كلام "ناقص" لـ نواف سلام

ليبانون ديبايت" – محمد المدني
كأن قدر لبنان أن يبقى رهينة حلقات متكرّرة من الفساد والمحاسبة الشكلية. فعلى الرغم من وجود ثلاثة أجهزة رقابية رسمية، هي ديوان المحاسبة، ومجلس الخدمة المدنية، والتفتيش المركزي، يُضاف إليها الهيئة العليا للتأديب ذات الطابع القضائي الإداري، لا تزال الإدارات والمؤسسات والبلديات مرتعًا للفساد والإهدار، في مشهد يُختصر بعبارة واحدة: “رقابة بلا نفوذ، وقضاء بلا أسنان”.
هذه الأجهزة، التي يُفترض أن تكون درع الدولة في وجه العبث بالمال العام، تحوّلت بفعل التعطيل السياسي إلى ديكور إداري، ترفع التقارير وتقدّم الملاحظات، لكن من دون أن تملك القدرة التنفيذية أو الغطاء السياسي اللازم لإحداث أي تغيير فعلي.
وإذا كانت مهمة ديوان المحاسبة محصورة برصد الإنفاق العام ومراقبة الموازنات، ومجلس الخدمة المدنية بحفظ التوازن القانوني والإداري في التوظيف، والتفتيش المركزي بمتابعة الأداء الوظيفي ومحاسبة المقصّرين، فإن الحقيقة المؤلمة هي أن كل هذه المهمات مُفرغة من مضمونها بفعل تدخلات السياسيين وتهميش الدولة لصلاحيات هذه المؤسسات.
الأدهى أن ما يُنتظر من الهيئة العليا للتأديب لا يمكن أن يتحقّق أصلاً، لأنها تتحرك بناءً على إحالات من الأجهزة نفسها المعطّلة، وكأن النظام يقول للمواطن: “لا محاسبة دون إذن من الفاسدين أنفسهم!”
وفي كلمته الأخيرة أمام الجهات المانحة، لم يتردّد رئيس الحكومة نواف سلام في تشخيص الأزمة بأن “السبب الأساسي لأزمتنا الاقتصادية والمالية هو سوء الحوكمة”. كلام سلام صحيح، لكنه ناقص. فلو كانت المسألة تقتصر على “الحوكمة”، لكان يمكن إصلاحها عبر إجراءات إدارية. لكن الحقيقة المؤلمة أن الأزمة هي نتيجة سياسات ممنهجة، نفذها فاعلون معروفون، شاركوا في تفكيك الدولة واستنزاف مقدّراتها.
فلماذا لا تُذكر أسماؤهم؟ ولماذا لا يتحرّك القضاء؟ ولماذا تبقى الملفات طيّ الأدراج، وتُستخدم الأجهزة الرقابية كعناوين للاستهلاك الإعلامي لا أكثر؟ وهل مكافحة الفساد مجرّد شعار موسمي يُرفع عند الحاجة، ثم يُطوى بمجرد انتهاء الخطاب؟
اللبنانيون يعرفون الجواب، وهم تعبوا من المسكّنات. وكل المعطيات تشير إلى أن لا ثقة ستعود، لا من الداخل ولا من الخارج، ما لم يبدأ مسار قضائي واضح يُظهر للناس أن المحاسبة لا تميّز بين صغير وكبير. ولا إصلاح سيكون قابلاً للحياة ما دامت أجهزة الرقابة مُرتهنة أو مُحبَطة أو محاصَرة من منظومة لا تسمح لها بأن تؤدّي دورها.
كما أن أجهزة الرقابة التي يُعوّل عليها العهد الجديد وحكومة الرئيس سلام، لا يمكن أن تبرّئ نفسها من مسؤولية ما وصل إليه البلد. فإما أنها ضحية تعطيل ممنهج وعرقلة دائمة من قِبل من وصفهم رئيس الحكومة بـ”الحكّام السيئين”، وإما أنها تعاني من فشل داخلي في الأداء والتوجيه. وفي الحالتين، لا يمكن الحديث عن مكافحة فساد فعلية ما لم تُفعّل هذه الأجهزة، ويُرفَع عنها الغطاء السياسي، وتُعاد إليها هيبتها. فالمعركة لا تبدأ بمحاسبة موظف صغير، بل من أعلى الهرم، إلا إذا كان هذا الموظف شريكًا في منظومة الفساد الكبرى.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|