ولاية "داعش" فرع "حزب الله"
منذ انطلاق الثورة في سوريا ربيع عام 2011 التحف نظام البعث ذريعة محاربة الإرهاب التكفيري السني لتبرير مجازره، وأسبغ هذه التهمة على جميع معارضيه، بـ «إسناد» من حلفائه في محور الملالي. وبقي وفياً لهذه الذريعة حتى عقب «خلع» بشار الأسد، «هولاكو العصر الحديث» على حد وصف نائبه فاروق الشرع، ودخول «شرعٍ» آخر، كان واحداً من أبرز من التصقت بهم تلك التهمة، قصره «فاتحاً» يعمل على التخلص من «فلول» جمهورية «الكبتاغون» وإعادة بلاده دولة طبيعية.
لم يكن نظام البعث مُبتدعاً في اختلاق هذه الذريعة وتضخيمها بقدر ما كانت تعبر عن فقره السياسي ومحدودية أداوته، حيث واظب على استخدام أداة سياسية تنتمي إلى عصر الأسد الأب، الذي برع في توظيفها لعقد صفقات مع الولايات المتحدة تتيح له مد استمرار حكمه ونفوذه إلى خارج الجغرافيا السورية. وإن كانت نجحت في إطالة عمر نظام الابن بضع سنين، إلا أنه في النهاية هوى كـ «صرح من خيال» لفشله في قراءة التحولات السياسية وما تمخض عنها من ضمور «مقاولة» الإرهاب التكفيري السني وصيرورته عالمياً «بضاعة مُزجاة».
والحال نفسها تنسحب اليوم على «حزب الله» العاجز عن الانسجام مع المعادلات التي أفرزتها التحولات السياسية، حيث يحاول توظيف آلته الإعلامية الماكرة لإعادة ترويج «فزاعة» الإرهاب التكفيري من بوابة تنظيم «داعش» بالذات، بغية حرف الأضواء عن قضية سحب سلاحه، وصولاً إلى إنتاج وظيفة جديدة له يتوسم من خلالها تجديد «بازار» الإرهاب السني، وإبرام صفقة يسعى إليها بشكل محموم مع واشنطن.
يتوكأ «الحزب» في مساعيه هذه على عناصر شديدة الفعالية. في طليعتها اختراقه العمق السني عبر شبكة واسعة من العملاء والمتنفّعين، بما في ذلك التنظيمات الراديكالية والإرهابية على حد سواء، وذكريات «الباصات المكيّفة»، وإدارته بعض الشراذم الباحثة عن دور، بما يمكنه من صنع «ولاية لبنان في داعش»، وتنظيمات «خلّبية» أخرى على شاكلة «لواء الشيخ أحمد الأسير» أو «أنصار السنة» ومسميات قد تظهر قريباً.
وعليه، فإن أي حدث أمني يحصل في مناطق الكثافة السنية سيجعل أصابع الاتهام توجه إلى «حزب الله»، إذ تشير المعلومات إلى أنه يحضّر عبر فرعه في «داعش» وأخواتها لافتعال قلاقل أمنية من اقتتال وتفجيرات، وحتى استهداف بعض المؤسسات الأمنية، لإعادة ترتيب أولويات الدولة وتوجيه سياساتها ومواردها نحو محاربة الإرهاب السني لا نحو سلاحه.
بيد أن الأخطر من ذلك هو استفادة «الحزب» من شبكة «موالية» داخل الأجهزة الأمنية لتوظيف إدمانها على «فزاعة» الإرهاب التكفيري، وحتى اختلاقه في كثير من الأوقات، الموروث من العقيدة البعثية التي تشربتها خلال عهد الوصاية، لتحقيق هذا الهدف، ولا سيما في ظل غياب الفعالية السياسية عند السنة.
على مدار عقدين ونصف، احترف «البعض» في الأجهزة الأمنية اختلاق شبكات إرهابية وهمية، عبر فبركة ملفات وانتزاع اعترافات تحت التعذيب لأشخاص ينتمون إلى قواعد شعبية شديدة التهميش، من أجل عقد صفقات سياسية ومالية مع الولايات المتحدة والغرب. هذا الإرث الطويل لا يمكن طيه أو تغييره في غضون أشهر، بل يستلزم عملية طويلة الأمد لتنقية المؤسسات الأمنية من هذه الشوائب، وإعادتها إلى دورها الطبيعي «تحت كنف الدولة» وفي خدمة سياساتها.
واحد من المؤشرات الدالة على هذا الإعوجاج يبرز في عصيان الأجهزة الأمنية عن تنفيذ المذكرة التي أصدرها رئيس الحكومة نواف سلام الموجهة إليها، والقاضية بإلغاء الاعتماد على وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع، بما يظهر مدى إدمانها على لازمة الإرهاب التكفيري. ومع أن هذا القرار سبق أن أصدره الرئيس تمام سلام عام 2014، وأعاده الرئيس نجيب ميقاتي إلى الواجهة مطلع العام الحالي، وإن بشكل خجول في محاولة منه لمواكبة التحولات السياسية في المنطقة، إلا أن وصاية «الحزب» على قرار الدولة يمكنها أن تبرر عدم التجاوب سابقاً.
يخوض الرئيس سلام كرجل دولة وقانون معركة إصلاح انحراف الأجهزة الأمنية، والتي تشكل المحكمة «العرفية» العسكرية أداتها الأكثر بطشاً، وما أفضى إليه إدمانها على الإرهاب التكفيري من خلق انعزالية سنية، ولا سيما في القواعد الشعبية، وخصوصاً في الشمال، واستثماره للعب أدوار وعقد صفقات ضمن «البازار» إياه. ناهيكم عن توجيه رسائل سياسية، ليس «الحزب» ببعيد عنها، عبر تسريب معلومات وتضخيم فعاليات معينة، من أجل تعزيز هيمنة المناخ التكفيري على الحيز العام.
في هذه المعركة من المفترض أن يرتصف أهل الدولة، وخصوصاً عند السنة، خلف الرئيس سلام لتعرية هذا النهج وإنهائه، لا تأجيجه ضد الحكومة كما يفعل الرئيس ميقاتي وبعض الحريريين لأهداف شخصية. ليس من الطبيعي أبداً أن يتحكم بعض الفتوات بتوجيه الرأي العام السني، ولا أن تتعامل النخب وطبقة رجال الأعمال مع قادة الأجهزة الأمنية وكأنهم دخلوا مناطقهم بحد السيف، فيسارعون إلى المثول بين أيديهم وتقديم العطايا لدرء الخطر أو ابتغاء الحماية.
سامر زريق - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|