بالفيديو والصور - المشهد من مطار بيروت.. جابر: حتى الآن لا خطر على الطائرات!
لبنان عالي المخاطر: التصنيفات غير مشجعة وبطء الإصلاح قاتل
يمرّ لبنان في مرحلة انتقالية ليست سهلة. فرغم تبنّي المسار الإصلاحي في خطاب القَسَم لرئيس الجمهورية، والبيان الوزاري للحكومة، واقتران ذلك ببعض الإجراءات التشريعية والتنفيذية، إلاّ أن النتائج الفعلية للعملية الإصلاحية لم تظهر بشكل ملموس على أرض الواقع. بل على العكس، إنّ الضغوط التي يعيشها اللبنانيون راهناً، على المستوى الاقتصادي والأمني، تشي بأنّ المستقبل القريب سيكون قاتماً.
وانعكاساً لهذا الواقع، لا يزال لبنان مدرجاً على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي FATF، منذ تشرين الأول 2024. وفي زحمة الأحداث التي نعيشها، ذكّرَت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان بقرار الإدراج، الذي يعني أنّ لبنان هو من ضمن الدول عالية المخاطر على صعيد غسل الأموال. فهل يزيد ذلك عزلة لبنان وأزمته؟.
بلد مشبوه
قرَّرَت مجموعة العمل المالي FATF، إدراج لبنان على اللائحة الرمادية بعد تأجيل اتخاذ القرار لنحو عام، وذلك بعد محاولة من مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF) إعطاء لبنان فرصة لتسوية أوضاعه وتفادي تصنيفه ضمن اللائحة الرمادية، وذلك خلال اجتماعها في البحرين بين 20 و25 أيار 2023. لكن الأمور لم تجرِ كما كان متوقّعاً، فسقط لبنان في التصنيف الرمادي الذي يسبق اللائحة السوداء. والصبغة الرمادية تعني أنّ لبنان بلداً مشبوهاً يجب إخضاعه للتدقيق لمنعه من أن يكون مكاناً لغسل الأموال وتبييضها وتمويل الإرهاب، بفعل المصدر غير القانوني لتلك الأموال. وتتعزّز هذه المشكلة إثر تحوُّل الاقتصاد إلى اقتصاد نقدي، تراوح حجمه في العام 2024 بين 10 و14 مليار دولاراً.
وليس خافياً أنّ أزمة المصارف عزّزت الاقتصاد النقدي، بعد أن احتجزت أموال المودعين وفقدت الثقة بأن تكون قناةً لتحويل الأموال بصورة طبيعية، من وإلى لبنان. أمّا قانون السرية المصرفية الذي استُعمِلَ خطّ دفاعٍ ضد إجراء التدقيق في الحسابات والتحويلات، حمايةً لكبار السياسيين والمستثمرين، ومن بينهم أصحاب مصارف، ساهمَ أيضاً في تأخير الإصلاح وتقليص حجم الاقتصاد النقدي. ناهيك بالتعذّر المستمر لإجراء إعادة هيكلة للقطاع المصرفي، وهو العقبة الأساسية أمام إعادة انتظام المسار المالي وإعادة ربط المستثمرين بالقطاع المصرفي وإعادة ربط الأخير بالقطاع المصرفي العالمي من خلال تجديد العلاقة مع المصارف المراسِلة التي تريد التأكّد من مصادر الأموال المحوَّلة إليها من المصارف اللبنانية.
زيادة العزلة
في محاولة إصلاحية لتحجيم الاقتصاد النقدي وإعادة تفعيل العمل في المصارف والحدّ من عمليات تبييض الأموال، أصدر مصرف لبنان في نيسان 2023 التعميم رقم 165 الذي يتيح فتح حسابات جديدة بالأموال النقدية بالدولار والليرة. أمّا الحديث عن قانون رفع السرية المصرفية، فتأخَّرَ كثيراً حتى العام الجاري، في حين لا يزال قانون إعادة هيكلة المصارف محطّ بحثٍ لن يُحسَم قبل الاتفاق على آلية وحجم توزيع الخسائر. ما يعني أنّ لبنان لا يزال بعيداً من حصد نتائج الخطوات الإصلاحية الجزئية التي قام بها. الأمر الذي يبقيه في دوامة الشبهات وينذر بزيادة عزلته الدولية في وقت تبحث فيه الحكومة عن انفراجات تأتي من المستثمرين والجهات المانحة. لكن هؤلاء أيضاً يحتاجون إلى التماس الثقة الغائبة حالياً.
هذا البُعد عن الإصلاحات دفعَ الاتحاد الأوروبي، قبل يومين، إلى "ترسيخ قرار منظمة العمل المالي" من خلال "تحديث القائمة الأوروبية ووضع لبنان على لائحة الدول ذات المخاطر العالية". فالاتحاد الأوروبي، برأي مفوّضة الاتحاد للخدمات المالية ماريا لويز ألبوكيرك "يؤكّد الالتزام القوي بالتوافق مع المعايير الدولية، خصوصاً تلك التي وضعتها مجموعة العمل المالي". ويعني تصنيف لبنان كدولة عالية المخاطر، أنّه يخضع لرقابة إضافيّة بشأن التحويلات الواردة منه وإليه، كما تخضع التعاملات الماليّة مع مصارفه لترتيبات خاصّة".
وبالتالي، فإنّ استمرار إدراج لبنان على اللائحة الرمادية وتصنيفه أوروبياً كدولة عالية المخاطر، في ظل غياب الإصلاحات الجذرية وانعدام إعادة تفعيل القطاع المصرفي واكتسابه ثقة المودعين والمستثمرين، يعني أنّ عملية الاستيراد والتصدير وتنشيط الاقتصاد ستبقى محدودة، ما يحجّم النمو الاقتصادي. أمّا القطاع المصرفي، فسيبقى تحت الرقابة، ما يرفع كلفة التعامل مع المصارف المراسِلة. وفي الوقت نفسه، فإنّ خسارة ثقة المستثمرين تعني فشل عملية إعادة الإعمار التي ينتظرها لبنان سواء لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي أو لإعادة ترميم ما هدمته الأزمة الاقتصادية منذ 6 سنوات حتى اليوم. فالمستثمرون يبحثون عن التنفيذ الفعلي للإصلاحات في القطاع المصرفي وفي القضاء، إذ من شأن ذلك حماية استثماراتهم عن طريق ضمان حرية ونزاهة حركة الأموال والتأكيد على أنّ القضاء اللبناني بات مؤهّلاً ليكون حَكماً في النزاعات.
نتيجة طبيعية
لن تضيف التصنيفات شيئاً لم يكن موجوداً من قبل. فعلى مدى نحو 6 سنوات، عرفَ لبنان باقة من الأزمات جعلت انحداره الاقتصادي شديداً وصولاً إلى القعر. فيما محاولات الصعود متعثّرة. ولذلك، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية، خليل جبارة، أنّ "لا تأثيرَ مباشراً للقرار الأوروبي أو قرار FATF على المستثمرين لأنّهم ليسوا موجودين في لبنان، ويعرفون الوضع جيّداً وهم غير متحمّسين للعودة في ظل الوضع الحالي". وبالتالي، يبقى التأثير قائماً على المدى الأبعد من خلال تراكم تداعيات عدم الإصلاح الذي بدوره يمنع التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والخروج من الأزمة المصرفية وإعادة الثقة بالاقتصاد.
وبحسب ما يشير إليه جبارة في حديث لـ"المدن"، فإنّ ما وصلنا إليه "هو نتيجة طبيعية لسنوات من الأزمة بلا إجراءات إصلاحية، وسنوات من تفشّي الاقتصاد النقدي". وبرأيه "من الخطأ في ظل هذه المعطيات، عدم إدراج لبنان على اللائحة الرمادية وتصنيفه كدولة عالية المخاطر".
ولا يجد جبارة أنّ ما تقوم به الحكومة ومجلس النواب، كافياً. فبالنسبة إليه "نحن لم نعرف حتى الآن ماذا يحصل في مسألة الفجوة المالية. ومجلس النواب لم يقرّ مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف. ولم يتم التفاوض مع الدائنين الخارجيين. وما تم اتخاذه من إجراءات إصلاحية مثل التعميم 165 وتعديل قانون السرية المصرفية، غير كافٍ، ولا يمكن وسط ذلك الحديث عن إصلاحات فعلية".
لبنان عالي المخاطر أمنياً واقتصادياً ومالياً. ليس ذلك بالأمر السهل، لأنّ انعدام المؤشّرات الإيجابية تشجّع المستثمرين والدول المانحة على تقليل اهتمامهم به، خصوصاً وأنّ المتغيّرات الإقليمية والدولية تتسارع ولا تترك مجالاً لتباطؤ السلطة السياسية في لبنان عن إجراء الإصلاحات. ولذلك، قد لا يلحق لبنان بركب التحوّلات، فيصبح بطء الإصلاح قاتلاً.
المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|