربعة أشهر على بدء دونالد  ترامب ولايته الرئاسية الثانية، التي فاز بها بعد حملة انتخابية حملت وعودا طموحة، أبرزها إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية خلال 24 ساعة من عودته إلى البيت الأبيض.

لكن هذا الوعد لم يتحقق، والأسوأ من ذلك، أن الحرب لم تقترب من نهايتها، بل باتت مرشحة للاستمرار لفترة أطول بكثير مما كان متوقعا.

بل وتشير المؤشرات الميدانية والسياسية إلى أن الصراع يتجه نحو تصعيد جديد، قد يتجاوز في حدّته ما شهدناه منذ اندلاعه.

تراجع ترامب تدريجيا عن تفاؤله السابق بإمكانية إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية بشكل سريع، ويمكن تفسير حماسته الأولى لإنهاء النزاع بدافعين رئيسيين.

الدافع الأول مرتبط برؤية يتبناها جزء مؤثر من الحزب الجمهوري، تقوم على إمكانية التوصل إلى صفقة سريعة تُنهي الحرب، وتُخفف عن الولايات المتحدة أعباء الدعم السنوي لأوكرانيا، والذي يقترب من 100 مليار دولار.

كما أن هذا التصور يفتح الباب أمام تعاون اقتصادي وطاقوي محتمل مع موسكو، ويمنح المؤسسة العسكرية الأمريكية فرصة لإعادة توجيه مواردها نحو التحدي الأكبر: الصين.

 أما الدافع الثاني، فشخصي، يتعلق برغبة ترامب في تحقيق إنجاز كبير على صعيد السياسة الخارجية يُعزز من إرثه السياسي، ويمنح تيار "أمريكا أولاً" دفعة إضافية في المشهد الداخلي والدولي.

لكن هذين الدافعين فقدا الكثير من زخمهم أخيرا.

فالجناح الجمهوري الداعم للتقارب مع روسيا بدأ يظهر فتورا ملحوظا، في ظل تعقيدات ميدانية وحسابات استراتيجية جديدة. وفي المقابل، بدأت شركات الطاقة الأمريكية، المرتبطة تقليديا بالحزب الجمهوري، تبدي رغبة في استمرار استبعاد روسيا من سوق الطاقة العالمية، وهو ما يتناقض صراحة مع فكرة "فتح صفحة جديدة" معها.

ولعل هذا التباين في المصالح يفسر الجمود الحالي في المسار الدبلوماسي، إذ لم تُعقد أي جولة محادثات جديدة بين  واشنطن وموسكو منذ اللقاء الأخير الذي جرى في العاصمة السعودية الرياض بتاريخ 24 مارس/ آذار.

وبدأ ترامب يدرك أن مقاربته المتفائلة تجاه روسيا لم تعد تخدم صورته كزعيم قوي يسعى للسلام، بل باتت تُظهره في موقف ضعف، فبدلا من أن ينظر إليه كصاحب كلمة مسموعة على الساحة الدولية، أصبح يبدو عاجزا عن التأثير في قرارات الكرملين.

وشهد الشهران الأخيران، وخصوصا النصف الثاني من مايو/ أيار، تصعيدا حادا في العمليات العسكرية الروسية، ما وضع ترامب في موقف حرج يتعارض مباشرة مع وعوده السابقة بقرب إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية.

وفي محاولة للضغط على موسكو، نشر ترامب في 24 أبريل/ نيسان تغريدة مقتضبة قال فيها: "توقّف يا بوتين"، وذلك عقب ليلة من القصف غير المسبوق للعاصمة الأوكرانية كييف.

ولم يكتف بذلك، ففي 8 مايو/ أيار هدّد بفرض عقوبات إضافية على روسيا ما لم توافق على مقترح لوقف إطلاق النار.

وفي خطوة وصفت بأنها تهدف لإظهار الجدية، أعلن ترامب استعداده لحضور جولة مفاوضات كانت مقررة في 16 مايو/ أيار في تركيا، تجمع بين الرئيسين فلاديمير بوتين وفلوديمير زيلينسكي.

 لكن الرد الروسي جاء مخيّبا، فبدلا من إرسال بوتين، خفّضت موسكو مستوى تمثيلها في المفاوضات إلى نائب في البرلمان، رغم أن الرئيس الروسي هو من اقترح اللقاء أصلا.

وخلال تلك الجولة، عادت  روسيا لتطرح شروطها القاسية ذاتها التي كانت قد قدمتها في ربيع 2022، ما اعتبر رسالة تحد مباشرة لترامب واختبارا لقدرته على التأثير في مسار الحرب.

واضطر ترامب للتدخل شخصيًا لإنقاذ مسار المفاوضات، فاتصل هاتفيًا بالرئيس الروسي في 19 مايو/ أيار، وتحادث معه لساعتين. وأعلن بعد ذلك أن المحادثات ستنطلق فورا بين روسيا وأوكرانيا.

إلا أن التصريحات الروسية بعد الاتصال ناقضت مزاعم ترامب، إذ أعلن بوتين أن موقف روسيا واضح، وهو ضرورة "إنهاء جذور هذه الأزمة"، وهو ما فسّر على أنه تمسّك روسيا بالموقف نفسه الذي أعلنته في ربيع 2022.

وفي الأيام التالية، رفعت روسيا مرة أخرى من مستوى عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

وهذا ما دفع ترامب، في 25 مايو/ أيار، لوصف الرئيس الروسي بـ"المجنون"، والتساؤل عما حصل له ولماذا يواصل قتل الكثير من الناس، بحسب تعبيره.

وبمراجعة معمقة لتصريحات ومواقف ترامب في الشهرين الأخيرين، نجد أنه تراجع في توقعاته حول ما يمكن إنجازه عبر المسار الدبلوماسي، وبدأ يتخلى كذلك عن الالتزام باتخاذ خطوات جذرية للتأثير في مسار المفاوضات أو الحرب.

فحتى بعد محادثته الهاتفية اللافتة مع بوتين، اكتفى ترامب بالقول إن روسيا وأوكرانيا ستبدآن المفاوضات، متجنبا بذلك أي إشارة إلى مقترح وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، والذي أعلنت أوكرانيا القبول به، كما تجنب تهديد روسيا بالعقوبات أو التلويح بالمزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

وبشكل موازٍ لهذا التراجع، بدأ ترامب يتهم كلا من أوروبا وسلفه جو بايدن بالمسؤولية عن الحرب.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في 22 مايو/ أيار، إن موقف ترامب الجديد من الحرب يُلخّص بعبارة: "ليست مشكلتي".

ولكن إذا كان ترامب ينسحب تدريجيا من الحرب الروسية-الأوكرانية، ويريد تحميل مسؤوليتها للأوروبيين والأوكرانيين والروس، كما يرغب في وقف الدعم  الأمريكي لأوكرانيا، فإن ذلك يعني فعليا خلق معضلة كبرى لإدارته.

فمقدرة واشنطن على الضغط على كييف للمضي في مسار معين تعتمد، في الحقيقة، على "جزرة" الوعود والمساعدات، وعلى التلويح بسحب هذه الجزرة والتخلي عن أوكرانيا.

أما تخلي واشنطن عن كييف، فيعني فعليا أن الأخيرة ستتحرك دون استشارة الولايات المتحدة.

وهذا ما حدث بالفعل في الضربة غير المسبوقة التي نفذتها أوكرانيا في 1 يونيو/ حزيران، والتي أعطبت ثلث أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية، في أكبر ضربة من نوعها في تاريخ روسيا والاتحاد السوفيتي.

وقد نقلت شبكة "سي بي إس" وموقع "أكسيوس" الأمريكيان، عن مصادر مختلفة، أن كييف لم تُخطر البيت الأبيض مسبقا بنيّتها ضرب أسطول القاذفات الإستراتيجية الروسية.

لعبت أوكرانيا أوراقها بشكل جيد – وربما أفضل بكثير مما كان متوقعًا. فقد تجاوزت كييف سريعًا مشهد اللقاء العاصف في البيت الأبيض بين ترامب وزيلينسكي، في 28 فبراير/ شباط، وعملت على إصلاح العلاقة مع ترامب، ومنحه بعض الإنجازات التي تهمه شخصيا، وعلى رأسها توقيع اتفاقية لاستثمار احتياطاتها من المعادن النادرة، إلى جانب القبول بالمقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما.

كما راجعت أوكرانيا خطابها تجاه الدول الأوروبية، فأصبح أكثر هدوءا، وخفّضت سقف مطالبها وشروطها العلنية، ما شجّع العديد من الدول الأوروبية على رفع مستوى الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لكييف.

وباتت أوروبا تتعامل مع الملف الأوكراني على أساس واقعي، مفاده أن الولايات المتحدة قد تتخلى فعليا عن أوكرانيا، وبالتالي ينبغي ملء الفراغ المحتمل الناتج عن ذلك.

ولعل القارئ يتساءل هنا: كيف يمتلك الأوكرانيون الشجاعة لمواصلة الحرب وسط احتمال تخلي واشنطن عنهم بالكامل؟

يمكن العثور على الجواب في جذور هذا الصراع، وتحديدًا في لحظة إسقاط الرئيس الأوكراني المقرّب من الكرملين، فيكتور يانوكوفيتش، في فبراير/ شباط 2014، فيما عُرف لاحقًا بـ"ثورة الميدان الأوروبي" — نسبة إلى الساحة الرئيسية في كييف التي احتشد فيها مئات الآلاف من المعتصمين المطالبين بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

منذ ذلك الوقت، يخوض الأوكرانيون حربهم ضد روسيا لأنهم يرون في الصمود، بل وحتى مجرّد عدم الهزيمة، بوابتهم نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتحقيق قفزة اقتصادية شبيهة بتجارب دول أوروبا الشرقية.

فبولندا، على سبيل المثال، أصبحت قوة اقتصادية وصناعية صاعدة، ومن المتوقع أن يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي للفرد نظيره في بريطانيا بحلول عام 2034.

أما دول البلطيق الثلاث —  ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا — فقد بلغ إجمالي ناتجها المحلي عام 2021 نحو 142 مليار دولار، وهو رقم يقترب من الناتج الأوكراني البالغ 199 مليار دولار، رغم أن عدد سكان تلك الدول لا يتجاوز 10% من سكان أوكرانيا، ولا تملك ما تملكه الأخيرة من موارد طبيعية أو موقع استراتيجي.

 الأوكرانيون، إذًا، يقاتلون من أجل المستقبل، ويعتبرون أن أي تقدم — أو حتى مجرد الاستمرار في مقاومة روسيا — هو استثمار مباشر في حلم الازدهار الأوروبي.

هذه هي مقاربة أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2014، والتي ترسّخت أكثر منذ اندلاع الحرب في فبراير/ شباط 2022، ويبدو من المستبعد أن تتغير قريبًا.

كما أن مقاربة كييف لم تتغير منذ سنوات عدة، فإن مقاربة موسكو لم تتغير بدورها. تراهن موسكو على أن الولايات المتحدة – سواء أكان يحكمها الديمقراطيون أو الجمهوريون – ستقرّر في نهاية المطاف الانكفاء عن دعم أوكرانيا في الحرب.

وتراهن موسكو أيضا على أن الأوروبيين، في نهاية المطاف، سيراجعون مواقفهم بمجرد أن يدركوا أن الولايات المتحدة قد تخلّت عنهم وعن أوكرانيا.

من منظور موسكو، الحرب في أوكرانيا هي حرب استباقية. هي حرب لاستباق لحظة ضعف روسيا المقبلة إذا ما تابع الأوروبيون استراتيجية عزل روسيا والتخلي عن صادرات الطاقة الروسية.

وهي استراتيجية يعتبر الروس أن الأوروبيين بدأوها منذ سنوات، حتى قبل الحرب في 2022. ويعتبر الروس أيضا أن الرفض الأوروبي للتعاون معهم في سوريا، منذ أن دخلتها القوات الروسية في خريف 2015، هو موقف يكشف أن الأوروبيين لن ينظروا إلى روسيا كشريك جدي.

وبينما يتطلع  الأوكرانيون نحو مستقبل وردي، يخشى الروس أن المستقبل سيجعلهم أكثر ضعفًا إن ظلوا على مسار ما قبل الحرب على أوكرانيا.

والروس لا ينظرون إلى الأمور بهذه الطريقة من فراغ، فقد لاحظوا كيف تضررت صناعتهم الدفاعية منذ أن بدأ الأوروبيون، في 2014، فرض العقوبات عليهم.

فالعديد من الأنظمة الدفاعية الروسية – خصوصا المكونات الإلكترونية الجوية والملاحية ومحركات السفن – كانت تُستورد من الدول الأوروبية، وخصوصا من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا.

وقد أدّت العقوبات إلى وقف العديد من المشاريع الدفاعية الروسية، وتراجع القدرات العسكرية الروسية أمام نظيراتها الأوروبية.

ومن بعض الأمثلة على ذلك، حاملة الطائرات الروسية الوحيدة، "الأدميرال كوزنتسوف"، معطّلة منذ 2017، إذ لم تستطع روسيا استبدال الحوض الجاف العائم "PD-50" السويدي الصنع، والذي استخدمته منذ ثمانينيات القرن الماضي في رفع القطع البحرية الكبيرة وصيانتها.

بالمقابل، تمتلك البحريات الأوروبية في الخدمة الفعلية سبع حاملات طائرات حديثة، وأغلبها يفوق حاملة الطائرات الروسية حجمًا.

ويُقدّر أن روسيا تمتلك حوالي 20 طائرة مقاتلة شبحية من الجيل الخامس في الخدمة الفعلية حاليا، بينما يمتلك الأوروبيون حاليا أكثر من 160 مقاتلة شبحية من طراز "F-35"، وتشير التقديرات إلى أن العدد سيرتفع إلى أكثر من 600 مقاتلة "F-35" في أسلحة الجو الأوروبية خلال عقد من الآن.

كما يوجد مشروعان أوروبيان لإنتاج مقاتلات من الجيل السادس (أحدهما تقوده فرنسا وألمانيا وإسبانيا، والآخر تقوده بريطانيا وإيطاليا والسويد واليابان).

المقارنة في باقي المجالات ستظهر أيضا أن خطط التسليح  الأوروبية تسبق نظيرتها الروسية، أقله من الناحية التقنية.

وما تراهن عليه روسيا منذ 2022، هو أن تستمر الحرب في أوكرانيا بشكل يجبر الأوروبيين على التخلي عن سباق التسلح هذا.

ففي الحقيقة، لا توجد أي استفادة استراتيجية لروسيا من السيطرة على بضعة آلاف من الكيلومترات في أوكرانيا، أو حتى السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية، إذا ما نجح الأوروبيون بالتفوق على الروس في سباق التسلح.

 بأخذ كل ما سبق بالاعتبار، يصبح من المشكوك فيه أن ينتج المسار الدبلوماسي بين روسيا وأوكرانيا أي خروقات جوهرية.

قد تحصل تفاهمات عابرة، على تبادل الأسرى، أو على حماية حرية الملاحة التجارية في البحر الأسود، أو حتى لإيقاف إطلاق النار لبضعة أسابيع أو لبضعة أشهر، إلا أن التفاهمات الاستراتيجية تبقى غير مرجّحة.

ومصير الحرب يبقى في الحقيقة بيد الأوروبيين، وفهم المقاربة الأوروبية للصراع مع روسيا يحتاج لأن يُفرد له نقاش مطوّل. العربية: أكراد سوريا سيعلنون قريبا وفدهم المفاوض مع دمشق
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا