سبعة أشهر على إتفاق وقف النار: هل تعود الحرب؟
بعد مرور سبعة أشهر على اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، والذي وُضِع على أساس القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في آب 2006، تتصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية بصورة مقلقة، لتبلغ ذروتها مؤخراً في القصف الذي طال الضاحية الجنوبية لبيروت وعين قانا الجنوبية مساء الخميس، في رابع إستهداف مباشر منذ تشرين الأول الماضي، لكنه الأشدّ من حيث النوعية والرسائل.
ad
وقف النار على حافة الانهيار
الضربة الأخيرة التي زعمت فيها إسرائيل أنها لاستهداف منشآت يستخدمها الحزب في تصنيع المسيّرات، أعادت إلى الواجهة سؤالاً محوريًّا: هل نحن أمام خطر عودة الحرب الشاملة، أم أنّ ما يجري لا يزال في إطار التصعيد المدروس؟
الإجابة لا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي والدولي، الذي يُغذّي المواجهة غير المباشرة. إسرائيل، ومنذ توقّف العمليات الواسعة في جنوب لبنان، لم تتوقف عن تنفيذ خروقات وعمليات قصف وإغتيال بالطيران المسيّر أو بضربات جوية، ضاربة عرض الحائط اتفاق وقف النار وعمل لجنة الرقابة. وكأنّ الوقائع على الأرض تُشير إلى نية تصعيدية واضحة، خصوصاً بعدما لم تسمح للجيش اللبناني من التحقق من الأهداف قبل قصفها. وتصريحات المسؤولين الاسرائيليين، ولاسيما وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، والتشديد أنّ بلاده "لن تقبل ببقاء أي بنية عسكرية لحزب الله في أي منطقة لبنانية"، معتبراً أنّ لبنان "لم يلتزم" بما جاء في القرار 1701 ولا بالاتفاقيات اللاحقة، خير دليل على النية التصعيدية التي توحي بأن الأمور تأخذ منحى مقلقاً.
المادة السابعة: موضع الخلاف الأساس
تكمن إحدى نقاط التوتر الجوهرية في مضمون المادة السابعة من الاتفاق، والتي تنصّ على نزع السلاح والمنشآت العسكرية بدءاً من جنوب نهر الليطاني، لتشمل كامل الأراضي اللبنانية، ما يعني عملياً تجريد حزب الله من سلاحه. وتزعم إسرائيل أنّ الجيش اللبناني، رغم جهوده، لا يزال يركّز على الجنوب فقط، من دون أن يتمدّد تنفيذ القرار إلى سائر المناطق، على الرغم من أنه تحرك في أكثر من مرة، عندما أبلغ عبر آلية لجنة الرقابة الدولية عن الاشتباه بموقع في الضاحية الجنوبية، وكان الجيش يتحرك مباشرة ويكشف على الموقع. وهذا ما فعله في المريجة بعد غارات الضاحية الأخيرة.
على الرغم من ذلك، تشدّد أوساط ديبلوماسية مطلعة لـ"المدن"، على أنّ البنود المرتبطة بتفكيك البنى التحتية العسكرية، ومنع تهريب السلاح وإنتاجه، ومصادرة الأسلحة غير الشرعية، وهي بنود واضحة في القرار 1701، لا تُطبّق بالكامل. وتستشهد تلك الأوساط في ذلك بتقارير دورية للأمم المتحدة تُبدي فيها قوات اليونيفيل عجزها عن الدخول إلى بعض المناطق جنوب الليطاني بسبب "عوامل ميدانية وأمنية خارجة عن إرادتها. كما أن إعتراض دوريات اليونيفيل والاعتداء عليها، أو طردها من قبل الأهالي في الجنوب بوتيرة أصبحت تتكرر بشكل شبه يومي، يعزز موقف الولايات المتحدة ومعها إسرائيل اللتين تدفعان في اتجاه إلغاء دور اليونيفيل وحتى وجودها في الجنوب. وهذا ما ستسعى الولايات المتحدة الاميركية إلى الضغط باتجاهه في مجلس الأمن الدولي".
من جهته يرى لبنان الرسمي أن الخلل الأساسي يكمن في استمرار إسرائيل باحتلال التلال الخمس على الحدود الجنوبية، التي تعهدت بالانسحاب منها خلال 60 يوماً من انتشار الجيش اللبناني، بحسب نصّ الاتفاق. ولذا، فإن بقاء الاحتلال في هذه النقاط، واستمراره في خرق السيادة الجوية والبريّة يومياً، يُسقط شرعية أي مطالبة إسرائيلية بتنفيذ أحادي الجانب للقرار. موقف لا تنكر جهات ديبلوماسية عربية وأجنبية صوابيته، لكنها في الوقت ذاته لا تعفي الجهات الرسمية اللبنانية المعنية من مسؤولية ما وصفته بالمماطلة وإضاعة مزيد من الفرص لإنهاء ملف السلاح على كامل الأراضي من جهة، أو أقله بدء مسار تنفيذ تسليم السلاح أو نزعه شمال الليطاني، بعدما شارفت عملية نزع السلاح جنوب الليطاني على نهايتها.
الأوساط الديبلوماسية، وبلهجة متشددة، حذرت من "إضاعة لبنان فرصة هي الأخيرة له ليستقل قطار التغيير الذي تشهده المنطقة، كل المنطقة".
في المقابل، يؤكد مصدر أمني لـ"المدن"، أن الجيش اللبناني ملتزم تماماً بما نصّ عليه القرار 1701، وأنه يعمل بالتنسيق مع اليونيفيل ضمن المهام المحددة. لكن الطرف الآخر لا يزال يخرق وقف الأعمال العدائية يومياً، ويُضعف بذلك دور لجنة الرقابة التي ترعى الالتزامات الميدانية.
الحزب بين الجهوزية وتسليم السلاح
في خضمّ هذه المعادلة الهشّة، تتزايد الأسئلة حول جهوزية حزب الله لمواجهة تصعيد محتمل، إذا أمعنت اسرائيل باعتداءاتها وتجددت الحرب على لبنان. فالحزب، دخل في مواجهات موضعية منذ تشرين الأول 2023 عندما فتح جبهة الإسناد لقطاع غزة، والحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل في 16 أيلول العام 2024، والتي قوضت فيها قدراته واغتالت قياداته، بمقدمهم السيد حسن نصرالله، ولا تزال إلى اليوم تكشفه كيفما حاول التحرك أو إعادة بناء ترسانته العسكرية وتغتال قياداته العسكرية.
حزب الله اليوم، هل هو قادر على مواجهة إسرائيل وعلى فتح جبهة بوجهها؟ وفي حال تمادت إسرائيل في اعتداءاتها وبلغ تصعيدها حدود الحرب، هل ستكون حرباً من طرف واحد، مقابل عجز حزب الله على التحرك من جهة، وعدم قدرة الجيش اللبناني على الدفاع والمواجهة من جهة أخرى؟
اللافت أنّ الاستهداف الأخير في الضاحية الجنوبية، جاء بعد ثلاث ضربات مماثلة استهدفت محيط بيروت ومناطق لبنانية أخرى، ما يكشف عن انتقال إسرائيل إلى نمط جديد من التصعيد. لذا، يبدو واضحاً أن المعادلة تزداد تعقيداً مع استمرار الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل. فالولايات المتحدة لم تُوجّه أيّ إدانة مباشرة للغارات الإسرائيلية المتكررة، لا بل عكست مواقفها تأييداً لاسرائيل وإعطائها الضوء الأخضر الضمني لمواصلة ضرباتها.
وفي هذا الإطار، عبّرت الأوساط الدبلوماسية عن خشيتها من أن "يصبح القرار 1701 غير كاف وحده لضبط التوتر، وأن الحاجة لإطار تفاوضي جديد يأخذ بالاعتبار المستجدات العسكرية والميدانية التي قد تفرض نفسها".
في ظلّ غياب أيّ مبادرة دبلوماسية حقيقية، وعدم ردع إسرائيل وإعطائها المبررات للتمادي في خروقاتها وإعتداءاتها، ما دام لبنان الرسمي لم يحسم مسألة نزع السلاح على كامل الأراضي اللبنانية، وفي وقت تتزايد الانتقادات الخارجية لبطء مسار حوار رئيس الجمهورية وحزب الله لبدء تسليم كل السلاح، يخشى أن يكون لبنان مقبلاً على مرحلة أكثر هشاشة، خصوصاً وأن قرار الحرب والسلم هذه المرة، ليس بيد أي من الجهات اللبنانية. كما أن الانجرار إلى حرب، اللاعب الوحيد فيها هي إسرائيل، وحزب الله ومعه لبنان هو الملتقي والخاسر الأكبر، قد تكون كلفتها أضعاف ما سبق، في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة وانقسام سياسي، لا يقلّ خطورة عن أي خرق عسكري.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|