التهديد بوقف التمديد لليونيفيل: واشنطن تضغط لتعزيز لجنة المراقبة
تُقلّل مصادر سياسية من أهمية ما كشفته صحيفة "يسرائيل هيوم" عن توافق بين واشنطن وتل أبيب على إنهاء مهمة اليونيفيل في جنوب لبنان. تعتبره مجرّد تسريبات لم تُعلن رسميًا بعد، لكن ذلك لا يلغي وجود ضغوط يتعرّض لها لبنان تربط بين التجديد وسحب السلاح وخلق واقع جديد.
ينفي المتحدث باسم قوات "اليونيفيل"، أندريا تيننتي، وجود أي نقاشات رسمية بشأن وقف المهمة. وقد كرّر تيننتي في أكثر من مناسبة أن "حرية الحركة تُعدّ شرطًا أساسيًا لتنفيذ ولاية اليونيفيل، ويشمل ذلك القدرة على العمل باستقلالية وحيادية، كما هو مبيّن في قرار مجلس الأمن الدولي 1701"، مؤكدًا أن أي تقييد لهذه الحرية -سواء أثناء القيام بأنشطة عملياتية مع الجيش اللبناني أو من دونه- يُعد انتهاكًا لهذا القرار. ما يُنذر بتفاقم العلاقة مع "الأهالي" ما لم يُعثر على حل ملائم.
تمديد وسط الضغوط
يستعد لبنان، بعد نحو شهرين، لخوض استحقاق مهم يتمثّل في تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في الجنوب (اليونيفيل) لسنة إضافية. يأتي التجديد هذا العام عقب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، التي انتهت باتفاق على وقف الأعمال العدائية برعاية أميركية، وبتأكيد الطرفين اللبناني والإسرائيلي التزامهما بالقرار 1701، الذي يُعطي قوات اليونيفيل مهمة حفظ الأمن على الحدود. كما يأتي وسط ضغوط دولية على لبنان لسحب سلاح حزب الله، وهو ما بات مطلبًا أساسيًا أو شرطًا لانسحاب إسرائيل من بعض النقاط التي تحتلها، وللمساهمة الدولية في إعادة الإعمار.
وقد وُضع ملف التمديد على سكّة الشروط الأميركية، التي يبدو حتى اليوم أنها تربط التمديد بمجموعة من الشروط على لبنان تنفيذها، تشمل سحب سلاح حزب الله من جنوب الليطاني وشماله، ومنح حرية الحركة لدوريات اليونيفيل من دون مرافقة الجيش اللبناني. وهو ما يواجه باحتجاجات من "الأهالي" في القرى والبلدات التي تدخل إليها هذه القوات.
أبلغ لبنان موقفه الرسمي الداعم للتجديد لقوات اليونيفيل حفاظًا على الاستقرار في الجنوب. وفي جلسة خاصة عُقدت في نيسان الماضي بحضور قيادة الجيش، قرر مجلس الوزراء طلب تمديد التفويض لعام إضافي وتثبيت التعاون مع اليونيفيل، مؤكدًا على التمديد "من دون أي تعديلات جوهرية على الولاية"، في رفض ضمني للدعوات الإسرائيلية المتكررة لمنح اليونيفيل صلاحيات إضافية تُمكّنها من دخول أي منطقة تشاء في الجنوب. ومن خلال اتصالات مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، شدّد لبنان على ضرورة الالتزام بصيغة التفويض الأصلية وعدم توسيعها.
التباين داخل مجلس الأمن
وتقول مصادر دبلوماسية إن مجلس الأمن يشهد تباينًا في مواقف الدول حيال تجديد تفويض اليونيفيل، في ظل استمرار تسلّح حزب الله جنوب الليطاني. فبينما تتولى فرنسا (حاملة القلم) عادةً صياغة قرار التمديد، برزت مطالبة أميركية وإسرائيلية غير رسمية تشترط تعديلات جذرية على عمل اليونيفيل تحت طائلة رفض القرار. وقد عبّر مسؤولون أميركيون عن استيائهم من أداء اليونيفيل، معتبرين أنها لم تتمكن من منع انتشار ترسانة حزب الله أو أنفاقه الهجومية قرب الحدود. وكشف تقرير أن واشنطن أبلغت عبر قنوات دبلوماسية أنها غير راضية عن فاعلية القوة، وتريد تفويضًا أكثر صرامة يمنع خروقات القرار 1701، ملوّحة باستخدام الفيتو إذا اقتضى الأمر.
في المقابل، حرصت دول مثل روسيا والصين على تفهّم الهواجس اللبنانية. ففي تجديد آب 2023 (القرار 2695)، امتنعت موسكو وبكين عن التصويت احتجاجًا على بنود لا تراعي المطالب اللبنانية بشأن التنسيق مع الجيش. حتى الولايات المتحدة، ورغم موافقتها على التمديد، سجّلت انتقادها لعدم إدانة المجلس لتصعيد حزب الله، مؤكدةً أنه "لا يجوز وضع عراقيل أمام عمل اليونيفيل". كما شدّد ممثلها في مجلس الأمن بعد تجديد 2024 على أن لبنان "يجب ألا يكون ملاذًا للمنظمات الإرهابية أو منصة لإطلاق الهجمات ضد إسرائيل"، منتقدًا عدم تسمية حزب الله صراحة في النص.
محطات التمديد تاريخياً
تاريخيًا، اعتادت اليونيفيل أن تعمل بتنسيق لصيق مع الجيش اللبناني في منطقة عملياتها، استنادًا إلى اتفاقية "ترتيبات وضع القوات" (SOFA). لكن في تجديد تفويض أغسطس 2022، أُقرّ تعديل مفاجئ اعتبره لبنان انتقاصًا من السيادة، نصّ على أن اليونيفيل "مخوّلة بأن تجول وتنفّذ مهامها بشكل مستقل من دون إذن مسبق أو مرافقة". وقد أثار ذلك انتقادات حادّة، ودفعت الدبلوماسية اللبنانية في 2023 نحو إعادة التوازن، وهو ما انعكس في القرار 2695، الذي جمع بين التأكيد على حرية الحركة والتشديد على التنسيق مع الحكومة اللبنانية.
وفي تجديد 2024 (القرار 2749)، الذي جاء في ظل توترات أمنية مرتفعة، استمرّ تكريس هذه المعادلة، مع دعوة مجلس الأمن إلى التنفيذ الكامل للقرار 1701 واحترام وقف الأعمال العدائية، مع تهيئة اليونيفيل للتكيّف مع الوضع الميداني المتفجّر، ما يعني ضمنًا الحفاظ على حرية الحركة، في مقابل تمسّك لبناني بالتنسيق العملياتي مع الجيش كعامل ثقة.
مؤخرًا، تكررت حوادث اعتراض دوريات اليونيفيل من قبل مجموعات من "الأهالي" في قرى جنوبية، ما أثار تساؤلات حول خلفيات هذه الظاهرة، وإن كانت ردود فعل شعبية عفوية أم تحركات منظمة تقف وراءها جهات سياسية (لا سيما حزب الله). وتشير مصادر أمنية إلى أن أغلب هذه الحوادث تقع ضمن مناطق نفوذ الحزب. ورغم التزام حزب الله رسميًا بالتهدئة والتنسيق مع اليونيفيل عبر الجيش، إلا أنه لا يُخفي امتعاضه من بعض أنشطتها، كالتصوير ورسم الخرائط، التي يعتبرها تجاوزًا لمهمتها. ويُنظر إلى تصاعد الاحتكاكات عقب التأكيد على حرية الحركة كمؤشر على رسائل احتجاج غير مباشرة من الحزب.
في المقابل، تؤكد الأمم المتحدة أن أي عرقلة لدورياتها أمر مرفوض يقوّض مهمة حفظ السلام، وتدعو السلطات اللبنانية إلى توفير الحماية لجنودها ومرافقتهم وضبط أي تحركات معادية.
وجود على أساس الفصل السادس
يتأسس وجود اليونيفيل في لبنان على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة (التسوية السلمية للنزاعات)، ما يعني أنها قوة غير قتالية تتطلب تعاون الأطراف واحترام سيادة الدولة. ويُبدي لبنان خشية من تحويل المهمة إلى الفصل السابع، ما يمنحها صلاحيات أوسع، وهو ما ترفضه بيروت قطعًا. كما تتحفظ دول كفرنسا وإيرلندا على هذا التغيير خشية تعريض جنودها لمواجهة عسكرية مباشرة. رغم ذلك، تدفع إسرائيل علنًا بهذا الاتجاه، مستفيدة من الدعم الأميركي ودورها الحاسم في تمويل المهمة (نحو 25% من كلفتها).
ومع استبعاد التحول إلى الفصل السابع في ظل التجاذبات الدولية، تُطرح بدائل لتعزيز فعالية اليونيفيل ضمن ولايتها الحالية، مثل خفض عدد القوات مقابل تزويدها بتقنيات متطورة، وزيادة الدوريات، ومراقبة المعابر لمنع تهريب السلاح. كما طُرح اقتراح بتقليص فترة التفويض إلى 6 أشهر بدل سنة، أو تفعيل "اللجنة الخماسية" التي أُنشئت بعد اتفاق وقف إطلاق النار نهاية 2024، والتي ترأسها الولايات المتحدة.
المطلوب دوليًا، حسب مصادر دبلوماسية، هو جعل اليونيفيل أكثر فاعلية في مراقبة وتنفيذ القرار 1701، من دون اللجوء رسميًا إلى الفصل السابع. وإلى حين موعد التجديد، يعمل لبنان دبلوماسيًا على تأمين تمديد سلس يحفظ الاستقرار في الجنوب، فيما تستخدم واشنطن ملف التمديد كورقة ضغط لتحقيق هدفها الأبعد: ضبط سلاح حزب الله.
ومن المرجّح أن يتم التجديد في نهاية المطاف، نظرًا لأن البديل -أي الفراغ الأمني أو انهيار ترتيبات 1701- غير مرغوب به من أحد. وهكذا، سيبقى تجديد تفويض اليونيفيل ميزانًا دقيقًا يعكس الصراع بين مطلب الهدوء ومطلب بسط سلطة الدولة. صراع لم تُحسم فصوله بعد في لبنان ما بعد حرب 2024.
المزيد من الضغط
كشفت معلومات دبلوماسية لـ"المدن" أن التهديد بعدم التمديد يهدف إلى الضغط على لبنان للقبول بشروط أميركية وإسرائيلية تُفضي إلى سلام مفروض. وتوقفت المصادر عند تكرار الصدامات بين "الأهالي" واليونيفيل لتشير إلى أن القانون يفرض على القوات الدولية إعلام الجيش وتحقيق التنسيق. لكن اللافت، بحسب مصادر أمنية، أن قوتين فقط -الفرنسية والفنلندية- تنفذان دوريات من دون إشراك الجيش، ما يتسبّب بصدامات.
وترى المصادر أن الضغوط لعدم التمديد قد لا تُثمر، لكن مهمة لبنان ستكون صعبة ومعقدة للغاية إذا لم تطرأ متغيرات، لأن نص التمديد سيخضع لنقاشات مفتوحة وقد يتعرّض لتعديلات لا يستطيع لبنان تحمّلها. وتخشى المصادر من أن يكون الهدف استبدال دور اليونيفيل بلجنة المراقبة، بحيث تتحول اليونيفيل إلى عضو فيها فقط.
وتذهب مصادر سياسية إلى التساؤل عن موقف وزير الخارجية يوسف رجي إزاء هذه الضغوط، وعما إذا كان سيرضخ لها ويقبل بتعديل مهام القوات الدولية، ما قد يُوسّع دائرة المواجهة بينها وبين "الأهالي". الملف ما زال في بدايته، لكن الضغوط انطلقت فعليًا، وأصبح ملف اليونيفيل ضمن سلّة المطالب الدولية المطلوب من لبنان الالتزام بتنفيذها. فهل تنجح الدبلوماسية في معالجة هذا النزاع الجديد؟
غادة حلاوي - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|